افراسيانت - القدس/ فيينا - "القدس" دوت كوم - غالبا ما تؤدي موجات العنف بين إسرائيل والفلسطينيين إلى تسارع جهود السلام، حيث أدت الانتفاضة الفلسطينية الأولى إلى إبرام اتفاقات أوسلو في أوائل التسعينات وخرجت المبادرة العربية ومبادرة جنيف للسلام من رحم الانتفاضة الثانية.
لكن أحدث موجة من أعمال العنف المستمرة منذ نحو شهر والتي تقل في حدتها عن الانتفاضتين السابقتين تأتي في وقت تبدو فيه رغبة كل الأطراف المعنية -الفلسطينيون وإسرائيل والشركاء الدوليون مثل الولايات المتحدة - في بدء مسعى جديد نحو السلام أكثر عزوفا وفتورا.
وبينما كانت الأمور السياسية التي تركزت على الأرض والحدود والدولة تشكل جزءا أساسيا من الصراع دخل عنصر ديني إلى موجة العنف الأخيرة، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدا وأصعب حلا.
وبعد ثلاثة أسابيع قتل فيها تسعة اسرائيليين طعنا او رميا بالرصاص وقتلت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي 50 فلسطينيا بدأت الجهود الدولية لكبح العنف.
وقام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة مفاجئة للشرق الأوسط قبل أيام التقى خلالها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس وأجرى مباحثات مع الملك عبد الله عاهل الأردن في عمان أمس الخميس.
وتوجه نتنياهو إلى ألمانيا للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية الاميركي جون كيري ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني، بينما يتوقع وصول كيرى إلى الأردن لمقابلة الملك عبد الله والرئيس عباس.
كما اجتمعت اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولا عربية رئيسية في فيينا اليوم الجمعة.
لكن هدف الجهود الدبلوماسية يتركز غالبا حول وقف العنف وتعزيز الوضع القائم في الحرم القدسي موطن تفجر العنف دون الحديث عن بدء مسعى جديد وشامل يقود لحل الدولتين خاصة بعد انهيار الجهود الأخيرة المدعومة من واشنطن مطلع 2014 عقب تسعة أشهر من المباحثات غير المثمرة.
وقال كيري أمس الخميس وهو يقر بغياب أفق أوسع "من المهم للغاية إنهاء كل أشكال التحريض وإنهاء كل أعمال العنف وإيجاد سبيل للمضي قدما لبناء إمكانية لعملية أوسع ليست موجودة اليوم".
* إلى طاولة المفاوضات؟
ويعتمد أي جهد للسلام على جلوس الطرفين الرئيسيين وهما إسرائيل والفلسطينيون وجها لوجه. ورغم أن هذا الأمر يبدو بسيطا لكن في الوقت الراهن لا يوجد دافع لدى الجانبين وحتى إن وجد تظل إمكانية تقديم كل طرف ما ينتظر منه بموافقة شعبية أمرا غير مضمون.
وقال نتنياهو إنه مستعد للجلوس مع عباس في أي وقت لكنه اتهمه بالتحريض على أعمال العنف الحالية كما أنه لا يراه محاورا للسلام. ولم تكن العلاقات بين الاثنين بهذا المستوى من السوء من قبل.
وحتى لو وافق نتنياهو على مفاوضات جديدة فإن حكومته تملك الأغلبية في الكنيست بمقعد واحد وتحظى أحزاب دينية ويمينية متشددة بنفوذ كبير. ومن ثم فإن أي تلميح للسير في طريق لا يروق لهذه الأحزاب قد يهدم الائتلاف الحاكم.
وبعد لقاء نتنياهو وكيري في برلين يوم الخميس عبر مسؤول أميركي عن تشاؤمه العميق تجاه فرص السلام وقال "يوجد مليون سبب (لعدم وجودها). انظر إلى ائتلافه (نتنياهو)".
وحتى دفع نتنياهو للموافقة على بنود كانت في السابق شروطا مسبقة لبدء مفاوضات سلام مثل وقف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية يهدد بانهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
أما عباس فيواجه كثيرا من العقبات التي تحول دون عودته إلى محادثات السلام، حيث تدنت شعبيته إلى أقل مستوى وأشار مسح نشر الشهر الماضي إلى أن ثلثي الفلسطينيين يرغبون في استقالته.
وعندما جاء عباس للسلطة قبل عقد وعد الشعب الفلسطيني بقدرته على إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالطرق السلمية لكنه لم ينجح في ذلك. ويبو أن بعض ما يؤجج مشاعر الغضب بين الشبان الفلسطينيين الآن هو الشعور بفشل الجهود السلمية وبأن السبيل الوحيد هو الصراع المسلح.
وقال ناثان ثرال، كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية "الاضطرابات الحالية تعكس شعورا بين الفلسطينيين بفشل قيادتهم وأن عليهم الدفاع عن الحقوق الوطنية ولو تطلب الأمر تحدي قياداتهم".
وحتى لو تمكن عباس من الجلوس في محادثات جديدة فإن قدرته على أداء هذا الدور نيابة عن الفلسطينيين وامتلاكه تفويضا ديمقراطيا للقيام بذلك محل شك. وانتخب عباس في 2005 لفترة رئاسية مدتها اربعة أعوام ومع ذلك لا يزال في السلطة منذ عشرة أعوام دون انتخابات جديدة.
ويملك عباس القدرة على الحديث نيابة عن حركة فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لكن غزة تسيطر عليا حركة حماس التي تعارض المفاوضات مع إسرائيل.
* ما بعد أوباما
وبالنسبة للولايات المتحدة التي كانت على مدى عقود العامل الخارجي الحاسم في دفع المفاوضات فإن المشهد ينطوي على تحديات.. فالرئيس الاميركي باراك أوباما لم يعد له في السلطة سوى أكثر قليلا من عام علاوة على فشل جهود سابقة لإدارته لدفع إسرائيل والفلسطينيين نحو السلام.
وفي ظل الصراع في سوريا والعراق واتفاق إيران الذي ينفذ حاليا وأيضا حرب السعودية في اليمن والتهديدات الجمة التي تواجهها تركيا عضو حلف شمال الاطلسي فإن المنطقة بها ما يكفي للاستحواذ على اهتمام الإدارة في واشنطن.
وكان الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في السابق أمرا أشبه "بالإرث" الذي يتعين على رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين التعامل معه في فترة رئاستهم الثانية وهو ما فعله كل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن. لكن بالنسبة لأوباما يبدو هامش الاهتمام بهذا الإرث شبه معدوم وأن الاهتمام سيوجه هذه المرة على الأرجح إلى اتفاق إيران أو قضية داخلية مثل الرعاية الصحية.
ولا شك أن فشل اتفاقات أوسلو للسلام المبرمة عام 1993 ومبادرة جنيف عام 2003 والمبادرة العربية للسلام عام 2002 التي أعيد طرحها في عام 2007 لإقامة سلام دائم كلها أمور تشكل رادعا لكل الأطراف يمنعها من الانخراط في المفاوضات.
وسقطت فكرة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي يرى أن مشكلات التطرف الإسلامي متجذرة بعمق في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وأن حل إحداها سيسهم في حل (قضية) الشرق الأوسط على نطاق أوسع بعد أن سيطرت جماعات متشددة منها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مساحات كبيرة من الأراضي في المنطقة.
ورغم رغبة الاتحاد الاوروبي واللجنة الرباعية الدولية في لعب دور أكبر في صياغة جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلا أن الولايات المتحدة ظلت القائد الرئيسي لها. لكن في الوقت الراهن لا توجد رغبة لدى الادارة الاميركية في العودة إلى مقعد القيادة.
ولمح مسؤولون أميركيون أيضا إلى فتور العلاقة الشخصية بين أوباما ونتنياهو. ويفضل رئيس الوزراء الإسرائيلي الانتظار لحين وصول الإدارة الجديدة للسلطة.
وفي هذه الحالة إذا فازت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة الاميركية فإن نتنياهو يتوقع ان يجد أذنا صاغية أكثر تعاطفا. وفي حال وصول مرشح جمهوري إلى البيت الأبيض فسوف يراه نتنياهو على الأرجح السيناريو الأفضل.