افراسيانت - بعد ليلة عصيبة في ميونيخ، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص في مركز تسوق "أوليمبيا"، قالت الشرطة الألمانية إن منفذ الهجوم يحمل الجنسيتين الألمانية والإيرانية.
وكان منفذ الهجوم المسلح بمفرده، قبل أن يطلق النار على رأسه وينتحر. وعلى عكس كل التوقعات، لم يكن عنصرا من تنظيم "داعش" الإرهابي، أو هذا ما قيل لنا حتى اللحظة. ولم يكن أيضا جزءا من حركة "نازية"، أطلق كلمات نابية ضد المهاجرين أثناء تنفيذه للعملية، بحسب شهود عيان.
وفي جميع الحالات، فإن المهاجم قد مات. ولذا من الصعب أن نعرف دوافعه السياسية، وما إذا كان الهجوم عملا فرديا أم منسقا مع تنظيم ما.
لكن، سواء كان منفذ الهجوم من تنظيم "داعش" أم لا، فلا يمكن تصنيف عملية البارحة إلا في خانة الإرهاب. إذ إن منفذ العملية لم يكن يسعى لسرقة الأموال أو البضائع من المركز التجاري، بل كان هدفه الترهيب وقتل أكبر عدد ممكن من الناس.
لذا، يجب أن نكون حريصين على عدم الوقوع في الأفكار النمطية التي تحاول وسائل الإعلام الغربية تسويقها، أي أنه إذا كان المهاجم مسلما فهو إرهابي، وإذا لم يكن مسلما فهو بكل تأكيد "مختل عقليا".
ولكن كل هذا يجب أن لا ينسينا أن هناك خللا أمنيا أصاب ألمانيا وأدخلها في دوامة عنف لا نعرف بعد إلى أين تتجه؟ وتبقى الأسئلة المفتوحة مطروحة من دون أجوبة شافية: هل تستطيع السلطات الألمانية إعادة ضبط الأمن في البلاد؟ أم أن على الشعب الألماني التعايش مع الحالة الأمنية الجديدة؟ وكيف يمكن لرجل يبلغ من العمر 18 عاما فقط أن يثير كل هذه البلبلة، وينجح في إغلاق المدينة ووسائل النقل العام؟
كذلك، أشار بعض المراقبين إلى ردة فعل الشرطة الألمانية من أجل إحتواء خطر المسلح الوحيد؛ حيث لجأت إلى الاستعانة بـ 2300 عنصر من الضباط المعنيين، بما في ذلك قوات النخبة (GSG9)، وفرق الدهم (SWAT) من الولايات الألمانية الأخرى، ومن النمسا المجاورة.
ومع انتهاء حالة الرعب في ثالث أكبر مدينة في ألمانيا، وجَّه ناشطون ألمان أصابع اللوم إلى المستشارة أنغيلا ميركل، مطلقين حملة على وسائل التواصل الإجتماعي، يدعون فيها إلى استقالة الزعيمة الألمانية.
وعموما، أعرب الناشطون عن غضبهم، قائلين إن المفاجأة الوحيدة في هجوم ميونيخ هو أنه استغرق كل هذا الوقت قبل وقوعها.
وتساءل آخرون: لماذا تختبئ أنغيلا ميركل؟ فالشعب الألماني يستحق أن يسمع منها تعليقا.
بيد أن ميركل كلفت نائبها زيغمار غابرييل، الذي يشغل أيضا منصب وزير الاقتصاد؛ حيث علق على الموضوع على موقع "التويتر" قائلاً: "أنباء صادمة من ميونيخ.. أفكاري مع الضحايا. لا مكان الآن لأي تكهنات"؛ مضيفا أن شرطة ميونيخ تؤدي عملها على نحو رائع.
وبالمثل، أعرب الرئيس الألماني يواخيم غاوك عن "صدمته الكبيرة"، وقال في بيان له إن "الاعتداء الإجرامي في ميونيخ أشعرني بالصدمة إلى أقصى حد"؛ مؤكدا تضامنه مع الضحايا وعائلاتهم.
وعلى الرغم من صدمة المسؤولين الألمان، فإن هذا التقييم الصارخ للوضع الأمني في ألمانيا يأتي في أعقاب تحذير رئيس الوزراء الفرنسي من أن بلاده يجب أن تتعايش مع الخطر المحدق لإرهاب المتطرفين الإسلامويين.
وألمانيا ليست بعيدة أو منفصلة عن المنظومة الأمنية التي تربط بلاد الاتحاد الأوروبي. فهناك عدد من العوامل التي تشير إلى أن هجمات مماثلة ستحدث في الدول الأوروبية، خاصةً من قبل التنظيم الإرهابي.
أما على المدى البعيد، فإذا أرادت ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى احتواء خطر الإرهاب والقضاء عليه تدريجيا، فعليها:
أولا، التعامل بحزم مع المؤسسات والمنظمات السلفية القابعة على أراضيها، والتي تدعو إلى التطرف وإرسال الجهاديين إلى سوريا والعراق.
ثانيا، عليها ضبط حدودها أمام الموجات البشرية، والتأكد من هوية القادمين الجدد قبل استقبالهم. فالأمن القومي لأي بلد أهم من المشاعر الإنسانية التي غالبا ما تكون مزدوجة المعايير.
ثالثاً، على الدول الغربية الضغط على حلفائها في الشرق الأوسط، وتحديدا على المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. فهذه الدول تصدر الإيديولوجيات الراديكالية ليس إلى أوروبا فحسب، بل إلى كل أنحاء العالم.
غير أن الحكومات الأوروبية الحالية لا تبدو جادة في محاربة مصادر الإرهاب. لذا، نتوقع حدوث عمليات إرهابية مماثلة في المستقبل القريب في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وغيرها من الدول الغربية. وعلى شعوب هذه الدول الاستعداد حقا للتعايش مع الإرهاب.
كيفورك ألماسيان