افراسيانت - بنايات مهجورة، وشقق خالية من سكانها، ومواطنون هجروا أماكن سكناهم وأراضيهم بحثًا عن مكان آمن بعد أن لاحقتهم "لعنة" الجغرافيا بعد إقامة مجمع "جاشوري" الصناعي الاستيطاني الإسرائيلي على مقربة منهم غرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة.
وما إن تدخل المنطقة المحاذية لمجمع "جاشوري" حتى تواجهك بنايتان هجرهما سكانها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل المخاطر الصحية الناجمة عن تلوث تلك المصانع.
ودفعت الأعراض الصحية التي ظهرت على أطفال تلك المنطقة كالحساسية والتقرحات الجلدية عددًا من العائلات إلى التخلي عن منازلها والانتقال إلى مساكن في أماكن أخرى، وفق المواطن أحمد الزغل أحد سكان المنطقة.
ويؤكد الزغل لوكالة "صفا" أن المجمع الاستيطاني الصناعي المنشأ منذ عام 1984 شكّل لعنة على أهالي المنطقة، ولاسيما وأنه يضم المصانع التي لا يُسمح لها بالعمل داخل الكيان الإسرائيلي لأضرارها البيئية، فنقلها أصحابها للضفة التي لا ينطبق عليها القانون الإسرائيلي.
وكان عدد المصانع في "جاشوري" 14 مصنعًا، لكن العدد تناقص حتى وصل إلى ستة حاليًا هي: "ياميت، وبل جاز، وجيشوري، وتال ايل، وييش كرتون، ومصنع للإسفنج".
ويطلق الاحتلال الإسرائيلي على المجمع الاستيطاني اسم" براعم السلام"، ولكن المواطنين تعارفوا على تسميته بـ"جاشوري" نسبة إلى أول مصنع أقيم فيه.
ورفضت سلطات الاحتلال ضم المجمع الاستيطاني داخل جدار الفصل العنصري عند بنائه عام 2003، لكي يبقى في مناطق الضفة الغربية، ولا ينطبق عليه القانون الإسرائيلي، فيتم إغلاقه.
صندوق أسود
ومن الملاحظ أن العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل هذا المجمع الصناعي يرفضون الحديث لوسائل الإعلام حفاظًا على رزقهم، إذ إن انتقاد أي منهم لما يجري يعني وقف تصريح العمل الخاص به.
لكن أحد العمال تحدث لوكالة "صفا" شرط عدم ذكر اسمه، ليقول إن المصانع الموجودة في المجمع عادية باستثناء مصنع "بل جاز" الذي يتسبب بمكاره ومخاطر صحية للعمال ولسكان المنطقة.
ويضيف "هذا مصنع (بل جاز) عالي التلوث، وعادة ما تظهر أعراض على العاملين به، والإجراءات حوله تختلف عن باقي المصانع الخمسة الأخرى".
ويذكر أن نحو 500 شخص يعملون داخل المجمع وفق تصاريح خاصة، وإجراءات مكتب العمل الإسرائيلي، مقرًا بأن بعض زملائه تعرضوا لأمراض عديدة بسبب الغازات والاحتكاك بالمواد الكيميائية.
مصنع النكبات
ويستعرض رئيس نقابة العاملين في الصناعات الغذائية والزراعية محمد بليدي، والذي يتابع ملف "جاشوري"، وجها آخر للمعاناة، فيوضح أن ستة من العمال توفوا متأثرين بإصاباتهم نتيجة التلوث داخل مصنع الغاز على وجه الخصوص.
ويعمل مصنع "بل جاز" في تصنيع غاز "البروم" الخاص بتعقيم الأراضي الزراعية، وإنتاج اسطوانات الغاز العادية.
ويلفت بليدي في حديث لوكالة "صفا" إلى أن المصنع المذكور كان اسمه "سول أور"، وفي عام 2006 توفي فيه عاملان فلسطينيان هما أحمد أبو تمام، وجهاد الدريدي حرقًا داخل صهريج للغاز، وبعد إضراب استمر ستة أشهر في المصنع انهار وتم بيعه لشركة "بل غاز"، ويعمل فيه حاليًا 85 عاملًا.
ويشير أيضًا لوفاة شابين من عائلتي أبو حيش وأبو تمام من مخيم طولكرم بمرض السرطان نتيجة عملهم داخل هذا المصنع، موضحًا أن حصيلة الوفيات هي ست، ثلاث بالسرطان، وثلاث أخرى بالحرق.
ارتفاع حالات السرطان
ولا تقتصر حالات الإصابة بالسرطان على العاملين داخل المصانع، بل إن هناك ارتفاعًا في حالات الإصابة بالسرطان لدى سكان الأحياء المجاورة.
ويكشف منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في طولكرم فايز الطنيب، والذي توفي شقيقه بالسرطان نتيجة سكنه قرب "جاشوري"، وجود 32 حالة مصابة بالسرطان في ضاحية "ارتاح" التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف نسمة نتيجة قربها من المجمع.
ويؤكد لوكالة "صفا" على ضرورة نقل هذا الملف للمحافل الدولية، وتفعيل حملات الضغط الشعبي حتى يتم وقف هذه المعاناة التي تؤرق المواطنين الكرميين.