افراسيانت - محمد سويد - بين الخطر والمؤامرة، يبقى ملف سد النهضة الإثيوبي نقطة تحول في تاريخ العلاقات المصرية-الإثيوبية.
فقد جاء بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل مثل القشة التي قصمت ظهر البعير، وباتت العلاقات بين الدولتين على المحك، وإن تصنَّع مفاوضو البلدين الابتسام أمام عدسات التليفزيون.
إذ بعد إصرار إثيوبيا على الاستمرار في بناء السد من دون الالتفات إلى تحذيرات الخبراء في هذا الشأن.
وبعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود نتيجة تدخل جهات خارجية ودول في الضغط على الجانب الإثيوبي وتمويله للمضي قدما في بناء السد؛ لا تزال مصر تبحث عن حلول دبلوماسية بعيدا عن دعوات التدخل العسكري، أو حتى اللجوء إلى التحكيم الدولي أملا في عودة العلاقات بين الشعبين المصري والإثيوبي إلى طبيعتها.
وفى الوقت الذي جلس فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره السوداني عمر البشير، لمناقشة ودعم ملف الأمن المائي للدولتين في القاهرة، حيث أكد الجانبان حرصهما على توثيق المصالح المشتركة التي تجمعهما بإثيوبيا، وقبل أن ينتهي الاجتماع، خرج تقرير وكالة أنباء الأناضول التركية شبة الرسمية، على لسان مراسلها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تحت عنوان: "التليفزيون الحكومي الإثيوبي يتهم مصر بدعم جبهة "الأورومو" المعارضة المسلحة في خطوة غير مسبوقة".
وقد أعقبت ذلك أنباء عن استدعاء وزارة خارجية إثيوبيا السفير المصري لديها للاحتجاج. لكن سرعان ما نفى السفير المصري أبو بكر حنفي ما نشر في بعض المواقع الإلكترونية حول استدعائه من جانب وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية برهاني كرستوس؛ مؤكدا أن ما كان هو طلب عبر الهاتف لإجراء لقاء من جانب مسؤولي وزارة الخارجية الإثيوبية، ولم يكن استدعاء، حيث أن الاستدعاء إجراء دبلوماسي يتم بصورة رسمية ويعني الاحتجاج على موقف ما. وقال "لم توجه خلاله أي اتهامات إلى مصر، ولكن تم طلب تفسير لما نشر في وكالة الأناضول التركية عن دعم مصر لمجموعات الأورومو التي تقوم باحتجاجات وأعمال شغب خلال الفترة الماضية أدت إلى إعلان الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ في البلاد".
وكانت إثيوبيا قد شهدت احتجاجات عنيفة من قِبل سكان منطقة أوروميا، التي استهدفت الحكومة الإثيوبية مصادرة أراضيها في الفترات الأخيرة، ما أثار غضب سكان هذه المنطقة اعتراضا على قرار سيهدد أراضي يسكنها تقليديا أفراد من أوروميا، أكبر قوميات جمهورية إثيوبيا الفدرالية بنسبة تتجاوز 39,5% من إجمالي سكان الجمهورية، بتعداد يتجاوز 25 مليون نسمة.
وبينما التزمت الحكومة الإثيوبية الصمت، فإن وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية وصفت الاحتجاجات بأنها غير شرعية تقودها قوة مناهضة للسلام. وذكرت أنه تمت السيطرة الكاملة على هذه الاحتجاجات من دون أن تشير إلى الضحايا.
المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية عاد لينفي – جملة وتفصيلًا – صحة ما نقلته «الأناضول» بشأن دعم مصر لجبهة تحرير الأورومو المعارضة؛ مؤكدًا مبدأ مصر الثابت بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، لا سيما تلك التي تربطها بمصر علاقات وروابط خاصة على المستويين الرسمي والشعبي مثل إثيوبيا.
ولم يفت متحدث الخارجية أن يستنكر «محاولات بعض الأطراف المغرضة الوقيعة ودس الفتنة بين البلدين»؛ مسترشدًا بما شهدته الفترة الأخيرة من تقارب وازدهار في العلاقات الثنائية بين البلدين على كل المستويات، وأكد أن «حكومة وشعب مصر يتمنيان دومًا لدولة إثيوبيا الشقيقة الاستقرار.
ومن الجدير بالذكر أن العلاقات بين مصر وإثيوبيا كانت تتمتع بالهدوء في فترة الرئيس جمال عبدالناصر الذى توغلت شعبيته في القارة الأفريقية، وكان له علامة فارقة فيها، وتجد صورة الرئيس الراحل عبدالناصر في مقر الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا، ولكن مع تولى الرئيس الراحل أنور السادات الحكم في مصر خلفاً لعبد الناصر بدأ التوتر مع إثيوبيا، وظلت التوترات بين مصر وإثيوبيا خلال فترة السادات إلى أن بدأت فترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك وبدأ توطيد العلاقات بين البلدين إلى حد ما، حيث كان الرئيس مبارك يشارك في اجتماعات الوحدة الأفريقية ويشيد بنظام اجتماعاتها وتمنى أن يحذو العرب حذوها في هذه الاجتماعات المنظمة، إلى أن جاءت حادثة محاولة الاغتيال الشهيرة للرئيس مبارك في العاصمة أديس أبابا، عام 1995 وكانت هي الأساس في انصرافه عن القضايا الإفريقية، وخاصة إثيوبيا؛ حيث شعر بأنه إذا اتجه إلى أي دولة أفريقية فقد يتعرّض للاغتيال، وأصبح يوفد رئيس الوزراء أو وزير الخارجية المصري لحضور المؤتمرات الخاصة بالقمة الأفريقية ومتابعة القضايا الأفريقية المختلفة، وهو ما جعل أطرافاً أخرى تتدخل في الشأن الإفريقي وتفرض نفسها على الساحة الإفريقية خلال السنوات الماضية وأدى إلى اتخاذ إثيوبيا قرارات من دون التنسيق مع مصر خلال الفترة.
ويبقى السؤال مطروحا بعد تصاعد أزمة جماعة "الأورومو" حول مصير المسار الدبلوماسي المتعطل بين مصر وأثيوبيا في قضية سد النهضة.