افراسيانت - حلمي موسى - أفسدت جنوب أفريقيا فرحة الإسرائيليين بانشغال العالم عنهم جرّاء اهتمامه بالهجمات الإرهابيّة في فرنسا، مذكرةً العالم بالطابع الإجرامي لقادة إسرائيل. وبرغم أنَّ الشرطة الجنوب أفريقية أنكرت لاحقاً صدور أوامر اعتقال بحق عدد من القادة العسكريين الإسرائيليين بتهمة اقتراف جرائم حرب بإصدارهم أمر اقتحام سفينة مرمرة التركية قبل سنوات عدة، إلَّا أنَّ مجرّد نشر خبر كهذا وما أثاره من اهتمام، أعاد وضع إسرائيل في موقعها الطبيعي، ولو للحظة. واضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى إصدار تعليمات بوجوب العمل على وقف مذكّرات اعتقال أصدرتها السلطات القضائية في جنوب أفريقيا، ضدّ أربعة قادة عسكريين إسرائيليين سابقين.
وكان الخبر قد نشر في صحيفة «اندبندنت» البريطانية التي أشارت إلى أنَّ جنوب أفريقيا أصدرت أوامر اعتقال بحق أربعة من قادة الجيش الإسرائيلي كانوا مسؤولين عن عملية اقتحام سفينة مرمرة وقتل تسعة من الناشطين وإصابة الكثيرين ممّن كانوا على متنها قبل خمس سنوات. والحديث يدور عن رئيس الأركان الأسبق الجنرال غابي أشكنازي، ورئيس شعبة الاستخبارات حينها الجنرال عاموس يادلين، وقائد سلاح البحرية أليعزر تشيني، ورئيس الاستخبارات الجوية أفيشاي ليفي.
وكانت السفينة التركية ضمن أسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزَّة عبر إيصال مساعدات للجرحى والفقراء هناك. وقالت الصحيفة إنَّ أوامر الاعتقال هذه، ليست قسراً على جنوب أفريقيا إذ إنَّ إسبانيا، وفق الصحيفة، أصدرت أوامر اعتقال بحقّ رئيس الحكومة وسبعة قادة آخرين بينهم وزيرا الدفاع إيهود باراك، والخارجية أفيغدور ليبرمان، ووزير الدفاع الحالي موشي يعلون، ووزير الداخلية السابق إيلي يشاي، والوزير السابق بني بيغين، وقائد سلاح البحرية أليعزر تشيني. وشدَّدت الصحيفة على أنَّ كلّ هؤلاء القادة سيتعرضون لخطر الاعتقال إذا ما وطأت أقدامهم الأراضي الإسبانية. وقد صدر أمر الاعتقال الإسباني أيضاً بسبب أحداث سفينة مرمرة التي لا تزال لعنتها تلاحق القادة الإسرائيليين.
وأشارت المعطيات إلى أنَّ أوامر الاعتقال صدرت في جنوب أفريقيا في ختام دعوى استمر البحث فيها مدة أربع سنوات. وكان أول من تقدم بهذه الدعوى، في كانون الثاني 2011، صحافية جنوب أفريقية تُدعى جديزا ديفيدس، كانت على متن سفينة مرمرة. وفي تشرين الثاني 2012، وجدت الوحدة القضائية للجرائم ذات الأولوية، أنَّ الملف مكتمل الشروط من أجل التحقيق في الجريمة المتضمنة بالاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة.
وقال المحامي زياد فاضل، الذي مثّل ديفيدس، في مؤتمر صحافي، إنَّ «القادة الإسرائيليين هؤلاء سيتمّ اعتقالهم حال وصولهم إلى جنوب أفريقيا. وقد وصل أمر اعتقال إلى شرطة الحدود الجنوب أفريقية في 3 أيلول 2015. وهذا القرار يشكّل سابقة قضائية دوليّة هامة».
وأعلنت الحملة الدولية من أجل مقاطعة إسرائيل ترحيبها بهذه «السابقة القضائية الأخلاقية»، وجهود المنظمات الجنوب أفريقية التي كانت خلف هذه الحملة القضائية. وقالت إنَّه «ينبغي لإسرائيل أن تدفع الحساب عن انتهاكاتها للقانون الدولي وارتكابها جرائم حرب».
ومعروف أنَّ وزارة الخارجية الإسرائيلية، وبدعم أميركي واسع، عملت منذ سنوات على تقليص مبادئ «الصلاحية الدولية» بشأن ارتكاب جرائم حرب، والتي أخذت بها دول أوروبية وغربية عدة. والجميع يعرف الإشكاليات التي رافقت زيارات جنرالات إسرائيليين ووزيرة الخارجية الإسرائيلية سابقاً، تسيبي ليفني، إلى العاصمة البريطانية، حيث صارت زيارة كل من القيادات الإسرائيلية، تقتضي استعدادات وتحضيرات كثيرة بينها استصدار إذن خاص من وزارة الخارجية البريطانية، يفيد بأنَّ أياً من هذه القيادات هو ضيف خاص، الأمر الذي يمنع تنفيذ اعتقاله. وكذلك من المعروف أنَّ وزراء دفاع إسرائيليين سابقين، مثل شاؤول موفاز وبنيامين بن أليعزر، لا يستطيعون دخول الأراضي الإسبانية بسبب وجود أوامر اعتقال بحقهم لجرائم حرب أو لتعذيب معتقلين.
وقد أمر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وزارة الخارجية الإسرائيلية، وفق الإذاعة الإسرائيلية العامة، بالعمل للتصدّي لهذه الخطوات باعتبارها «محاولة استفزازية وقبيحة لاستخدام الجهاز القضائي الجنوب أفريقي من أجل حثّ موقف معادٍ وغير مشروع». وقالت الإذاعة إنَّ السفارة الإسرائيلية في بريتوريا على اتصال مع شرطة جنوب أفريقيا من أجل إلغاء أوامر الاعتقال هذه. في أعقاب ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية «أننا نرى في أوامر الاعتقال استفزازاً. ونحن نعمل مع السلطات الإسبانية من أجل إلغاء أوامر الاعتقال. ونأمل أن نحلّ المشكلة بأسرع وقت».
ولكن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبعد فترة توتّر، عادت لتعلن أنَّ الشرطة الجنوب أفريقية نفت أن تكون تسلّمت أوامر اعتقال بحق قادة عسكريين إسرائيليين سابقين. ونقلت عن المتحدث باسم الشرطة الجنوب أفريقية قوله إنَّه «لم يصدر أمر اعتقال بحقّ أيّ من الأسماء التي ذكرت»، مضيفاً «فحصنا مع الانتربول ومسؤولين في دائرة الجرائم ضدّ الدولة وهم ينكرون ذلك».
وفي مقالة كتبها في «معاريف»، أشار قائد سلاح البحرية، تشيني، المذكور ضمن من صدرت بحقّهم أوامر اعتقال، أنَّ «طفو أحداث مرمرة على السطح الآن، جاء للتضييق على خطوات القادة. وفقط عبر الاستعداد لمكافحة الإرهاب بعزم من جانب الجمهور كله سيقود إسرائيل إلى استمرار تحقيق الانجازات وإحباط محاولات أعدائنا للمساس بروتين حياتنا في دولة إسرائيل».