افراسيانت - عمر عبد الستار - بدعوة من العبادي، وصل بارزاني إلى بغداد (29/09/2016) في زيارة هي الأولى له في عهد العبادي، وبعد ثلاث سنوات من القطيعة بين بغداد وأربيل.
وعقب وصول رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني إلى بغداد، عقد رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي مؤتمراً صحافياً مشتركاً معه.
وقد دعا العبادي في المؤتمر الصحافي "إلى مواجهة التحديات وإلى مصالحة وطنية ومجتمعية وتغليب المصالح العليا للبلاد". وأضاف أن "كارثة حصلت بالعراق وأمور كثيرة غير محسومة منذ عام 2003، ونطمح لوضع حلول كاملة والتعاون لحل مشكلة نفط كركوك وموازنة كردستان". وأكد أنه "يدعم الحكم اللامركزي والاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لإقليم كردستان".
من جانبه، قال رئيس إقليم كردستان: "جئنا اليوم لنعبر عن دعمنا للعبادي، ولعمليات التحرير، والتعاون لتذليل كافة العقبات التي تقف في وجه الحكومة". وأضاف: "نؤيد دعوة رئيس الوزراء العبادي لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية من أجل مصلحة البلاد". وأكد أن "هناك تنسيقا جيدا بين القوات المسلحة والبيشمركة لتحرير الموصل؛ مطمئنا أن "مستقبل الموصل سيكون آمنا"، وأن "جميع المشاكل والمسائل يجب أن يتم التفاهم عليها مع بغداد".
والتقى بارزاني برئيس الجمهورية فؤاد معصوم.
ثم ذهب بارزاني بصبحة وفد إقليم كردستان إلى مقر "التحالف الوطني"؛ حيث التقى رئيس "التحالف" السيد عمار الحكيم. وعقد الحكيم وبارزاني مؤتمرا صحافيا مشتركا. وخلال المؤتمر، قال الحكيم: "بحثنا معركة تحرير الموصل والأزمة الاقتصادية، وتقريب وجهات النظر بين بغداد وأربيل". ودعا الحكيم "حكومتي بغداد وأربيل إلى التنسيق لمواجهة مرحلة ما بعد "داعش"".
من جانبه، قال مسعود بارزاني: "وجدنا تفاؤلاً لحل المشاكل العالقة مع بغداد"؛ مشيرا إلى "وجود مناخ جديد أكثر تفاهماً لحل المشاكل وسننطلق من خلاله لحلحلة كافة الأمور". وأضاف بارزاني أن "إقليم كردستان طلب الاستقلال وليس الانفصال وهو حق طبيعي"؛ مؤكداً أن "هذا الموضوع لا يمكن أن يتم دون الاتفاق مع بغداد"، وأن "هناك وفداً من إقليم كردستان سيزور بغداد للوصول إلى اتفاق شامل"، منوهًا بـ "وجود جدية لدى الحكومة الاتحادية لحل كافة المشاكل".
وكان من بين أولى نتائج زيارة بارزاني إلى بغداد، إعلان رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، يوم الخميس (29/09/2016)، عن الاتفاق مع الحكومة الاتحادية على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين أربيل وبغداد للتباحث بشأن معركة الموصل المرتقبة.
وفي سياق متصل، كشف مصدر حكومي عراقي عن وجود جهود أميركية لتقريب وجهات النظر بين رئيس الوزراء، حيدر العبادي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بالتزامن مع زيارة الأخير إلى بغداد.
يؤكد ذلك اتصال هاتفي أجراه نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مع بارزاني عشية الزيارة أكد فيه دعمه لهذه الزيارة. كما يؤكد ذلك أيضا سلسلة زيارات ولقاءات سبقت الزيارة وجمعت المسوؤلين في بغداد وأربيل بحضور الطرف الاميركي، كان آخرها زيارة العبادي إلى نيويورك بصحبة وفد مشترك من حكومة بغداد وإقليم كردستان.
هذا، وتأتي زيارة بارزاني إلى بغداد بعد سلسلة زيارات قام بها إلى تركيا وإيران ودول الاتحاد الأوروبي، التي أبلغته بضرورة طرح مشروع الاستفتاء على الاستقلال على بغداد أولا. وهو ما أشار إليه بارزاني في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع العبادي.
وهو دليل على أن هذا الأمر من جملة الأمور، التي كانت مطروحة على أجندة الزيارة، كما قال - عشية الزيارة - المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان كفاح محمود، الذي شدد على أن “وفد إقليم كردستان سيبحث شكل العلاقة المستقبلية بين بغداد وأربيل، وسيطرح مشروع استفتاء استقلال كردستان خلال الاجتماع وإيجاد صيغة متطورة تضمن العلاقات الطيبة بين شعب كردستان وبقية الشعوب العراقية”.
كما تأتي زيارة بارزاني بعد أيام من إقالة هوشيار زيباري وزير المالية والقيادي في "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بدفع من كتلة المالكي، بحسب مراقبين. وإن صح ذلك، فقد تكون زيارة بارزاني قد أفشلت محاولة المالكي، وقد تكون تداعياتها قد صبت في مصلحة خصومه.
وفي ضوء ذلك، أكد القيادي في "كتلة التغيير" النائب هوشيار عبد الله أن الزيارة هي زيارة حزبية، نظراً لانتهاء ولاية بارزاني. كما دعا النائب عن "ائتلاف دولة القانون" عبد السلام المالكي الادعاء العام إلى تحريك دعوى قضائية وإصدار مذكرة قبض على بارزاني حال وصوله الى بغداد.
أما النائبة عن "جبهة الإصلاح" حنان الفتلاوي، فقد كتبت على صفحتها الرسمية في "فيسبوك": "لا تعطوا طوق النجاة لرئيس إقليم منتهية ولايته وليس له صفة رسمية أو شرعية الآن سوى أنه رئيس حزب لديه 25 مقعدا في البرلمان، وليس بوتين".
وفي رده على التصريحات المناوئة لزيارة بارزاني، وصف النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي، الأصوات التي تعترض على الزيارة بأنها "نشاز ولا تصب في مصلحة أربيل أو بغداد". وأكد شنكالي أن "العمق الاستراتيجي لأربيل هو بغداد ولا استفتاء أو انفصال بدون الرجوع لبغداد"، وأن "النقاط المشتركة بين أربيل وبغداد ستكون منطلقاً للمستقبل".
كما رد السياسي الكردي محمود عثمان على "كتلة التغيير"، فقال إن "زيارة بارزاني لبغداد ليست حزبية ومهمة جدا لجميع الاطراف السياسية في العراق". وأشار إلى أن الوفد المرافق لبارزاني يمثل "أغلب الأحزاب الكردية، فيما تتخلف عن الوفد "جماعة التغيير والجماعة" الاسلامية، وبالتالي لن تكون زيارة حزبية، وإنما تمثل إقليم كردستان".
ومن الواضح أن العبادي وبارزاني وحلفاءهما من أكبر الرابحين من عودة المياه إلى مجاريها بين بغداد وأربيل بعد انقطاعها في عهد المالكي، وأن المالكي وحلفاءه ربما كانا من أكبر الخاسرين في هذا الصلح التاريخي بين أربيل وبغداد، خاصة أنه المتسبب في القطيعة. ويأتي الصلح بعد خسارته لمواقعه داخل الحكومة، وعلى أبواب تحرير نينوى، التي اتهم المالكي حينها بارزاني وحلفاءه بتدبير سقوطها بيد "داعش".
وختاما، ستفتح زيارة بارزاني هذه صفحة جديدة من علاقة بغداد وأربيل، والتي كانت قبل أن تنقطع، حجر أساس في العملية السياسية التي انطلقت بعد 2003. وقد يكون ترتيب أوراق الطرفين بعد رحيل "داعش" من أهم أولويات المرحلة المقبلة؛ حيث سيؤثر استقرار علاقة الطرفين على مجمل المشهد العراقي.