مطار كويرس منصة لتلقين "داعش" الدرس الأول.. "عاصفة السوخوي" تقلب المعادلة في ريف حلب
افراسيانت - عبد الله سليمان علي - السفير - انقلبت المعادلة العسكرية حول مطار كويرس بريف حلب الشرقي رأساً على عقب. وتلاشت المخاوف من سقوط المطار، ولم يعد السؤال هل يفك الحصار عنه، بل متى يفك هذا الحصار؟ وأصبح الجميع يتعامل وكأن نتيجة العملية باتت محسومة، ولا مجال للجدال فيها تعبيراً عن الثقة بالتقدم الذي حققه الجيش السوري في محيط المطار في الآونة الأخيرة.
هذا الانقلاب في الواقع العسكري في واحدة من أهم جبهات القتال يستدعي التساؤل حول حقيقة ما يجري: هل نحن أمام واقع جديد يخسر فيه تنظيم «داعش» معاركه ويكتفي بمحاولات الدفاع عن الأراضي التي يسيطر عليها؟ أم أنه يتبع استراتيجية جديدة قد لا تظهر آثارها إلا مع مرور بعض الوقت؟ وتتعزز أهمية السؤال على ضوء ما يجري في العراق من تقدم للجيش العراقي والحشد الشعبي في مدينة بيجي والمصفاة وبعض المناطق الأخرى، فيما لم يبادر التنظيم إلى القيام بأي عملية هجومية منذ سيطرته على مدينة الرمادي قبل أشهر.
بالنسبة إلى مطار كويرس، هناك مجموعة من العوامل التي أثّرت على أداء تنظيم «الدولة الإسلامية» واضطرته للتخلّي عن الاندفاع الهجومي وملازمة سياسة الدفاع، فهو لم يستطع اقتحام المطار، رغم محاولاته المتكررة لذلك، قبل دخول طائرات «السوخوي» الروسية على خط المعارك، فهل سيستطيع ذلك بعد دخولها وتأمينها غطاءً جوياً للقوات السورية المهاجمة بقيادة العقيد سهيل الحسن؟ خاصةً أن المطار يتمتع بتحصينات طبيعية تساعد حاميته على الدفاع عنه، وهذه التحصينات هي عبارة عن ثلاث قنوات مائية، يتراوح عرضها بين 15 إلى 40 متراً، تحيط به من ثلاث جهات باستثناء جهة الجنوب التي بنيت فيها تحصينات إسمنتية. كما أن طبيعة القرى المحيطة بالمطار، ونوعية الأبنية فيها، وهي قرى صغيرة قليلة الكثافة، وتنتشر فيها البيوت الطينية الضعيفة، والتي يتكون معظمها من طابق واحد، لعبت دوراً في إضعاف قدرة التنظيم على بناء تحصينات قوية، وبالتالي الاقتصار في هذا الصدد على نشر الكمائن واستخدام الأسلحة الثقيلة من مديات غير قريبة (بالنسبة إلى أبعاد منطقة المواجهات التي تعتبر ضيقة أصلاً).
وبقي عامل في غاية الأهمية، وهو أن الجيش السوري أجرى تعديلاً جوهرياً على التكتيك الذي اتبعه في الهجوم لفك الحصار عن مطار كويرس، مستفيداً بذلك من تجربة محاولة فك الحصار عن نبل والزهراء، والتي تخللها بعض الخلل أدّى إلى عدم نجاحها، وإن حققت تقدماً ميدانياً تمثل بالسيطرة على بلدة باشكوي، لكنها لم تصل إلى خواتيمها كما كان مخططاً لها. فلم يعد الجيش السوري يسعى إلى التقدم والسيطرة على مساحات واسعة دفعة واحدة، بل يتعمد التقدم ببطء والاقتصار على سياسة القضم الجزئي، ولا يتخذ الخطوة التالية إلا بعد أن يكون قد هضم ما قضمه سابقاً، وذلك عبر تثبيت قواته وتحصينها في المناطق التي سيطر عليها لمنع أي هجوم مضاد ضده. وقد ظهرت نتائج هذا التكتيك في قدرة الجيش على إجهاض محاولة «داعش» الهجوم على تل نعام، وتفجير العربة المفخخة بما زنته 10 أطنان من المتفجرات، قبل أن تصل إلى هدفها بحوالي 200 متر، والتي كان من المفترض أن تمهد لهجوم معاكس.
وسيطر الجيش مؤخراً على عدة قرى تحيط بمطار كويرس من جهة الجنوب، ما قرّبه أكثر فأكثر من فك الحصار عنه، وأهم هذه القرى نعام وتل نعام والناصرية والحويجينة وبقيشة. ولكن رغم أنه لم يعد يبعد عن المطار سوى أقل من عشرة كيلومترات، إلا أن ذلك لا يعني أن العملية أوشكت على الانتهاء، لأنه من المتوقع أن تشتد المواجهات في المسافات الأخيرة وتتصاعد حدتها. ويعود ذلك إلى رغبة التنظيم، في ظل عجزه عن منع فك الحصار، بأن يحاول تحويل المعركة إلى معركة استنزاف طويلة الأمد لإلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجيش، بينما يريد الجيش السوري أن يجعل من معركة مطار كويرس منصة لتلقين «داعش» الدرس الأول حول حقيقة التغييرات الإستراتيجية والعسكرية التي طرأت في أعقاب التدخل الروسي، وأن بعض التجارب المأساوية السابقة مثل «الفرقة 17» أو مطار الطبقة لن تتكرر من جديد.
هل يعني ذلك أن نموذج كويرس سيُعمّم على كل جبهات القتال ضد «الدولة الإسلامية»؟
يرى بعض الخبراء في شأن «داعش» أن «أداء التنظيم في هذه المرحلة يتسم بالتراجع، وعدم القدرة على القيام بعمليات هجومية، وبالتالي الاستيلاء على أراضٍ إضافية»، وهذا أمر طبيعي لأن التنظيم بات مستهدفاً من قبل تحالفين ضخمين، أحدهما تقوده روسيا والثاني الولايات المتحدة. إلا أن الباحث العراقي عمر الفلاحي المتخصص في متابعة قضايا التنظيمات الإسلامية، والذي يعمل مستقلاً عن أي جهة، ميّز في حديثه مع «السفير» بين قدرات التنظيم الدفاعية التي ما زالت على حالها من حيث القوة، والقدرات الهجومية التي تأثرت بالضربات الجوية، رغم كل محاولات التنظيم التخفيف من آثار هذه الضربات. وإذ يشير الباحث إلى أن القوة الأقدر على مواجهة «داعش» هي قوات الحشد الشعبي بسبب تكوينها العقائدي، يلفت إلى أن التنظيم ما زال قادراً على الاستفادة من بعض الثغرات في أداء الجيوش التي تواجهه، ولا سيما الجيش العراقي.
وأشار الفلاحي، إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن «التنظيم يحاول تمضية بعض الوقت باللجوء إلى أسلوب الدفاع، وذلك حتى قدوم فصل الشتاء، حيث من المتوقع أن يعمد إلى العودة للقيام بعمليات هجومية، مستفيداً من سوء الأحوال الجوية وما يصاحبها عادةً من انخفاض في كفاءة الطيران الحربي»، مستدلاً على رأيه، بأن واشنطن التي تقود التحالف الدولي تدرك هذه الحقيقة لذلك حثّت القوات العراقية على ضرورة استعادة الرمادي قبل الشتاء.
أما في سوريا، فسوف يحاول التنظيم، خلال المرحلة المقبلة إضافة إلى ما سبق، أن يطبّق ما ورد في خطاب أبو محمد العدناني الأخير، والذي أعلن صراحة تبنّيه «سياسة تحرير المحرر»، بمعنى أنه سيهاجم المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة. وهنا فإن أكثر منطقة مرشحة لتكون هدف التنظيم هي ريف حلب الشمالي لما له من أهمية إستراتيجية كبيرة في ظل الصراع الدائر في المنطقة، لا سيما على ضوء تقدم الجيش السوري الأخير، والذي ظهر منه جلياً أن مدينة حلب ستكون مضمار المواجهة الكبرى.
وبما أن «الدولة الإسلامية» يدرك أن الهجمة ستشتد عليه بعد تخلص الجيش وحلفائه من باقي الفصائل، فإنه سيسعى جاهداً إلى استباق هذه النتيجة ومهاجمة مناطق سيطرة الفصائل، لتحقيق هدفين أساسيين: الأول، إبعاد المواجهات عن معقله الأساسي في الرقة من خلال السيطرة على مناطق جديدة وإشغال الجيش بالقتال فيها. والثاني استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوفه، سواء من خلال ضم الفصائل المهزومة إليه، أو من خلال تجنيد المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها.
وبات معلوماً أنه رغم الإستراتيجية الموحدة التي يتبعها التنظيم على مستوى «خلافته» في كل من سوريا والعراق، إلا أنه لا يربط على مستوى التكتيك بين جبهات القتال في البلدين. وهذا يعني أن قيادته العسكرية في كل بلد تعمل وفق متطلبات الميدان وضرورات المعارك فيه، من دون أن يأخذ بالاعتبار ما يجري على جبهات القتال في البلد الآخر. لذلك فإن عمل التنظيم في سوريا سيختلف بصورة كلية عن عمله في العراق، لأن الظروف والإمكانات مختلفة، خاصة لجهة عدم وجود فصائل مسلحة غيره في العراق، وبالتالي هو في غنى عن دخول أي مواجهات معها. وهذا يعني سورياً، أن التنظيم سيحاول الاستفادة من عدم وجود خطوط تماس طويلة بينه وبين الجيش السوري، وبالتالي عدم قدرة الأخير على شن هجمات برية عليه إلا في مناطق محددة، ليقوم بدوره في تعزيز تحصيناته الدفاعية وتقليل خسائره من الضربات الجوية من جهة، ومن جهة ثانية لتوسيع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها وحماية مركزه في الرقة، ولو كان ذلك على حساب الفصائل الأخرى.