افراسيانت - د. عادل محمد عايش الأسطل - حكومة الوحدة الوطنية التي تم تأليفها في أوائل يونية/حزيران الماضي، بناءً على رؤية حركة فتح وموافقة حركة حماس، لا تزال رؤيتها مشوشة، وليست واضحة إلى الحد الذي يمكنها من خلاله، أن تمارس مهامّها كأيّة حكومة أخرى، بسبب أن الحركتين، لا تزالان تتحسسان الكثير باتجاه نوايا ومخططات الأخرى، وما يزيد الطين بِلّة، هو أن معظم تلك المخططات ظاهرة وغير مخبوءة في الاتجاهين، وهي التي تتمثل في المناكفات والطلبات المتبادلة، بأن تفعل شيئاً وأن تترك شيئاً، وإلاّ فلن تسير العملية التصالحيّة كما ينبغي، وهذا بالتأكيد كان له الأثر وبشدّة على عمل تلك الحكومة، لأنها ترى نفسها مقيّدة بسلاسل من معدنٍ ولا فكاك منها.
الحركتان تبديان سياسة متوافقة على أي شيء بالنسبة للحكومة، وتُفسحان المجال أمام تنقلاتها، ولكنهما تضعان عراقيل ضخمة أمام صلاحياتها، وهذه السياسة هي سياسة الدبلوماسية المانعة والمتراجعة، وهنا نضطر إلى إيراد حكاية وهي: أن أحدهم وضع خبزاً أمام جائعٍ - يكاد يموت جوعاً-، بعضه مكسور والآخر عامراً، أي غير مكسور، ثم قال له: مكسورٌ لا تأكل، وعامرٌ لا تكسر، وكُل قدر ما شئت.
بمعني أن أمام الحكومة كل القضايا، المتاحة وغير المتاحة، فالمتاحة لا إمكانية لديها ولا وسيلة لتنفيذها، وغير المتاحة هي الحدود، التي لا يتوجب النظر بها أو التلفّت حولها، بسبب أنها مصيريّة في نظر الحركتين، وبدون أي اكتراثٍ لمنحدرات القضية الفلسطينية ولا لمستقبل الشعب الفلسطيني ككل، الذي هو الآخر، مُتّهم بمشاهدة حفلات التسخين بينهما ولا يُبالى، وكأنه بات مُخدّراً، أو أصبح يستمتع بأحداثها وبفصولها المتتالية فصلاً بعد فصل.
ما صعّب الأمور حتى وصلت إلى ما هي عليه، هو ملاحظة أن تطلعات الحكومة تقترب من برامج حركة فتح، في نظر حماس على الأقل، وهذا معناه، أحد أمرين، إمّا أنها تأتمر من فتح مباشرةً وتقف عند نواهيها، وإمّا أن حماس تسير بعكس الاتجاه الفلسطيني العام، وتُغني خارج السرب الفلسطيني، وهذا يحتاج إلى تدقيق من قبل جهات مختصة غير منتفعة، أو من الأهلين معاً، كي يتبيّن الخيط الأبيض، من الأعوج.
في كل مرّة حينما كانت تتحدث الحكومة حول أي أمرٍ، كانت تعوق حديثها مواقف فتحاويّة- حمساويّة متبادلة، لا تخلوا من ابتداع خطابات نموذجيّة - مُذاعة-، عن الوطنية والوحدة والتحديات القائمة والمستقبلية، ثمّ تطفح بأنواع الهجومات والتراشقات الموجعة، والتي لا أوّل لها ولا آخر، وكأنه لا تُوجد قضية فلسطينية ولا يُوجد مستقبل فلسطيني، إلاّ من خلالها، وإدارتها بنفسها.
الحركتان تفهمان بعضهما جيداً، في أنهما غير قادرتين على أن يتعايشا معاً، حتى في الحدود الدنيا، ليس منذ اليوم، ولكن منذ تواجدهما على أرض الله، وليس أيضاً لتناقض مبادئهما واحتياجاتهما فقط، ولكن لأنهما متنافستان على إدارة الحكم على الأقل، فمنذ أن شخّصت الواحدة منهما الأخرى، بدا من الواضح جدّاً، أنهما لا تستجيبان لعلاج، ولا تستقيمان لتجربة، وأمّا صور التقارب أحياناً، فهي فقط لإثارة النوازع لديهما، أمام الغير لجمع نقاط ولاكتساب جوائز، فحركة فتح لا تريد رؤية حماس تجلس إلى جانبها، ولا حماس أيضاً، حيث تبذلان الكثير من الجهد والوقت، كي تريا حكومة تابعةً لها، في مقابل معارضة ضعيفة.
على سبيل المثال، حين قررت الحكومة هذا اليوم، وفي إطار أنها لن تتخلَّ عن مسؤولياتها الوطنية باتجاه أبناء القطاع، حل أزمة موظفيه، بعودة القدامى واستيعاب الجدد، وفقاً لاحتياجات الوزارات التابعة لها، اعتبرت حماس القرار، بأنه يرادف تماماً لما تقول به فتح ذاتها، وهو بذلك لا يروقها مطلقاً، بتبرير أن المشكلة يجب أن تُحل من الجذور، وليس بمداواة الفروع، وكذا الحال بالنسبة لقضايا الطاقة، فقد أكّدت الحكومة، بأن القرار بشأنها يتوجب أن يكون بمعزل عن الفصائلية، وأن يتم على أرضية شاملة، للتمكين من مزاولة أعمالها، وهذا يعني في نظر حماس، العودة إلى الأصل – أي إلى الحضن الفتحاوي- وإفراغ يدها منها، وفيما يتعلق بالجدود والمعابر، وفي أعقاب دعوة الحكومة إلى استلامها، في ضوء علمها بأن حماس، ترى أنها لا بد أن تكون شريكة في إدارتها بسبب تكويناتها المختلفة ومتطلباتها الأمنية على نحوٍ خاص.
ومهما يكن من أمر، فان الحكومة، لا يمكن الحكم لها بأنها ذات ظلالٍ مستقلة، بشكلٍ تكون فيه قادرة على الإمساك بتلابيت الأمور، وهي على هذا الحال ستضطرّ وعلى مدار حياتها، لأن تعمل على أن تتفيّأ بما يتوفر من ظلال متناقضة، قد يفوق خرابُها صلاحها، وإذا كانت الحكومة، ستنجح في إنجاز أيٍّ من القضايا، فستكون نتيجة الصدفة وحسب، لأننا تعوّدنا سماع الكثير من التعابير التوافقية، والآمال العظام نحو تحقيق إنجازاتٍ، ولكن إلى الآن لم تحصل قط، أيّة اختراقات غير عادية، بما يُنبؤنا عن أن جملة القرارات المُتخذة، والتي ستُتخذ لاحقاً، ستكون كما لا شيء، وستواصل الحركتان جوقة التلاسن والتلاعن من جديد، نتمنى أن نخطئ هذه المرّة.
خانيونس / فلسطين