افراسيانت - أطنان من الأسلحة السائبة، وأسواق حرّة للمتاجرة بها، وعشائر متمرّدة على سلطة القانون، والعشرات من الميليشيات ذات الولاءات الطائفية والحزبية والعرقية، والآلاف من المقاتلين المدرّبين العائدين من جبهات الحرب ضدّ تنظيم داعش.. إنّها وصفة التوتّر الأمني الدائم في العراق التي تحوّل مهمّة استعادة الاستقرار في البلاد ودخول مرحلة الإعمار إلى معضلة حقيقية.
حرّكت السلطات العراقية، قوّة عسكرية قوامها المئات من الجنود ومزوّدة بأسلحة متوسّطة وثقيلة باتجاه محافظة البصرة في جنوب البلاد، لضبط فوضى السلاح هناك، بعد أن تفاقمت بشكل أصبح يهدّد مساعي بسط الاستقرار في البلد الخارج من حرب مرهقة ضدّ تنظيم داعش والتي استمرت قرابة الثلاث سنوات مخلّفة خسائر بشرية ومادية كبيرة ودمارا هائلا في المرافق والبنى التحتية.
وتُطرح قضية فوضى السلاح ووجود كميات كبيرة منه خارج سيطرة الدولة وبأيدي المدنيين والعشرات من الميليشيات، بإلحاح في نطاق محاولات ترميم هيبة الدولة المتآكلة بشدّة، وإعادة تنشيط الاقتصاد وجلب المستثمرين للمشاركة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وهي أمور مرتبطة وثيق الارتباط ببسط الأمن وفرض القانون.
وقال مصدر عسكري عراقي، إن المئات من الجنود ترافقهم آليات مدرعة تضم دبابات ومدرعات وناقلات جند مدرعة وصلت إلى محافظة البصرة جنوبي البلاد، بهدف إعادة فرض الأمن والقانون بالمحافظة.
وتحوّلت محافظة البصرة الغنية بالنفط، والواقعة بجنوب العراق بعيدا عن بؤر الحرب ضدّ داعش والتي دارت معظم فصولها في محافظات شمال وغرب البلاد، خلال الفترة الأخيرة، إلى نموذج عن الفوضى الأمنية الناجمة عن انتشار السلاح غير المسيطر عليه من قبل الدولة.
وسُجّلت خلال الأسابيع الماضية زيادة كبيرة في معدلات الاغتيال وتفجير العبوات الناسفة والسطو المسلّح إضافة إلى النزاعات العشائرية التي تستخدم فيها أسلحة متوسطة وأخرى مضادة للدروع.
ولا يفصل عراقيون الوضع الأمني في محافظات جنوب العراق، عن الحرب ضدّ داعش، من زاوية أنّ عشرات الآلاف من المتطوّعين لقتال التنظيم ضمن ما يعرف بالحشد الشعبي هم من أبناء تلك المحافظات التي تشكّل الموطن الأساسي لشيعة العراق.
وتم بعد نهاية الحرب تسريح أعداد هائلة منهم وعادوا إلى محافظاتهم بما امتلكوه من خبرات قتالية يُخشى أن يستخدموها في تهديد الأمن خصوصا مع استشراء ظاهرة البطالة وندرة موارد الرزق.
وسبق لحاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أن حذّر من وجود “مجاميع منفلتة وغير مسيطر عليها تسير بأرتال عسكرية وتحمل باجات (شارات) مزورة”.
ودعا الزاملي إلى تحريك لواء أو فوج من قوات مكافحة الإرهاب نحو محافظة البصرة “لمداهمة واعتقال من يحمل السلاح، وبعدها ميسان لأن القوات الممسكة بالمنطقة تجامل أو تخشى مواجهة السلاح الثقيل الذي تملكه العشائر هناك”.
وقال “كل حملات سحب السلاح تقتصر فقط على سلاح خفيف وقليل وتعتبر مجرّد دعاية وغير فاعلة ومؤثرة. ويجب عدم الإعلان مسبقا عن الحملة لمنع إخفاء السلاح المتوسط والثقيل، ويجب أن تكون عمليات دهم مفاجئة فالإعلان عن الحملة أمر خاطئ”.
وقال الملازم محمد خلف من قيادة عمليات البصرة لوكالة الأناضول إن “وحدات من الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية إضافة إلى وحدات من الفرقة المدرعة التاسعة -التابعة للجيش- وصلت إلى محافظة البصرة”.
وشرح الضابط ذاته أن “مهمة القوات ستكون فرض الأمن والقانون في المحافظة واعتقال جميع المطلوبين الصادرة بحقهم مذكرات اعتقال”، مشيرا إلى أن “العملية الأمنية تأتي بأمر من رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد ارتفاع معدلات القتل والجريمة والنزاعات العشائرية”.
وتابع أن “القوات الأمنية مكلفة بمصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة لدى العشائر خصوصا في مناطق شمالي المحافظة التي تشهد نزاعات عشائرية تكاد تكون يومية”.
وتشهد المحافظات الجنوبية تكرار الاشتباكات بين القبائل باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وفي الغالب تعمل الحكومة على فضها عبر التصالح بين الأطراف المتنازعة.
ويجيز القانون العراقي احتفاظ كل أسرة عراقية بقطعة سلاح خفيفة بعد تسجيلها لدى السلطات المعنية، غير أن العراقيين بموجب الأعراف القبلية يحتفظون بالكثير من الأسلحة في منازلهم بينها قذائف صاروخية.
ولا تقتصر فوضى السلاح في العراق على العشائر، بل تشمل العشرات من الميليشيات الشيعية في أغلبها والتي هي بمثابة أجنحة عسكرية لأحزاب مشاركة في السلطة.
وتساهم تلك الميليشيات في تعكير الأجواء الأمنية، وأيضا في تسميم الحياة السياسية، إذ من الوارد استخدامها في الانتخابات.
ويقول الزاملي إنّ “هناك جهات سياسية لديها أجنحة مسلّحة تتاجر بالسلاح وقد تستخدمه في الانتخابات المقبلة في التهديد والوعيد”. ويثير النائب ارتباط فوضى السلاح بالإرهاب قائلا “إنّ تنظيم داعش يحصل على الأسلحة من نفس التجار الذين يبيعونها للعشائر في محافظات الوسط والجنوب”، مؤكّدا أن “العشائر تملك سلاحا يفوق ما يملكه الجيش، وهذا السلاح يستخدم في ما يسمى بالدكة والكوامة العشائرية”.
وتابع أنّ “تجارة الأسلحة نراها في مواقع التواصل الاجتماعي وهذا أمر خطير يهدد السلم المجتمعي”، منتقدا التراخي في مواجة الظاهرة بالقول “لم نر إجراء حازما من الحكومة ولا يمكن للأجهزة الأمنية في البصرة وميسان مواجهة النزاعات العشائرية ولا بد من جلب قوات من خارج المحافظة”.
ومن جهته يقول رئيس محكمة الاستئناف في محافظة ميسان، جنوبي العراق، القاضي رحيم نومان هاشم إنّ النزعة القبلية في المحافظة المذكورة تساهم بإضعاف الأجهزة الأمنية فهناك نقطة جوهرية في هذا المجتمع تتمثل في الانتماء إلى العشيرة على حساب الدولة، وهذا لا يشمل فقط بعض المواطنين بل يتعداه إلى الموظفين ومنهم أفراد الأجهزة الأمنية.
ويعزو سبب عدم ملاحقة المجرمين ومرتكبي حوادث القتل إلى أنّ الكثير من أفراد الأجهزة التنفيذية وعلى رأسها الأمنية هم عشائريو الانتماء أكثر من أي انتماء آخر، والسبب الثاني يكمن في عدم قدرة هذه الأجهزة على أداء عملها مقارنة بقدرة بعض العشائر والبيوتات.
ويوضّح أنّ هناك عشائر في المحافظة تمتلك أسلحة أكبر وأكثر مما لدى الأجهزة الأمنية، وهناك عدد غير قليل من هذه العشائر التي لا تخضع للقوانين ولديها وسائلها المختلفة التي هي على الأغلب مخالفة للقانون.