افراسيانت - واشنطن - "القدس" دوت كوم - سعيد عريقات - علمت "القدس" الأحد، 8 تموز 2018 أن إدارة الرئيس ترامب تشعر بإحباط كبير تجاه احتمالات إطلاق مبادرتها لتسوية الصراع الفلسطينية الاسرائيلي، وفق الخطة التي أسمتها عليها "صفقة القرن"، وأنها " باتت شبه مقتنعة بأن خطة الرئيس ترامب المتعثرة وصلت إلى طريق مسدود، وأصبح من الصعوبة بمكان - إن لم يكن مستحيلا - إطلاقها في الوقت الراهن".
واضاف المصدر المطلع الذي طلب عدم ذكر "لذلك يقوم مستشاروه (الرئيس ترامب)، صهره جاريد كوشنر، وجيسون غرينبلات، (مستشاره للمفاوضات الدولية) بالعمل على صياغة صفقة أكثر تواضعا من صفقة القرن، لمعالجة الأوضاع الإنسانية المأساوية في (قطاع) غزة ولكنها مهمة وحساسة، حيث يتفق الجميع، بمن فيهم إسرائيل على أن غزة على وشك الانهيار بعد سنوات طويلة من الحروب والصراع والإدارة السيئة والتشاحن الفلسطيني- الفلسطيني، وأن تداعيات انفجار هذه الأزمة الإنسانية المخيفة ستطال حلفاء الولايات المتحدة في إسرائيل وربما مصر، وتزيد من التعقيدات المتفاقمة حاليا".
ولكن المصدر يقر بأن "الأفكار بشأن الكيفية التي يمكن للإدارة تخفيف أزمة غزة دون مكافأة حماس التي تحكم القطاع، وهي منظمة إرهابية بالنسبة للولايات المتحدة وتعتدي على إسرائيل وتتحالف مع إيران، أو السلطة الفلسطينية بقيادة عباس الذي أظهر تصلبا غير متوقعا أمام إدارة ترامب ومشاريعها، رغم استقباله في البيت الأبيض العام الماضي، ورغم وقف المساعدات الأميركية المالية للسلطة. هذه الأفكار غير مطورة بعد، ولا تعدو كونها أفكاراً متناثرة، يأمل الفريق أن يتمكن من صقلها كخطة وبرامج ملموسة بالتعاون مع إسرائيل ومصر والدول العربية الغنية التي ستتحمل تكاليف أي من هذه المشاريع".
يشار إلى أن إدارة الرئيس ترامب جمدت كل المساعدات المالية الأميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية باستثناء تلك المخصصة لأجهزة الأمن الفلسطينية في نهاية شهر حزيران الماضي، فيما امتنعت عن الإفراج على الأموال التي جمدتها في بداية العام الحالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا، (حيث قدمت 60 مليوناً من أصل 160 مليون مخصصة للنصف الأول من عام 2018 تحت ذريعة أن الوكالة تحتاج إلى إصلاح الذات.
ورفضت السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إظهار أي مرونة أو استعداد لمناقشة خطة "صفقة القرن" أو حتى لقاء مسؤوليين أميركيين بعد أن اعترف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل يوم 6 كانون الأول 2017 وقام بنقل السفارة اليها فعلياً يوم 14 أيار الماضي رغم أن السلطة الفلسطينية أظهرت مرونة بالغة في مفاوضاتها الطويلة مع إسرائيل تحت الرعاية الأميركية منذ اتفاقات أوسلو عام 1993، مما دفع المسؤولين الأميركيين إلى التفكير في خيارات بديلة مثل توفير مساعدات تنموية إلى غزة "تبرهن من خلالها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي قد يزيد الضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية عباس الذي يرفض المبادرات للانخراط في عملية السلام، وربما تتمكن من تجاوزه في مبادرات مستقبلية".
إلا أن الفوضى على يبدو تعتري آلية تقديم المساعدات لغزة بشكل مباشر، حيث نشرت صحيفة واشنطن بوست الأحد تقريرا قالت فيه أن مسؤولا كبيرا في إدارة الرئيس ترامب أخبرها أنه "بالتأكيد لدينا تركيز على غزة الآن لأن الوضع هو على ما هو عليه، ونحن نريد أن نساعد، لكن الأمر ليس كما لو أننا نعتقد أننا بحاجة إلى إصلاح غزة أولاً ، قبل أن نرسل خطة السلام".
يشار إلى ان مبعوث ترامب جيسون غرينبلات قام بلقاء كل من مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل في عهد كلينتون وآخر مفاوض أميركي للسلام (2013-2014) ونيثان ساكس (الإسرائيلي الخبير بالشؤون الفلسطينية في معهد بروكنغز) في البيت الأبيض "من أجل تبادل الأفكار حول لاأوضاع في غزة وسبل معالجتها" بحسب تغريدة على حسابه (غرينبلات) على تويتر يوم 27 حزيران الماضي، كما التقى بعد ذلك بأيام مع المفاوض الأميركي السابق (عهد كلينتون) آرون ميلر بعد ذلك بيومين، فرضيا لبحث الموضوع ذاته.
كما يعتمد غرينبلات كثيرا على نصائح المفاوض الأميركي السابق دينس روس وزميله في "معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى" ديفيد مكوفسكي وهما والمعهد مقربون من إسرائيل.
وتتمثل إحدى الاحتمالات في مشاريع لتحسين خدمات الكهرباء والمياه في غزة على المدى القصير، وكم المرجح ان يتم تمويلها من دول الخليج الغنية ومانحين اخرين بالتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف.
وتنسب صحيفة "واشنطن بوست" لمسؤولين إسرائيليين قولهم، إنهم يرحبون بنهج "غزة أولاً كوسيلة لممارسة الضغط على حماس، وانتظار تلاشي أثر القيادة الفلسطينية المتنافسة مع حماس في الضفة الغربية"، التي تشارك إسرائيل ومصر بفرض حصار على غزة بحسب الصحيفة.
ويضيف المسؤول الإسرائيلي لواشنطن بوست ان "إسرائيل تؤيد دعم الناس (إنسانيا) في غزة كمرحلة أولى، لأن الفلسطينيين ليسوا على استعداد للنظر في [الاقتراح الأكبر]- صفقة القرن ، لذا فقد بدأوا في تركيز المزيد من الاهتمام على الوضع الإنساني في غزة".
يشار إلى أن نسبة البطالة في غزة تفوق الـ 40% ، ولا يحصل المواطنون إلا على أربع ساعات من الكهرباء يومياً، فيما تؤكد الأمم المتحدة ان الأوضاع هناك سيئة ومتزايدة ، وتتوقع أنه بدون تدخل داعم ، سيكون وضع القطاع المتاخم لإسرائيل ومصر "غير قابل للعيش" بحلول عام 2020.
وتشهد غزة منذ 30 آذار 2018 مظاهرات سلمية تسمى بـ"مظاهرات العودة" على امتداد السياج الفاصل مع اسرائيل، حيث قتل جنود الاحتلال الاسرائيلي نحو 140 فلسطيني وجرحوا أكثر من 15 ألف مواطن، في تصعيد يتفق العالم على أنه "استخدام مفرط للقوة المميتة" ودون مبرر من قبل اسرائيل. ولكن إدارة ترامب تدعم إسرائيل وتحميها من الانتقاد الدولي، حيث تتهم الولايات المتحدة حركة حماس ، التي تصفها بالمنظمة الإرهابية، باستخدام سكان غزة كبيادق في صراعها على السلطة مع عباس، فيما يتهم حلفاء الفلسطينيين الولايات المتحدة باستخدام أزمة غزة للحصول على قوة لإجباره (عباس) على المساومة.
ورفضت السلطة الفلسطينية الشهر الماضي حزمة اقتصادية منظمة من جانب الولايات المتحدة في غزة كمحاولة من جانب إدارة ترامب لتقسيم الفلسطينيين والحد من الصراع السياسي مع إسرائيل وتحويلها إلى حالة قضية إنسانية بحتة.
ويعتقد الخبراء أنه يمكن أن يكون للنهج الذي يركز على غزة فوائد سياسية قصيرة الأجل على الأقل بالنسبة لإسرائيل، إذا تم استبدال صور المواجهات القادمة من خطوط التماس الفلسطيني الإسرائيلي على حدود غزة بصور لمساعدات إنسانية تقدم لغزة.
وبحسب تقرير "واشنطن بوست" فان هناك مباحثات من أجل التوصل إلى هدنة بين حماس وإسرائيل تؤدي إلى وصول المساعدات. وينسب (التقرير) لمسؤول إسرائيلي كبير قوله، أن الفريق الأميركي يدعم هذا التوجه و "لكن من غير الواضح ما إذا كانت حماس ستوافق على الهدنة وتبادل الأسرى الذي تطالب به إسرائيل في بداية أي اقتراح".
ويتساءل دبلوماسيون آخرون ممن عملوا على جهود السلام الفاشلة مثل إنديك وغيره، كيف ستقوم الإدارة الاميركية بتشكيل دفعة لتحسين الحياة في غزة، وهي التي قررت في بداية العام الحالي خفض التمويل الأميركي بشكل كبير لوكالة الاونروا التي توفر التعليم المدرسي والخدمات الإنسانية الأخرى لحوالي مليوني شخص في قطاع غزة.
وتعاقب إدارة ترامب الفلسطينيين على رفضهم قراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
بدوره قال فيليب جوردون، الدبلوماسي السابق الذي كان مستشارا لمنطقة الشرق الأوسط للرئيس باراك أوباما في مقال الأسبوع الماضي، إن ترامب جعل المهمة الصعبة "مستحيلة"، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول وتمزيق الثقة مع الفلسطينيين.
وقال جوردون في إشارة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين "لن يكون هناك وقت مناسب لطرح خطة ليس لها فرصة للنجاح، وهذا ما سأصفه في ظل القيادة الحالية على الجانبين".
ويبدو أن زيارة المسؤولين الأميركيين بقيادة كوشنر وغرينبلات إلى مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر وإسرائيل الشهر الماضي قد أخرت اطلاق الخطة بدلاً من تسريعها، حيث أقر مسؤول كبير في إدارة ترامب لواشنطن بوست أنه "لا يزال جميع القادة العرب يدعمون القضية الفلسطينية واحتياجاتهم، لكنهم ما زالوا ملتزمين بمساعدتنا على رؤية ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى اتفاق سلام" رافضا الاقتراحات القائلة بان التركيز على غزة هو مقدمة لخطة تقودها الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية في غزة ، مما "يُخرج السلطة الفلسطينية المتمردة من الصفقة" معتبرا أن ذلك ليس أكثر من "أمر مضحك، فنحن لا نحاول القيام بذلك. نعتقد أن الحل في إطار اتفاق سلام سيكون غزة موحدة و الضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية واحدة".
إلا انه في المقابلة غير المعتادة التي أجراها جاريد كوشنر الشهر الماضي مع الصحيفة ، أعرب عن تفاؤله بأن الاستثمار والهدوء يمكن أن يحولا غزة، مشيرا الى تجاوز السلطة الفلسطينية. وقال "أعتقد أن السبيل الوحيد لشعب غزة هو تشجيع القيادة على السعي إلى وقف حقيقي لإطلاق النار يمنح إسرائيل ومصر الثقة ببدء السماح لمزيد من التجارة والسلع بالتدفق إلى غزة. العديد من الدول ستكون مستعدة للاستثمار في غزة إذا كان هناك احتمال حقيقي لمسار مختلف".
وعبر المقابلة مع القدس، حاولت الولايات المتحدة التواصل المباشر مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، على أمل ممارسة ضغط سياسي على السلطة الفلسطينية وحركة حماس.