افراسيانت - القدس - "القدس" دوت كوم - من محمد ابو خضير - في ضوء الاعترافات المباشرة والخطيرة من كبار المسؤولين في سلطة الاثار الإسرائيلية انهم سحقوا ودمروا وجرفوا مئات القبور الإسلامية في مقبرة مأمن الله في القدس الغربية، طالبت الاوقاف الإسلامية بوقف العمل في جميع المشاريع الإسرائيلية على ارض المقبرة الإسلامية العريقة "مأمن الله" فوراً، وخاصة وقف البناء فيما يمسى بـ(متحف التسامح )الذي ابتلع مساحة واسعة من المقبرة .
وطالبت الاوقاف الإسلامية بإزالة جميع التعديات وخاصة المقهى ومحل بيع المسكرات في وسط المقبرة فوراً، داعية البلدية والحكومة الإسرائيلية الى وقفك هذه التعديات وإعادة المقبرة الى ما كانت عليه والكف عن الاعتداءات عليها وتسليمها للإوقاف الإسلامية لرعايتها وحمايتها وإعادة ترميم تلك القبور التي تم تدميرها وصيانة اسوارها .
بدوره قال رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ رائد صلاح :"حقيقة ملف مقبرة "مأمن الله" هو مأساة أخرى تعيشها القدس، وهو يصب في السياسة الإسرائيلية التي تسعى إلى تهويد القدس والى إزالة كل معالمنا الدينية والتاريخية والحضارية والأثرية الإسلامية والعربية والفلسطينية من القدس الشريف، إلى الآن نحن نجحنا بإيقاف الأعمال العدائية التي قامت بها بعض الأذرع الإسرائيلية متعاونةً مع شركة أمريكية".
واضاف:"نحن ما زلنا نطالب بإلغاء المشروع الذي سعوا إلى تنفيذه، وهو إقامة متحف سموه كذباً ودجلاً باسم "متحف التسامح"، وحتى الآن ما زلنا نخاطب كل أهل الدنيا بأن يتحركوا من أجل مناصرتنا ومنع هذه الأطراف الإسرائيلية والأمريكية من إقامة هذا المتحف".
وتابع: خاطبنا منظمة المؤتمر الإسلامي، وخاطبنا الجامعة العربية، وخاطبنا اليونيسكو، وما زلنا نخاطب كثيراً من المؤسسات الإسلامية الأخرى على الصعيد الإسلامي العربي، نأمل أن نجد هذه المساندة من كل هذه المؤسسات، وبشكل خاص نأمل أن نجد المساندة من علماء المسلمين الأفاضل، ليقولوا كلمتهم وليصدروا فتواهم الصريحة بتحريم نبش أي قبر في مقبرة مأمن الله، نأمل كل ذلك، ونحن بدورنا كما قلت ما زلنا نعيش هذا الصراع الطويل مع هذه الأطراف الإسرائيلية والأمريكية.
وكشف كتاب "تحت السطح" للمدير السابق لما يسمى بـ "سلطة الأثار الإسرائيلية"شوقا دورفمان الذي صدر حديثا عن اعترافات خطيرة حول الحفريات التي نفّذتها "سلطة الآثار" في الأعوام 2005 - 2006 في مقبرة مأمن الله الإسلامية في مدينة القدس، تمهيدا لبناء ما أطلق عليه "متحف التسامح" على نحو 25 دونما مما تبقى من أرض المقبرة.
واعترف دروفمان في كتابه الذي ألّفه قبل عامين من وفاته، أنه ما كان ينبغي السماح بإجراء حفريات للجزء المتبقي من مقبرة مأمن الله التاريخية - التي أدت إلى تدمير مئات القبور الإسلامية -، وكشف في الوقت ذاته عن ضغوط هائلة مورست عليهم من عدة مستويات كمنظمة "فيزنطال" المبادرة لمشروع "متحف التسامح" ولها ارتباطات قوية بشخصيات إسرائيلية سياسية فاعلة ومقرّها ولاية لوس انجلوس في الولايات المتحدة الامريكية، ما أدى في نهاية الأمر إلى اتخاذ قرارات خاطئة وطمس وتدمير العديد من القبور الإسلامية.
ويشير دروفمان في فصل "ديكتاتورية العظام" من كتابه، إلى أن الحفريات في مقبرة مأمن الله تعتبر "من القضايا المثيرة والكئيبة المتعلقة بحفر القبور القديمة التي رافقت إقامة متحف التسامح وحفر القبور في مقبرة مأمن الله".
قبور إسلامية تغطي موقع الحفريات
ويعترف دروفمان أن عمليات فحص أولي تمت في مطلع العام 2005 لتهيئة الأرض والبدء في المشروع، واتضح حينها لـ "يوفال بروخ" – مسؤول الآثار لمنطقة القدس - أن قبورا إسلامية تغطي كل المساحة تحت الاسفلت – حيث أقام الاحتلال سابقاً موقفا للسيارات على أرض مقبرة مأمن الله -، مؤكدا أن بروخ "ليس الوحيد الذي نبّه وحذّر من هذا الأمر أمامي، كان واضحا لي أنه من أجل استمرار البناء يتوجب إجراء حفريات في موقع القبور والرفات".
ويتابع: "لم يتوقع أحد من متخذي القرار في حينه أن هذه ستكون بداية قضية ستستمر شهورا طويلة تمت خلالها حفريات واسعة في مقبرة مأمن الله، وهي ليست مجرد بضع قبور مبعثرة كما توقعنا في البداية"، علماً أن "مأمن الله" هي مقبرة إسلامية منذ القرون الوسطى - بداية العصر الإسلامي الأول-من العهد المملوكي في القدس وهي من أهم المقابر الإسلامية في مدينة القدس.
عمليات الحفر ونبش القبور في مقبرة مأمن الله الإسلامية، كما يوضح دروفمان، "بدأت في ذروة موسم شتاء ماطر وعاصف، حيث تغطت الأرض بالأمطار وتحوّلت إلى وحلية، وبالرغم من أن سلطة الآثار مهيأة لتنفيذ حفريات في أجواء مماثلة، إلا أن الظروف كانت صعبة وغير محتملة، وفي مثل هذه الحالات لا يمكن الاستمرار في الحفريات بطرق صحيحة ودقيقة".
ضغوطات هائلة
"بعد بحث مستفيض وطلبات متكررة من المبادرين للمشروع بمواصلته، تم بناء خيمة عملاقة في الموقع وتجفيف الأرض والتراب الرطب بواسطة أفران عالية الحرارة، واستمرت الحفريات بعد تسييج الموقع بسياج حديدي على طول ستة أمتار"، يوضح دروفمان.
ويصف دروفمان تلك الأيام بالعاصفة جدا، "إن كان ذلك في حالة الطقس أو لدى المبادرين للمشروع"، حيث قامت مجموعة من المستشارين للمشروع ومنظمة فيزنطال وشخصيات نافذة، بالضغط على سلطة الأثار الإسرائيلية بتعجيل الحفريات وإنهائها بأسرع وقت ممكن، مشيرا إلى الضغوطات كانت هائلة ولا تطاق في كثير من الأحيان.
جريمة أثرية جماهيرية
"وبالفعل"، يواصل دروفمان اعترافاته، "تواصلت الحفريات بوتيرة عالية إلى أن قررت المحكمة وقف العمليات في الموقع، حتى إجراء مداولات لفحص قانونية الحفريات الأثرية وشرعية البناء المخطط فيه". وجاء ذلك استجابة للاستئناف الذي تقدمت به مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية لاعتراض الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها مقبرة مأمن الله الإسلامية.
ويشير دروفمان في كتابه إلى أن مشروع "متحف التسامح" أشغل أطرافا عديدة من بينهم مبادرون أصحاب نفوذ سياسي ومالي وقيادات ومديرو مشاريع وإعلاميون من مشارب متعددة، كما كشف عن تصريح لعامل سابق في سلطة الآثار هو عالم الآثار جدعون سليماني الذي أدار الحفريات في مقبرة مأمن الله في موسمها الأول، والذي وصف بعد خروجه من سلطة الأثار الحفريات التي أجراها بنفسه، بأنها "عملية عدوانية لليهود ضد العرب لطمس وتدمير التاريخ الإسلامي"، معتبرا إياها جريمة أثرية وجماهيرية.
"كان من الواجب عليّ إيقاف الحفريات في مراحلها الأولى"
ومن أبرز الاعترافات التي نشرها "شوقا دورفمان" في كتابه "تحت السطح" حول الحفريات في مقبرة مأمن الله، كان إدراكه لوجوب إيقاف أعمال الحفريات في المقبرة الإسلامية في مراحلها الأولى: "واضح لي كمدير لسلطة الآثار الإسرائيلية أنه كان من الواجب عليّ إيقاف الحفريات في مراحلها الأولى وعدم السماح بهدم هذا الجزء من المقبرة التاريخية. في مراحل الحفريات الأولى لم تكن معروفة لدي المعلومات الدقيقة عن ماهية هذه المقبرة، أضف الى ذلك أنني لا أنفي دور الضغوطات الهائلة التي مورست علينا وعطلت على قراراتنا وحكمنا على الأمور، مما أدى إلى القرار الخاطئ باستهداف مئات القبور".
وتؤكد هذه الاعترافات على التحذيرات التي أطلقتها مرارا عدة جهات فلسطينية من أن جرائم اقترفت بمنهجية ضد مقبرة مأمن الله والقبور ورفات الأموات المسلمين فيها، والتي اشتركت فيها أذرع الحكومة الإسرائيلية على عدة مستويات، علماً أن بناء "متحف التسامح" يتواصل منذ سنوات وقد تسارعت وتيرته في الأسابيع الأخيرة، حيث أوشك بناء الهيكل الأساسي للمبنى على الانتهاء.
يذكر ان مقبرة مأمن الله"ماميلا"؛ بمعنى: ماء من الله أو بركة من الله.هي مقبرة إسلامية عريقة تقع في مدينة القدس، وتحديدًا غربي البلدة القديمة، وتبعد حوالي كيلومترين إثنين عن باب الخليل،تعتبر مقبرة مأمن الله من أشهر وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين وتقدر مساحتها بـ 200 دونم. تضم المقبرة رفاة وأضرحة أعلام وصحابة وشهداء وتابعين مسلمين كثيرين، حيث دفنوا فيها منذ الفتح الإسلامي للقدس عام 636م ومنذ العصر المملوكي وطيلة العصر العثماني وحتى عشية النكبة عام 1948.
في العام 1948 احتلت القوات الإسرائيلية الجزء الغربي من القدس، فسقطت من ضمنها مقبرة "مأمن الله" وأقرت إسرائيل قانونًا بموجبه يعتبر جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد بعد الحرب بأراضي تدعى أملاك الغائبين، وبذلك دخلت مقبرة "مأمن الله" ضمن أملاك حارس أملاك الغائبين لدى ما يسمى ب(دائرة أراضي إسرائيل)، في العام 1967م حولت الحكومة الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من المقبرة إلى حديقة عامة، دعيت ب(حديقة الإستقلال)؛ بعد أن جرفت القبور ونبشت العظام وقامت بزرع الأشجار فيها، وشقت الطرقات في بعض أقسامها، كما بُنيت المباني على قسمٍ آخر، في أواخر العام 1985 أنشأت وزارة المواصلات موقفًا للسيارات على قسم كبير من أراضي المقبرة. وبين ألاعوام (1985 و1987) نفذت عمليات جديدة من الحفر لتمديد شبكات مجاري، وتوسيع موقف السيارات؛ فدمرت عشرات القبور وبعثرت عظام الموتى في كل مكان بالرغم من احتجاجات المؤسسات الإسلامية إلا أن البلدية نفذت مخططها وأجرت مشروعها، خضعت المقبرة للعديد من المخططات الإسرائيلية لطمس معالمها وتحويلها إلى مشاريعٍ عدة، وقد نُفذ عددٌ منها، منها إقامة "متحف التسامح" فوق مساحة قدرها 25 دونمًا؛ حيث تم جرف جزء كبير من المقبرة ونبش قبورها.و تقوم الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ تدريجي بتنفيذ هذه المشاريع التي تشكل جزءًا من تهويد مدينة القدس لإخفاء معالمها الإسلامية العريقة.