افراسيانت - حلمي موسى - برغم أن أميركا كانت طوال الأشهر الماضية تطلب من إسرائيل أن تبدأ معها مفاوضات للاتفاق على رزمة التعويضات التي ستنالها في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن هذه المفاوضات لم تبدأ إلا مؤخراً، بجس النبض أولاً ثم بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون لواشنطن.
ومع ذلك فإن المفاوضات الفعلية لم تبدأ لأسباب كثيرة، بينها أن مطالب إسرائيل متنوعة وليست نهائية، وأن هناك تطورات جوهرية في المنطقة تستدعي تفكيراً معمقاً. وثمة بين الاستراتيجيين الإسرائيليين من يعتقدون أن لا شيء البتة يعوض عن التواجد العسكري الروسي المكثف في سوريا والذي يغير بشكل أساسي معطيات المنطقة.
وفي كل حال فإن بين قائمة المطالب الإسرائيلية من أميركا ما يشير بداية إلى أن إسرائيل لا تكتفي من الآن بحصتها الكبيرة من المساعدة العسكرية الأميركية السنوية، والمقدرة بـ3.1 مليارات دولار. فالقائمة تحوي، عدا عن سرب طائرات جديدة من طراز «إف 15»، عدداً من طائرات تزويد الطائرات بالوقود في الجو وطوافات والطائرة المروحية من طراز «أوسبري V22»، وذخائر دقيقة ومساعدة مالية كبيرة للتزود بصواريخ «حيتس». وتشدد إسرائيل على أن المخاطر ضدها تزايدت، وأن الأمر لم يعد يقتصر على إيران و «داعش» بل دخلت في المعادلة عوامل أخرى، بينها التواجد الروسي في سوريا.
وأشار مراسل موقع «يديعوت احرونوت» الألكتروني في العاصمة الأميركية إلى أن قائمة المساعدات الخاصة، التي عرضت في اللقاءات بين كبار المسؤولين في الدولتين، جرى تحديدها بوضوح أكبر في اللقاء بين وزيري الدفاع الأميركي أشتون كارتر ونظيره الإسرائيلي في لقائهما الأسبوع الماضي. وقد اتفق الرجلان على أن غاية المفاوضات هي تعزيز التفوق النوعي لإسرائيل في السنوات المقبلة. وذكر إن القائمة وُضعت على طاولة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي من المقرر أن يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في واشنطن الأسبوع المقبل.
وكان وزير الدفاع الأميركي أعلن أثناء زيارة يعلون لواشنطن الأسبوع الماضي أن إسرائيل ستكون الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ستحصل على طائرة المستقبل «أف 35»، لكن إسرائيل تريد، كما سلف، سرباً من طائرات «أف 15»، لكن بعد تزويده بكل التجديدات والتكنولوجيات التي جرى تطويرها في إسرائيل، والتي تجعل من هذه الطائرة حصان العمل في سلاح الجو الإسرائيلي.
وكانت أميركا وافقت على تزويد إسرائيل بطائرات «أوسبري»، التي تقلع وتهبط كالطوافة، وهي معدة لخدمة وحمل القوات الخاصة وللإنقاذ السريع في مناطق وعرة، وهي مؤهلة للوصول إلى إيران. وذكرت «يديعوت» أن دينيس روس والجنرال ديفيد بتراوس كانا اقترحا مؤخراً على الإدارة الأميركية تزويد إسرائيل بمفجرات خنادق طورتها أميركا، وهي قادرة على اختراق وتدمير المفاعلات الإيرانية، لكن هذا العرض ليس مدرجاً على جدول الأعمال كما يبدو. فالإدارة الأميركية معنية بمساعدة إسرائيل أساساً في مجال الدفاع، ومنظومة «حيتس 3» تعتبر مكوناً أساسياً في حماية وإغلاق أجواء إسرائيل.
وقد أوضح كارتر، في لقاءاته مع نظيره الإسرائيلي، أنه تمت دراسة «طرق إضافية لتوسيع التعاون، بما في ذلك في مجال السايبر وتكنولوجيا السلاح المتطور». وشدد على أن منظومة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية ليست في اتجاه واحد، معتبراً أن «إسرائيل هي الحليف صاحب القدرة الاستثنائية في مجال السايبر والتكنولوجيا».
وأشارت «يديعوت» إلى أنه في اللقاءات الأخيرة بين كبار المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بُذلت جهود لوضع حد للخلافات بين الدولتين بشأن الاتفاق النووي مع إيران. ويصر الأميركيون على أن الاتفاق جيد، لكنه لا يحل مشاكل أخرى ولا يبعد مخاطر تمثلها إيران. وفي لقائه مع يعلون أطلع كارتر نظيره الإسرائيلي على تعليمات أوباما للمؤسسة العسكرية الأميركية بالاستعداد لتنفيذ الخيار العسكري إن انتهكت إيران الاتفاق النووي. وأكد أن إسرائيل تواجه مخاطر حالياً، لكن أميركا تقف دائماً وأبداً إلى جانب إسرائيل، التي تشكل «حجر الزاوية في إستراتيجيتنا في الشرق الأوسط، وأمنها أولوية قصوى لأميركا، لجيشنا، للرئيس أوباما ولي شخصياً».
في كل حال تشير جهات إسرائيلية مختلفة إلى أن محادثات يعلون وممثلي وزارة الدفاع الإسرائيلية في أميركا كانت ناجحة، وأنها وضعت الأسس لتوسيع المساعدة الأميركية لإسرائيل وتعزيز التفوق النوعي الاستراتيجي لها في الشرق الأوسط. وأكدت مصادر سياسية إسرائيلية أن أميركا تميل إلى زيادة المساعدة السنوية لتل أبيب. ومعروف أن الاتفاقية الأميركية ـ الإسرائيلية للمساعدة العسكرية تنتهي في العام 2017، لذلك فإن المفاوضات الحالية تشكل جزءا من المفاوضات لاتفاقية جديدة في العقد المقبل. وكانت تسربت معلومات أن أميركا ستمنح إسرائيل مساعدة سنوية بقيمة 4.1 مليارات دولار، بدلاً من 3.1 كانت تمنحها لها بموجب العقد الحالي. ولكن الزيادة على المساعدة لن تدخل حيز التنفيذ، وفق البرتوكول، قبل العام 2018، ولذلك فإن إسرائيل تطالب من الآن بتقديم موعد سريان الاتفاق الجديد.
وبرغم الأجواء الإيجابية التي سادت لقاءات يعلون والأميركيين إلا أن في الجيش الإسرائيلي من يحذر من الغرق في الأوهام. ويرى هؤلاء أن التغييرات في المنطقة العربية تجعل إسرائيل بحاجة إلى ما هو أكثر من توسيع سلة المساعدات لها، وهم يريدون من أميركا توسيع الضمانات، ليس فقط العسكرية وإنما السياسية أيضاً، لمواجهة الثغرة الكبيرة التي نجمت عن دخول روسيا لاعباً مركزياً في سوريا، فضلا عن الاتفاق النووي مع إيران. ويعتقد بعض الإسرائيليين أن أوباما لن يكون متسامحاً كثيراً مع نتنياهو في لقائهما المقبل في التاسع من الشهر الحالي.
لكن من جهة أخرى هناك في الجيش الإسرائيلي جهات تعترض على المطالبة بامتلاك طائرات «أوسبري» من أميركا، وهي ترى أن شراء هذه الطائرات يعتبر «مغامرة مكلفة». وهم لا يقصدون فقط ثمن هذه الطائرات، وإنما أيضا النفقات الجارية الكبيرة للحفاظ على جاهزيتها وصيانتها الدورية، وتحمل أعباء قطع غيارها مقارنة مع دورها العملياتي المحدود.