افراسيانت - مصطفى بسيوني - دفعت العملية الإرهابية التي وقعت في تموز الماضي قرب الحدود الليبية، وراح ضحيتها أكثر من عشرين مجنداً، السلطات المصرية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتأمين حدودها وتجنب وقوع عمليات أخرى مشابهة.
وبدا أن الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة المصرية على الحدود مع ليبيا قد نجحت بالفعل في منع تكرار عمليات إرهابية عبر الحدود الغربية، ولكن ما حدث خلال الأيام الماضية اظهر أن مخاطر انهيار الأوضاع في ليبيا لم تنته، وأن أثرها على مصر لم يتوقف.
وخلال الأسبوع الماضي راحت أسرة مسيحية مصرية ضحية للجماعات الإرهابية في ليبيا، بعد ذلك بأيام قليلة، تم اختطاف 20 مصرياً في غرب ليبيا، وجميعهم مسيحيون ويتحدرون من صعيد مصر.
ونُسبت عملية خطف المصريين العشرين إلى جماعة «فجر ليبيا» الإسلامية المتشددة.
هكذا بدا ان إجراءات حماية الحدود المصرية - الليبية، بما في ذلك الدفع بقوات كبيرة لتأمينها من نشاط الجماعات الإرهابية، لم تعد كافية لدرء خطر الإرهاب عن المصريين، الذين ينتشرون بأعداد كبيرة داخل ليبيا، وباتوا أهدافا لجماعات العنف.
ويعد خطف المصريين في ليبيا رسالة واضحة للدولة المصرية، ومفادها أن الخطر قائم طالما ظلت الأوضاع في الداخل الليبي منهارة، وأن تأمين الحدود الغربية مهما بلغ من الإحكام لن يمنع الخطر، خصوصاً أن أعداد المصريين العاملين في ليبيا أكبر بكثير من قدرة السلطات المصرية على تحمل عودتهم إلى بلادهم، في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعدلات بطالة عالية، يصعب أن يضاف إليها العائدون من ليبيا.
وبالرغم من أن الديبلوماسية المصرية قد بدأت بالفعل في التحرك بعد وقوع حوادث الخطف والقتل، إلا أن الوضع في ليبيا يصعب التعامل معه وفق هذه المقاربة.
ومعروف ان ليبيا، التي تشهد فوضى امنية عارمة، تفتقد الى سلطة مهيمنة يمكن التفاهم معها وترتيب تأمين المصريين، كما أن أي إجراءات أمنية تتخذها مصر داخل الحدود الليبية لتحرير المختطفين أو حماية المصريين، ستكون نتيجتها عمليات انتقامية قد يكون ضحاياها أكثر من المختطفين حالياً.
وفيما تعقد الجامعة العربية اليوم جلسة لمناقشة الوضع في ليبيا فإن أحدا لا يعقد آمالا كبيرة على ما سيخرج به الاجتماع العربي، سواء في ما يتعلق بالوضع في ليبيا او في ما يخص مصير المختطفين، خصوصاً ان الجامعة لم تثبت خلال السنوات الماضية أي قدرة على لعب دور فعال تجاه الأوضاع في الدول العربية أو حتى تجاه ترتيب العلاقات بين هذه الدولة او تلك.
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق السفير معصوم المرزوق، في حديث إلى «السفير»، إن «ثمة صعوبات كبيرة في التعامل الديبلوماسي مع قضية المخطوفين، وذلك نتيجة للوضع المتدهور في ليبيا»، لكنه يشير إلى وجود «قنوات أخرى للتعامل مع الداخل الليبي، سواء لدى وزارة الخارجية أو لدى أجهزة الأمن».
ويوضح المرزوق ان «العلاقات القبلية والصلات القديمة يمكن الاستفادة منها للوصل إلى حلول».
ويستبعد المرزوق قيام مصر بأي تغيير في خططها تجاه ليبيا على خلفية هذه الحوادث، موضحاً ان «مصر تعمل بالفعل مع دول الجوار للوصول إلى تسوية سلمية للوضع في ليبيا، وهذه المقاربة ستستمر».
ويضيف المرزوق أن «القانون الدولي يعطي مصر الحق في القيام بعمل (عسكري) لتحرير المختطفين المصريين، إلا ان ذلك غير وارد، لأنه سيعقد الأمور، وسيؤدي إلى أعمال انتقامية، وبالتالي لا ينبغي أن يكون هذا الامر من بين الخيارات المطروحة».
وفي ما يتعلق بالاجتماع العربي اليوم، يقول المرزوق: «للأسف، الجامعة العربية تبدو مشلولة تماماً، ولن يصدر عنها أي شيء. وأظن أنه قد آن الأوان لإعادة النظر في ميثاق الجامعة، وتعديله لتصبح على الأقل مثل الاتحاد الإفريقي، بدلاً من أن تبقى في حالة موت إكلينيكي».
الخيارات تبدو محدودة بالفعل أمام السلطات المصرية، ولكن البعض يرى أن الخطر ليس فادحا كما توحي وقائع الخطف والقتل.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم الاستراتيجية في «أكاديمية ناصر العسكرية» اللواء نبيل فؤاد، في حديث إلى «السفير»، انه «يجب فهم تلك الوقائع في حدودها من دون تعميم»، موضحاً ان «حالات الخطف والقتل تركزت على مصريين مسيحيين، ما يعني أن تلك العمليات ليس المقصود بها المصريين عموماً، وانما المسيحيون على وجه الخصوص، وهذا ما تقوم به الجماعات الإسلامية المتطرفة عموماً إزاء كل الاقليات، فعادة ما توجه عملياتها ضد غير المسلمين، كما نلاحظ في العراق مثلاً».
ويضيف «لا بد من الإشارة إلى ان عشرات الآلاف من المصريين منتشرون اليوم في كل أنحاء ليبيا، ويمارسون أعمالهم من دون أزمات، لو كان هناك استهداف للمصريين عموما لشهدنا وقوع ضحايا من المصريين غير المسيحيين»، مشيراً إلى ان «العمليات تحمل طابعاً طائفياً بحتاً».
ويضيف فؤاد «لا يوجد ما يدعو إلى القلق من عمليات انتقامية ضد مصر في ليبيا، فالموقف المصري من الوضع الليبي يتشابه مع موقف غالبية الدول الاخرى، كما أن مصر لم تقم بأي تدخل في ليبيا، وكل ما تقوم به لا يتجاوز تدريب وتسليح القوات الليبية الرسمية».
ويستبعد فؤاد ان يحدث اي تغيير في الموقف المصري تجاه الوضع في ليبيا، مشيراً إلى أن «مصر ستظل تعمل مع القوى الإقليمية والدولية لإيجاد حل وتسوية للأوضاع في ليبيا».
ويرى أن «الأزمة الحالية يمكن التعامل معها بأكثر من طريقة، فطالما الخطر موجه للمصريين المسيحيين، يمكن سحب المسيحيين من المناطق الخطرة في ليبيا إلى مناطق أكثر أمناً، أو إعادتهم إلى الوطن إذا تعذر توفير الحماية لهم. أما عموم المصريين في ليبيا فلا يوجد خطر خاص يهددهم. كما أنه من الممكن التعاون مع السلطات الليبية وتحفيزها على توفير الأمن والحماية للمصريين هناك».
الأوضاع المنهارة في ليبيا تمثل خطرا على مصر من أكثر من جانب. قبل أشهر شهدت الحدود الغربية عملية إرهابية من النوع الكبير، وتلاها الهجوم على السفارة المصرية في طرابلس. واليوم يتم قتل واختطاف مسيحيين مصريين في غرب ليبيا. وطالما ظلت الأوضاع في ليبيا على تلك الدرجة من الانهيار، فإن أخطاراً أخرى مرشحة للظهور.
المصريون في ليبيا
لا توجد في الوقت الحالي اي احصائية رسمية لعدد المصريين في ليبيا.
وقبل «ثورة 17 فبراير» العام 2011، كانت هناك إحصائية بأعداد المصريين المتواجدين في ليبيا، وكانت تشير إلى وجود مليون و600 ألف مصري تقريبا.
وبعد اندلاع الثورة على العقيد معمر القذافي عاد إلى مصر ما بين 200 إلى 300 ألف مصري، ويرجح انهم لم يعودوا الى ليبيا مجدداً، واستمر تناقص العدد حتى وصل إلى أقل من مليون مصري الآن، بحسب تقديرات غير رسمية.
وما يصعّب الحصول على احصائية دقيقة ان السفارة المصرية في ليبيا مغلقة، بسبب تدهور الوضع الامني، بالإضافة إلى عدم وجود مكتب لوزارة القوى العاملة المصرية في هذا البلد، فضلاً عن ان معظم العمالة المصرية التي توجهت إلى ليبيا سافرت بشكل غير رسمي، وفي ظل عدم وجود مطارات أو طرق آمنة.
ويصعب الآن تحديد أعداد المصريين في ليبيا، حيث يعود الآلاف منهم إلى مصر وبعد فترة قصيرة يعودون إلى ليبيا مجددا بحثاً عن فرص عمل.
وسبق ان قامت وزارة الخارجية المصرية بإجلاء 40 ألف مواطن مصري، في آب الماضي، عن طريق معبر رأس جدير في تونس عن طريق جسر جوي، لكنهم عادوا إلى ليبيا مرة أخرى.
ويتمركز معظم المصريين المقيمين في ليبيا في مدن بنغازي، وسرت، ومصراتة، وطبرق، وطرابلس.