طوابير العاطلين في العالم العربي تتجاوز 80 مليونا عام 2025 وارتفاع نسب البطالة ينذر بالأسوأ.
افراسيانت - تمثّل مشكلة البطالة هاجسا دائما، يؤرّق العالم عموما، والبلدان العربية على وجه التحديد. وعلى الرغم من الإجراءات الإصلاحية التي عمدت إليها الدول الأكثر تضررا، والتي تمّت تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية حينا ووفق قاعدة الاستباق والحيطة أحيانا أخرى، إلاّ أنّ هذه المعضلة ما فتئت تقض مضاجع الحكومات وتفرض عليها بذل المزيد من الجهود من أجل الخروج بسلام من هذه العاصفة التي يبدو أنها بدأت تأخذ بعدا شموليا يتهدّد حتى الاقتصادات الكبرى على حصانتها.
لطالما حذّرت المنظمات الدولية والمنتديات العالمية التي تُعنى بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي من تفاقم نسب البطالة وتكاثف تداعياتها على رفاه الشعوب واستقرار الدول الأكثر تضررا، واستأنست بالخبراء والباحثين المختصين من أجل صياغة الاستراتيجيات اللاّزمة واستنباط الحلول الكفيلة بوقف هذا المدّ الجارف الذي أضحت معه كل الانفجارات الاجتماعية واردة، خاصة في البلدان العربية التي تشهد منذ سنة 2011 موجة من الانتفاضات الشعبية، التي حرّكتها مشاعر الحنق تجاه سياسات الحكومات التي يبدو أنها أسقطت من حساباتها إيجاد حلول عاجلة وناجعة لمعضلة البطالة ولم تول مسألة حفظ الحدّ الأدنى الاجتماعي لشعوبها الأهمية اللازمة.
موجة من الانتفاضات الاجتماعية في عمقها، بلغت حدّ إسقاط الأنظمة الحاكمة في بعض بلدان ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، شأن ما حصل في تونس ومصر وليبيا وسوريا، زادت من المحاذير الدولية المتعلقة بهذه المعضلة التي ارتفعت فيها أسقف الخلاص إلى أقصاها في ظلّ أزمة اقتصادية عالمية كشّرت عن أنيابها منذ سنوات ولم تؤشّر بعد على ملامح تذكر لأي انفراجة محتملة على المدايين القريب والمتوسط على أقل تقدير، وتنامت على إثرها التحديات المطروحة على البلدان العربية، التي تفيد التقارير المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية الثالثة (التي حددتها الأمم المتحدة في وقت سابق وحدّتها زمنيا بسنة 2015 كمحطة نهائية للوقوف على ما أفضت إليه من نتائج) بأنها مازالت تغالب مشاكل الفقر والبطالة وتسير بنسق متفاوت نحو تحقيق المعدلات التنموية المطلوبة، لأسباب عديدة أبرزها غياب التنسيق ومحدودية التعاون الاقتصادي والمضي في صياغة مشتركة لحل الأزمات الإقليمية التي تنعكس بالضرورة على الجميع ولا يمكن أن تُعالج بصفة فردية.
أزمة عالمية شاملة
في إطار رصدها لمشاغل العالم الاقتصادية والقيام بوظيفتها من أجل وضع معايير وصياغة سياسات للنهوض بالعمل اللائق في مختلف أنحاء العالم، حذّرت منظمة العمل الدولية (تابعة للأمم المتحدة ومقرها جنيف)، في تقرير نشر مؤخرا، من أن عدد العاطلين عن العمل سيزيد بشكل إضافي بحوالي 11 مليونا على الأقل في السنوات الأربع المقبلة ومن أنّ التفاوت الاجتماعي في العالم سيتفاقم.
وفي ذات السياق، أشار تقرير المنظمة إلى أنّ عدد العاطلين عن العمل قد يتخطى الـ219 مليون شخص بحلول سنة 2019.
حيث قال مديرها العام، غاي رايدر، إنه “تمّ فقدان أكثر من 61 مليون وظيفة منذ بداية الأزمة العالمية سنة 2008”، لافتا إلى أنّ التوقعات تشير إلى أنّ نسبة البطالة ستواصل نسق الارتفاع الذي تمضي فيه حتى نهاية العقد. ما يعني أنّ أزمة الوظائف لم تنته بعد.
من جهة أخرى، أفاد تقرير المنظمة بأنّه إذا كان وضع الوظائف قد تحسّن في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا فإنّه يبقى في المقابل صعبا في عدّة اقتصادات متطوّرة أخرى خصوصا في أوروبا.
وبالتالي لا تتوقع منظمة العمل الدولية تراجعا كبيرا في معدلات البطالة في فرنسا قبل 2017، حيث يُرتقب أن تتراجع نسبتها بشكل طفيف دون عتبة 10 بالمئة (9.9 بالمئة) وهو مستوى العام 2015.
أمّا في ألمانيا فيُمكن أن يزيد معدل البطالة ليصل إلى 5 بالمئة (مقابل 4.7 بالمئة سنة 2015). وبالتقصي حول أسباب هذه الوضعية قال رايدر إنّ “سياسات التقشف، خاصّة في أوروبا، ساهمت في زيادة كبرى في نسب البطالة. ولا أعتقد أنّها كانت حتمية”.
بدورها، تدهورت آفاق التوظيف بشكل كبير في العالم العربي وبعض مناطق أميركا اللاتينية والكاريبي، خاصة بسبب التراجع الكبير المُسجّل في أسعار النفط والغاز.
وفي المقابل فإنّ هذا الوضع يمكن أن يُحسّن آفاق الوظائف “في العديد من الاقتصادات المتطورة” وفي عدة دول آسيوية، وفق ذات التقرير.
وسيبقى الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، والذين تضرّروا بشكل خاص من جراء الأزمة الحالية مع نسبة بطالة عالمية بلغت حوالي 13 بالمئة، الأكثر تأثرا في السنوات المقبلة لكن بطريقة غير متعادلة.
تتوقع المنظمة تراجع البطالة بين الشبان بشكل شامل في الدول المتطورة بحلول 2019 (أكثر من ثلاث نقاط انخفاض في أسبانيا أو اليونان)، فهي تترقب زيادة كبيرة في هذه النسبة في الشرق الأوسط (ارتفاع بمعدل نقطة في السعودية أو حتى 8 في عمان) وفي جنوب شرق آسيا (ما يصل إلى نقطتين في الصين وماليزيا)، مشدّدة في هذا الصدد على “التفاوت المتزايد والمستمر والآفاق غير الأكيدة في مجال استثمارات الشركات”.
في ما يتعلق بتأثير هذا الوضع على الأبعاد التنموية، أوضح رايدر “أنّه إذا أرغم مستوى الرواتب الضعيف الناس على تخفيف الاستهلاك، وإذا استمر الاستثمار متواضعا، فإنّ ذلك سيترك بالتّأكيد عواقب سلبية على النمو”، مشيرا إلى “أنّه في بعض الاقتصادات المتطورة، أصبحت هي الأخرى تشهد تفاوتا في الرواتب يقترب من مستويات تُسجل في الاقتصادات الناشئة التي حققت في المقابل تقدما عبر خفض مستوى التفاوت الكبير لديها”.
وحسب التقرير، فإنّ التفاوت في الدّخل سيستمر مع حصول الـ10 بالمئة الأكثر ثراء على نسبة تتراوح بين 30 و40 بالمئة من مجمل المداخيل، فيما يكتفي الـ10 بالمئة الأكثر فقرا بالحصول على ما بين 2 و7 بالمئة.
بالنظر إلى التبعات المحتملة التي يمكن أن تنعكس جراء هذه الحالة التي بدأت تكتسب بعدا عالميا شاملا، ولو بتفاوت، حذّرت منظمة العمل الدولية من أنّ “انعدام الاستقرار الاجتماعي يعتبر حادا بشكل خاص في الدول والمناطق التي تشهد مستويات عالية من بطالة الشبان أو تسجل ارتفاعا سريعا”، مؤكدة أنّ عدد الاضطرابات الاجتماعية اليوم يُعدّ أعلى بنسبة 10 بالمئة مقارنة بما كان عليه قبل أزمة العام 2008.
العرب ليسوا بمعزل
العالم العربي لم يكن بمعزل طبعا عن هذا الوضع العالمي المتأزم، بل إنّ البطالة ظلّت من بين المشكلات المعقدة التي تنهكه، إذ تفيد العديد من الإحصائيات بأنّ نسبة البطالة في الوطن العربي إجمالا تتراوح بين 15 و20 بالمئة، ويصل عدد مواطنيه العاطلين عن العمل إلى حوالي 25 مليون شخص من إجمالي عدد القوى العاملة الذي يبلغ نحو 120 مليون عامل، ويُضاف إليهم 3.4 مليون عامل سنويا، في ضوء حقيقة مفادها أن 60 بالمئة تقريبا من سكان البلاد العربية دون سنّ الـ25 سنة، وهو الأمر الذي يتوقع معه أن يصل عدد العاطلين عن العمل سنة 2025 إلى حوالي 80 مليون عاطل، ممّا يتطلب ضخّ نحو 70 مليار دولار لرفع معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة، وذلك لخلق ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنويا.
على الرغم من أنّ معضلة البطالة تكتسي طابعا اقتصاديّا بالأساس، إلاّ أنّ لها أبعادا أخرى أشدّ خطورة وفتكا تتعلق بتفاقم المشاكل النفسية والاجتماعية والأمنية والسياسية، وهو ما بدت مظاهره بالتشكل منذ انتفاضات سنة 2011 التي شهدتها بلدان “الربيع العربي” والتي يعيد المحللون أسبابها الكبرى إلى الضيق الاقتصادي الذي شهدته تلك البلدان وتفاقم نسبة البطالة وانسداد الأفق أمامهم.
في سياق متصل، سبق أن تضمّن التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2002 الكثير من المؤشرات الاقتصادية الحيوية ذات الصلة بتوجهات التنمية والتحديات التي تواجهها البلدان العربية مستقبلا. وأشار التقرير حينها إلى أنّ البطالة تعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية في المراحل القادمة وخلال السنوات المقبلة نظرا لانعكاساتها العميقة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
في ذات الإطار طرح عدد من المراقبين سؤالا مفاده؛ إذا كان هذا هو حال الاقتصادات العربية سنة 2002، فكيف ستستطيع هذه الدول مواجهة مشكلة البطالة والقضاء عليها، هذا مع الوضع في الاعتبار أن عدد سكان الوطن العربي يتجاوز حاليا الـ340 مليون نسمة وسيرتفع إلى 482.8 مليون نسمة سنة 2025؟
الحلّ، وفق رأيهم، يتطلب توفير فرص عمل تواكب هذه الزيادة، حيث أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة إلى 100 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 لمواجهة مشكلة البطالة التي تسجل معدلات مرتفعة جدا في دول هذه المنطقة، وفقا لما ذكره تقرير سابق صادر عن منظمة العمل العربية.
الحل يجب أن يكون شاملا
لأنّ البطالة من بين أهم التحديات التي تواجه الدول العربية، وهي سبب رئيسي لتفشي ظاهرة الفقر، وما ينتج عنها من آفات اجتماعية خطيرة تهدد أمن المجتمعات، في ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتداعياتها، فإنّ القضاء عليها يعدّ أولوية الأولويّات يتطلب مزيدا من التنسيق بين الجهود العربية المبذولة في هذا الصدد.
في هذا السياق فإنّ القضاء على أزمة البطالة المتنامية مع دخول أعداد كبيرة من الشباب سوق العمل يحتاج إلى إرادة سياسية فاعلة تأخذ هذه المشكلة ضمن الأولويات القصوى، حيث تحتاج المعالجة إلى توافق عربي نحو تحقيق القدر الأدنى من الاندماج والتكامل الاقتصادي، ورسم سياسات اقتصادية منتجة يمكن أن تستوعب كل هذا الفائض من قوة العمل، وما عدا ذلك فلا يرى المراقبون لأيّ دولة ما القدرة على تجاوز هذه المشكلة بمفردها.
وتعد النواقص التي تظهر في سوق العمل العربي، إحدى العقبات الأساسية التي تعترض سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ممّا يحول دون وجود حل جذري لمعضلة البطالة.
وبذلك فإن التغلب على البطالة يقتضي إيجاد حلول ناجعة للمشاكل الاقتصادية المتسببة فيها بشكل مباشر، تحت غطاء الإرادة السياسية طبعا، وهذا يبقى مرهونا بتكثيف العمل العربي المشترك.