ثماني كتل حزبية تشكل خارطة التحالفات الانتخابية في مصر ويمكن أن تشكل منافسة حقيقية للفوز بمقاعد في مجلس النواب المرتقب.
افراسيانت - تحالفات تتشكل، ثم تتفكك، ثم يعاد تشكيلها، فتخرج أحزاب وتدخل أخرى، ويبدو المواطن البسيط وربما المتخصص غير عارف بأحجام المشاركين فيها وأوزانهم وأسمائهم، هذا التيه أصبح سمة التحالفات السياسية في مصر الآن، قبل الوصول إلى قاعة مجلس النواب، بعد حوالي ثلاثة أشهر، الأمر أشاع أجواء من اللغط وعدم التفاؤل بإمكانية أن تكون هناك قاعدة حزبية متماسكة في البرلمان المقبل.
التحالفات السياسية، التي تشكلت نواتها الأولى، تتمثل في عدد من الجبهات التي يصعب حصرها بصورة دقيقة، ومع أنها ثابتة من حيث الأسماء، لكن تشهد تغيرات في تركيباتها ومكوناتها، قد تكون دائمة، بفعل تفاعلات المصالح والحسابات الانتخابية، والخلاف على أعداد المقاعد، التي تسعى مكوناتها للدفع بأصحابها في المنافسة البرلمانية، فضلا عن خلافات تتصاعد حول تمويل حملات الدعاية الانتخابية.
الخلافات بين القوى والأحزاب السياسية تثبت الرؤية الثاقبة للإدارة المصرية، في عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، حين تقرر إدخال تعديل على خارطة المستقبل، بمقتضاه تقدمت الانتخابات الرئاسية لتكون سابقة على البرلمانية، للوصول إلى رئيس توافقي تجمع عليه الأغلبية ليدير البلاد، قبل الدخول في مرحلة التنافس على مقاعد البرلمان، وما يصاحبها من تراشقات ناجمة عن تعارض المصالح السياسية الضيقة.
خارطة التحالفات الانتخابية تضم الآن ثماني كتل، قابلة للزيادة أو النقصان، ويمكن أن تتبدل مقاعد الأحزاب، الأولى: الجبهة الوطنية، التي شكلها كمال الجنزوري مستشار رئيس الجمهورية حاليا، ورئيس الوزراء الأسبق، وتضم عددا من الشخصيات العامة، والأحزاب الليبرالية، ونوابا سابقين، وتسعى إلى ضم أحزاب وتكتلات أخرى تحت سقفها، لتحقيق أكبر قدر من الإجماع الوطني على قائمة قوية يقلص تشكيلها عدد التحالفات المتنافسة.
من بين أعضاء التحالف حزب “المصريين الأحرار”، الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، وكان التحالف يراهن على القدرات المالية لمؤسس الحزب، لدعم حملة الدعاية، كما يضم، عددا من الوزراء السابقين مثل اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق، ومستشار رئيس الجمهورية لشؤون الإرهاب، وصفوت النحاس رئيس جهاز التعبئة والإحصاء في عهد مبارك أيضا، والمستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، إلى جانب تحالف الجبهة المصرية.
الكيانات الشبابية، مثل تمرد وتكتل القوى الثورية توزعت بين التحالفات وكان لقائمة الجنزوري النصيب الأكبر منها.
صراع القوائم والفردي
مع أن حزب “المصريين الأحرار” من أقوى الأحزاب التي سعت قائمة الجنزوري للاعتماد عليها، إلا أن محمود العلايلي، السكرتير العام المساعد للحزب يقول: “قررنا المشاركة بشكل منفرد بعيدا عن أي تحالفات على أغلب المقاعد الفردية، وندرس الدوائر الآن بشكل دقيق لنعلن بشكل نهائي عن عدد المقاعد، التي يمكن أن ننافس عليها، ولن نكون جزءا من أيّ تحالفات، وحتى لا يحدث تضارب بيننا والقائمة التي يعدها الجنزوري للمنافسة على مقاعد معينة، فضلنا أن تنرك له المجال ليعمل وتراجعنا عن تشكيل قائمة تنافسه، خاصة أنه كان يستهدف ضم معظم الأسماء التي سعينا إليها، وسوف ننافس على الفردي فقط، واكتفينا بترشيح عدد من الأسماء لقائمة الجنزوري، وتركنا الأمر له بضمها أو استبعادها”.
“الجبهة المصرية”، هي التحالف الثاني، حيث تضم في عضويتها أحزابا ليبرالية التوجه، باستثناء حزب “التجمع الوحدوي” اليساري، وتشمل حزب “الحركة الوطنية”، برئاسة الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، والمرشح الرئاسي الأسبق، وأحزاب “الغد” و”مصر بلدي” و”مصر الحديثة” و”الجيل” و”المؤتمر” و”اتحاد عمال مصر”.
“الجبهة المصرية”، لم يمض على تشكيلها وقت طويل، حتى شهدت تصدعا كبيرا، عقب انسحاب ثلاثة من الأحزاب الرئيسية منها، وهم “التجمع” و”المؤتمر” الذي أسسه عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين، وأمين عام الجامعة العربية السابق، وحزب “الغد”، لخلافات حول عدد المقاعد الممنوحة لكل منها، ورفض الانخراط في تحالف يضم قيادات بارزة في نظام مبارك، وأعلنوا السعي إلى تأسيس تحالف انتخابي بديل .
الأحزاب المنسحبة لم تعلن مباشرة أن سبب انسحابها وجود قيادات كانت تنتمي لنظام مبارك، لكن عددا من أعضائها أكدوا ذلك، وهو ما أعلنه بوضوح نبيل زكي رئيس المكتب السياسي لحزب التجمع والمتحدث الرسمي باسم الحزب، حيث قال “إن وجود رموز لنظام مبارك، كان من أهم أسباب الانسحاب، فقد فوجئنا في مؤتمر جماهيري شاركنا به في محافظة قنا بصعيد مصر، بوضعهم أمال عثمان على المنصة وهي من رموز عهد مبارك، فحدثت مشادات بيننا واعترضنا أمام الجماهير، وتوالت المشكلات”.
وأضاف زكي: “ننسق مع الجميع ونجري مفاوضات الآن مع تحالف الوفد، للمشاركة في قوائمه، وننسق في انتخابات المقاعد الفردية مع “الجبهة المصرية” فهم شركاء لنا، وانضمامهم إلى تحالف الجنزوري مقتصر على القائمة فقط، والجنزوري يعد قائمة وليس تحالفا، فقائمته مقتصرة على المنافسة على 120 مقعدا فقط، وحظوظ الأحزاب في القوائم بشكل عام محدود، لأنها تضم 6 فئات لها تمييز إيجابي، المرأة والمعاقون والعمال والفلاحون والأقباط والمصريون في الخارج”.
وشدد زكي على أن المعركة الأهم هي على مقاعد الفردي البالغ عددها 420 مقعدا، مشيرا إلى أن تركيز الأحزاب في تحالفاتها على مقاعد القوائم خطأ سياسي، ويعكس غياب الوعي الانتخابي، فالمقاعد الفردية هي الأهم والتي يشكل من يسيطر على أغلبيتها الحكومة، لذلك قرر حزب التجمع حتى الآن الدفع بـ120 مرشحا في دوائر الفردي، ومن الوارد أن يزيد عددهم أو يقل، وفقا لما يمكن أن يتم التوصل إليه من تحالفات وتنسيقات مع القوى المدنية، فنحن نرفض أي تعاون مع رجال نظام مبارك، أو الفاشية الدينية، ممثلة في جماعة الإخوان.
خلاف "الوفد" و"الأحرار"
التحالف الثالث، يطلق عليه “الوفد المصري”، ويضم أحزابا ذات توجهات ليبرالية، بقيادة حزب “الوفد”، أقدم الأحزاب المصرية الآن، ومعه أحزاب “المصري الديمقراطي الاجتماعي” و”المحافظين” و”الإصلاح والتنمية” و”الوعي” و”تيار الشراكة”.
حزب الوفد يسعى إلى بناء قائمة وطنية خاصة بحلفائه، بعيدا عن القائمة التي يعدها الجنزوري، وقال سيد البدوي رئيس حزب الوفد، إن المشاركة في قائمة الجنزوري أصبحت غير مطروحة، بعد أن اتخذ المجلس الرئاسي لتحالف الوفد المصري قراره بتشكيل قائمة وطنية خاصة به، تضم بين صفوفها شخصيات مستقلة وطنية ونماذج للكفاءة، من أوساط الشباب والمرأة والعمال والفلاحين والمصريين في الخارج، الأغلبية على القوائم ستكون للأسماء الوطنية المستقلة عن الأحزاب.
كان حزب الوفد أجرى مفاوضات سابقة مع حزب “المصريين الأحرار”، لبناء تحالف مشترك، إلا أن خلافات نشبت بينهما، وأوضح عصام شيحة القيادي بحزب الوفد أن خلفياتها تعود إلى إصرار البعض على تغيير اسم “الوفد المصري” إلى “المصريين الأحرار”، إضافة لعرض نجيب ساويرس دعم حملة الدعاية بـ300 مليون جنيه (43 مليون دولار)، على أن يتم تغيير الاسم ويختار حزبه معظم الأعضاء المنافسين في أغلب المقاعد، وهو ما قوبل بالرفض من حزب الوفد، فقرر “المصريين الأحرار” الاتجاه نحو التحالف مع تكتل الجنزوري، أو المنافسة منفردا، ولديه القدرات التمويلية التي توفر له ذلك.
المحطة الرابعة للتحالفات، تتمثل في “تحالف العدالة الاجتماعية” الذي يجمع الأحزاب ذات التوجه الناصري المطالبة بالانحياز للطبقات الفقيرة في مواجهة أصحاب رأس المال، وبعضهم يسيطر على قيادة عدد من الأحزاب بينها “الوفد” قائد تحالف الوفد المصري، و”المصريين الأحرار” الذراع التمويلي للقائمة الوطنية التي يقودها الجنزوري.
رغم الخطاب الشعبوي الذي يتبناه تحالف “العدالة الاجتماعية” غير أن أحزابه ضعيفة على مستوى التأثير الفعلي في الشارع، إلى جانب عجزها عن توفير موارد للحملات الدعائية في الانتخابات المقبلة، في مقدمتها الحزب “العربي الناصري”، و”الوطنية للتغيير” و”الوفاق القومي” الناصري وحزب “السلام الأخضر” تحت التأسيس، وذوو الاحتياجات الخاصة، وعدد من الشخصيات العامة.
المصالح الانتخابية، تسببت في تفكيك كيانات سياسية سابقة، لبناء تحالفات جديدة، حتى طالت حركات، مثل “كفاية” التي كانت أول نواة للحركات التي كانت مناهضة لنظام مبارك.
تشرذم اليسار
التشرذم لم يطل التيار الليبرالي فقط، بل طال التيار الناصري واليساري أيضا، فرغم أن حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، رفع شعارات العدالة الاجتماعية وأخرى ناصرية سابقة التجهيز، إلا أنه ترك تحالف “العدالة الاجتماعية” الذي يضم أحزابا ناصرية التوجه، ليدعم “تحالف التيار الديمقراطي” الذي يمثل التحالف الخامس في جملة التحالفات الانتخابية، ويضم بين صفوفه، يساريين وناصريين وليبراليين، بينهم “حزب الدستور” وهو حزب ليبرالي أسسه محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، وحزب “الكرامة” الذي أسسه حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، و”العدل” و”مصر الحرية” و”التحالف الشعبي” تحت التأسيس وعدد من الشخصيات العامة.
تحالف “تيار الاستقلال” يأتي في المحطة السادسة، ويضم أحزابا قديمة، من حيث التأسيس، غير أنها محدودة الشعبية والتأثير، علاوة على أحزاب حديثة النشأة، ليست أفضل حالا، ومن الأحزاب المنخرطة فيه، حزب “السلام الديمقراطي”، و”النصر الصوفي”، و”نهضة مصر” و”حراس الثورة”، و”الحياة” و”مصر الحديثة”، و”الخضر” و”مصر الفتاة” و”مصر المستقبل”.
لكن هذا التحالف أيضا يجمع بين صفوفه شخصيات تبدو معادية لثورة 25 يناير 2011 ، بينهم أحمد الفضالي رئيس حزب “السلام الديمقراطي” الذي سبق اتهامه في قضية موقعة الجمل الشهيرة، التي وقعت بميدان التحرير في الأول من فبراير 2011، قبل أيام قليلة من تنحي مبارك.
قائمة التحالف السابع، تسعى للخروج من مأزق المعادين لثورتي 25 يناير و30 يونيو، لتجمع مؤيدي الثورتين في تحالف حمل اسم “25/30” يضم عددا من المستقلين تجمعهم وثيقة من 10 بنود تستهدف تحقيق طموحات الثورتين، ويضم المخرج خالد يوسف، والنائب السابق جمال زهران، والكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل عضو حركة كفاية أحد الخصوم اللدودين لنظام مبارك والمساند بقوة للرئيس عبدالفتاح السيسي، وعبدالحكيم نجل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والنائب السابق مصطفي الجندي وعددا من الرموز الشبابية.
الواضح أن المصالح الانتخابية، تسببت في تفكيك كيانات سياسية سابقة، لبناء تحالفات جديدة، حتى طالت حركات، مثل “كفاية” التي كانت أول نواة للحركات التي كانت مناهضة لنظام مبارك، وضمت في صفوفها عبدالجليل مصطفى وعبدالحليم قنديل.
وفي ما ذهب قنديل إلى “25/30” سعى عبدالجليل إلى تأسيس تحالف ثامن اسمه “صحوة مصر”، داعيا عددا من القوى السياسية والتحالفات للاندماج معه في تحالف انتخابي واحد، غير أن محاولاته لم تسفر عن نجاح ملحوظ.
عدد من نواب نظام مبارك فضلوا اتباع استراتيجية بعثرة المرشحين داخل التحالفات المتنوعة لتجنب وصمهم بـ"الفلول" حال اجتماعهم في قائمة موحدة.
الشباب والسلفيون
الحاصل أن الكيانات الشبابية، مثل تمرد وتكتل القوى الثورية، توزعت بين التحالفات، وكان لقائمة الجنزوري النصيب الأكبر منها، حيث أعلنت حركة تمرد الانضمام لقائمته.
البرلمان المقبل منحه الدستور صلاحيات كبيرة تصل إلى حد سحب الثقة من الرئيس ذاته، وتحمّل مسؤولية إعادة صياغة البنية التشريعية وإصدار التشريعات المكملة للدستور ومراجعة ما صدر من تشريعات بمراسيم رئاسية، منذ تولي الرئيس عدلي منصور الرئاسة في الفترة الانتقالية وحتى انعقاد أولى جلسات البرلمان.
حزب النور السلفي، يسعى من جانبه إلى بناء تحالف يكمل به قوائمه، ورغم تصريحاته التي تفيد باقتراب تشكيل قوائم متماسكة، فإن أزمة موافقة أقباط لخوض المنافسة على قوائمه ما زالت مستمرة، فالقانون يشترط أن تشمل القائمة 24 مرشحا مسيحيي الديانة.
عدد من نواب نظام مبارك، فضلوا اتباع استراتيجية بعثرة المرشحين داخل التحالفات المتنوعة، لتجنب وصمهم بـ”الفلول”، حال اجتماعهم في قائمة موحدة، لكن يبدو أنهم سوف ينافسون بقوة في الدوائر الفردية، مستعينين بسطوة المال وقوة القبيلة.
المستقلون يراقبون الموقف عن كثب، للوصول إلى مقاعد البرلمان والتسرب من بين الشروخ التي تنخر في جدار التحالفات، والثغرات التي خلفتها المصالح الضيقة للأحزاب.
رهان المراقبين لا يزال يتمسك بأهداب الأمل، في الوعي السياسي للمواطنين، الذي تجلى في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وفي الحشد للانتخابات الرئاسية، وقبلها إقرار التعديلات الدستورية، في حسم المقاعد البرلمانية للشخصيات الوطنية النزيهة، في الاستحقاق الثالث للوصول إلى مجلس نواب قادر على تحقيق آمال المصريين.