حصولي على جائزة "ماركو سيكورو" للشعر تؤكد بأن الكلمة الشعرية الفلسطينية تظل وشماً على خارطة الابداع الكوني
قالت لي لجنة الجائزة : لم نمنحك الجائزة لانك فلسطيني فقط بل لان شعرك عصارة قلب.
أهمية الجائزة في كونها تعيد الاعتبار إلى أدب المقاومة وتثبيته في الذاكرة الجمعية الكونية.
منذ نعومة أظفاري ركبت خيل المتنبي وحملت رمحه وسيفه وكتبت بالقرطاس والقلم.
افراسيانت - رام الله -" القدس" دوت كوم - رغم انشغاله في مهامه الادارية والنقابية ،إلا ان الشاعر المولود في قرية دير السودان على أطراف مدينة رام الله في 23 يونيو-حزيران 1973؛ ما زالت نفسه أمّارة بالشعر؛ وهو يحصد أرفع الجوائز العالمية للشعر؛ جائزة "ماركو سيكورو" الايطالية بنسختها التاسعة قبل ايام .
"ابو سيف" شاعرٌ، تسكنه القصيده ، حيث تتابعت اصداراته الشعرية واخرى في الصحافة، والنقد والتحقيق؛ففي الشعر صدر له: "رغبوت"1998، و"إشارات النرجس" 2002، و"صداح الوعر" 2009، و"السراج عاليا" 2009 وفي الإعداد والجمع والتحقيق: السادن،و"الناقة"، و"شعراء فلسطين في نصف قرن (1950-2000).
تولى السوداني منصب الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، ورئيس بيت الشعر الفلسطيني، والأمين العام للجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم في منظمة التحرير الفلسطينية. عندما يتم الحديث عن المبدعين الشباب فإن اسم مراد السوداني سيقفز الى صدارة المشهد.
"القدس"دوت كوم التقت السوداني فور عودته من ايطاليا واجرت معه الزميلة ربى عياش معه الحوار التالي:
-حدّثنا بداية عن هذه الجائزة، وكيف تم ترشيحك لنيلها؟
شكراً لفلسطين هذه الأرض السماء التي هي سياق وتراب للوحي، وأرض للإلهام، وتربة خضراء بما يليق بالفعل الفلسطيني المجيد، والبطولات الواسعة التي تنهض على الحبر الساخن، وحناء وردة سادة الشهداء.
في الحقيقة هذه الجائزة التي تعبر من خلالي بكل تواضع، وبكبرياء الشعراء الذين لا سلطة لهم على أحد سوى سلطة الشعر والقصيدة والنص الذي يليق بفلسطين، لأن فلسطين هي جديرة بكل هذا البهاء وبسدرة حضورها.
هذه الجائزة التي تعبر من خلالي مرة أخرى إلى كتاب وأدباء فلسطين في الوطن والشتات، هي انحياز وإعادة اعتبار لأدب المقاومة الذي أُغمضت عين النقد وعين الانتباه وعين الكاميرا عنه، وبالتالي يعاد انتاج الشعر المقاوم الذي لا يخبو ولا يزول ولا يرتد ولا ينكسر، لأن هذه الراية وهذا البيرق العالي يليق بالكتيبة المؤسسة التي أصّلت للفعل الثقافي المتماسك خلال سيرة ومسيرة الثورة الفلسطينية، جعلت علينا مسؤولية جديدة نحن الجيل الجديد، وأنا من جيل التسعينيات، وبالتالي على جيلي تقع مسؤولية كبرى في حمل هذه الراية، وما أنا إلا راية بين الرايات، وعلينا أن نحفظ الأمانة ونصون المقولة التي دشنها الأولون من السادة الذين كتبوا بحبر دمهم، ونحن في ذكرى الشهيد حنّا مقبل، أمين سر اتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، الذي سقط بالرصاص الأسود غيلة عندما دشن وزملاؤه مقولة "بالدم نكتب لفلسطين" لتصبح شعاراً للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين منذ عام 1972، لذلك هذه الكتابة التي أصّلت على تراب فلسطين ومن أجل فلسطين صعوداً نحو عمقها العربي إلى العمق الكوني والإنساني.
وجدت في هذه الجائزة من وجهة نظري مساحة لكي نقول أن الراية لم تسقط، وأن الكلمة الشعرية الفلسطينية قادرة على تثبيت حضورها وشماً على خارطة الإبداع الكوني، قبل 3 سنوات بمحض الصدفة أهديت أحد الأصدقاء، وهو الدكتور "عودة عمارنة" الملحق الثقافي في سفارة فلسطين بإيطاليا، ديواني "إشارة النرجس" و"رغبوت" وكنت بصحبة صديقي الشاعر يوسف المحمود، فما كان منه إلا أن ترجم هذين الديوانين وقام بطبعهما ودعانا لتوقيعهما، بعد نفاذ هذه الطبعة تلقفت "دار ديلفيشي" وهي دار نشر ايطالية مختصة بالشعر، الطبعة الثانية من هذا الديوان، وقامت بطبعه طبعة أنيقة، وأطقت من جديد هذا الديوان، و ذهبت إلى إيطاليا لتوقيع الديوان في سفارة فلسطين. وقمنا بتوقيع اتفاقية تعاون بين اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم ودار النشر، وقمنا أيضا بتوقيع اتفاقية بين اتحاد العام الكتاب والأدباء الفلسطينيين واتحاد كتاب إيطاليا، من أجل إعادة وصل ما انقطع بيننا وبين الساحة الايطالية التي لطالما كانت مع الثورة الفلسطينية، وكانت للفعل الثوري والثقافي الفلسطيني سنداً وداعماً.
وهذه الاتفاقية مع اتحاد كتاب إيطاليا، نجم عنها أن يكون هناك انطولوجيا للشعر وللسرد الفلسطيني والعربي.
بدأنا الحراك في الساحة الايطالية، ثم عقدنا اتفاقيات مع أهم المهرجانات الشعرية هناك، وحدث حراك إعلامي في ظل هذا الفعل الثقافي في إيطاليا، و تفاجأنا بقيام دار النشر بترشيح هذا الكتاب إلى جائزة شعرية، وحصلنا على جائزة "ماركو سيكورو 2017"، الجائزة الخاصة بالشعر، والتي تُمنح سنوياً لشاعر عالمي، وكان لفلسطين أن تحصد هذه الجائزة في هذه اللحظة المرة والصعبة من تاريخ القدس والمسجد الأقصى وتاريخ القضية الفلسطينية، لنؤكد للعالم أن المقولة الثقافية مساندة للدبلوماسية السياسية التي يضطلع بها السيد الرئيس في تعريف العالم على المظلومية الفلسطينية، والوجدان الجماعي المكلوم منذ ما يزيد على 100 عام على أرض الغزالة والأرجوان.
تمت الاحتفالية في قصر كارل الخامس التاريخي، وحصدنا هذه الجائزة التي أعتز بها، وأنحاز بها ومن خلالها إلى جيلي الذي أتطلع بهذه المسؤولية تعريفا بالشعرية الفلسطينية وتواصل الأجيال وتواصل من قطع، حيث أن محمود درويش حصل على العديد من الجوائز في إيطاليا، وباعتقادي أننا خرقنا هذا القطع عبر إحداث التواصل بمد خيط الذهب الشعري لإيطاليا لتحقيق هذا التواصل.
-ماذا يعني لك هذا الفوز؟ ما أهميته بالنسبة لك؟ وأهميته بشكل عام للكاتب الفلسطيني؟ هل يساعد في إيصال صوت القضية الفلسطينية وتسليط الضوء عليها؟
بداية، استطاعت الشعرية الفلسطينية أن تقدم الكثير من العطايا الشعرية والإبداعية في سياق الشعر العربي والكوني، كما أنه في ظل عدم وجود دار نشر و توزيع فلسطينية، وفي ظل عدم وجود مركز فلسطيني للترجمات لكي يضطلع بتظهير الإبداع الفلسطيني بكافة السياقات والساحات والمساحات والفضاءات، كان لزاما علينا بشكل فردي أن نحفر وأن نمد هذه الجسور، نحن في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، اضطلعنا بهذه المسؤولية، ونجحنا في إحداث هذا الاختراق، عبر توقيع العديد من اتفاقيات التعاون، سواء في المربع العربي أو العالمي.
فرح كبير ليس لي فقط إنما لجيلي، أنه علينا أن نحمل هذه المسؤولية باقتدار في التعريف بالشعرية الفلسطينية، وأن نصل من قطع، وأن نقوم بإظهار المعاناة الفلسطينية لسياقات كانت ولا تزال معنا فابتعدنا عنها، الخلل كان فلسطينياً بالتوقف عند زمن معيّن، و كأن الزمان قد توقف رغم تدفق نهر الشعر الذي هو صيرورة باكتمالها.
لذا حين نحصل على هذه الجائزة التي حضرها ما يزيد عن 100 شخصية فكرية و ثقافية وإبداعية في إيطاليا، عندما يصل صوت فلسطين لهؤلاء هذا هو انتصار لها، عندما نعرف بوجع فلسطين، وأنا عادة ما ارتجل كلماتي في المناسبات، لكني ثبتت هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لي عبر كتابة كلمة أُلقيت وتُرجمت للحضور، لا لشيء إلا لأن تصل الكلمات إلى مقاصدها، وقد لاحظتُ حجم التأثير وردة الفعل، سواء لدى لجنة الجائزة التي عقبت بكلام أصاب بي شيئا من الجمال حين قالت: "لم نمنحك الجائزة لأنك فلسطيني فقط، ليس لهذا السبب على أهمية الوجود الفلسطيني في الوجدان الإيطالي، بل لأن شعرك عصارة قلب".
بالإضافة إلى ذلك، وجدت بعض الحضور يبكي حين تحدثت عن القدس، وقلت بأنّي تركت القدس مثقلة بالشهداء والأسرى والجرحى، ولكن بوحدة وطنية لا تحدث إلا في فلسطين، بين الصليب والهلال، وأن يرفع الأذان من الكنائس.
وقلت: "وأنا في الحقيقة كنت صغيراً عندما ذقت تراب قريتي، وما زالت رائحة التراب على لساني ومن ذاق تراب وطنه لا يضل ولا يشقى".
وجدت كيف عبرت هذه الكلمات كالسّهم إلى وجدان المتلقين، كيف تلقوا هذا الكلام الفلسطيني والحقيقي بامتياز، كان ثمة اصغاء عالٍ ووسيع لما ألقيناه من شعر فلسطيني.
لذلك أهمية هذه الجائزة هي في كونها تعيد الاعتبار إلى أدب المقاومة من خلال الجيل الذي يحمل هذه الراية، تعيد الاعتبار إلى ثقافة ووعي فلسطين من خلال تثبيتها في الذاكرة الجمعية الكونية، تصل من قطع، وتؤكد قدرة الأجيال الجديدة .
هذه مسؤولية كبرى، وهذا نداء إلى جيلي وإلى الأجيال التي تأتي لاحقاً أن تحافظ على الدم المقدس.
-كيف تقيّم الشعر الفلسطيني اليوم، هل ما زال له دور مهم في القضية الفلسطينية كالسابق؟
نحن في هذه الأيام في تجاور فذ مع ذكرى الشاعر المختلف الحقيقي والمنتبه الجماعي والجمالي محمود درويش، وفي ذكرى الشاعر الفارس الشهيد عبد الرحيم محمود، و في ذكرى الروائي غسان كنفاني التي ما زالت ساعة يده بعد اغتياله تدق وترج المدى، مذكرة أن الزمن الفلسطيني لا يتوقف بإسكات شاعر أو كاتب أو مبدع، و بعد أسبوعين نحن في ذكرى الريشة الحربية ريشة ناجي العلي، وأيضا سنكون في التاسع عشر من هذا الشهر مع ذكرى الشاعر الشهيد صاحب "إني اخترتك يا وطني سرا وعلانية" علي فودة، الذي سقط بالرصاص الغليظ، وصاروخ استهدفه وهو يوزع جريدة الرصيف في اجتياح بيروت عام 1982.
امام هذا التجاور مع هذه الأرواح المقمرة والمعاندة في الثقافة الفلسطينية، وهنا استذكر قائمة طويلة من "كمال ناصر" الذي أطلق النار على لسانه، إلى وائل زعيتر، وكل من سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي غيلة، لأن قائمة جولدا التي وضعت لاغتيال المثقفين الفلسطينيين، خسرت الثقافة الفلسطينية الكثير من الأسماء الوازنة والعالية في الإعلام والثقافة والفكر، لأن هذا النقيض الاحتلالي يدرك أن الرواية الفلسطينية يجب أن تُنسى وتُمحى، وأن تغيب، ونحن بدورنا لا يمكن أن نقبل برواية النقيض، بل علينا أن نثبت الرواية الفلسطينية، أن نتهجى أحرف " فلسطين" من أول الملح ولآخر الجرح، من كتاب ومبدعين في الوطن والشتات، من حرف ناري استطاع أن يؤكد قوة حضور الثقافة الفلسطينية.
أمام كل هذا الإرث والموروث، هناك مسؤولية في الوفاء إلى ترابها العالي، وإلى تربتها الخضراء، التي يتخلّق من بين ثناياها كل هؤلاء الكتاب والشعراء، الذين دائما ما ينخرهم الرصاص الأسود ويمضون في مقولتهم "يا بلادي.. يا بلادي"، لذلك نحن نستند إلى هذه المقولة المتماسكة، لأنه يجب علينا أن نتماسك في لحظة التفكك، ويجب علينا أن نعيد نسج المقولة الواثقة في لحظة التراجع والتردي. نحن نتردى في ثياب المواجهة كمثقفين، لأننا نكتب بالحبر الساخن في الوقت الذي يكتب كتاب وأدباء العالم بالحبر البارد.
-عودة إلى البدايات وأول نص كتبته، من كان له الأثر الأكبر على مراد السوداني؟
يعود الفضل إلى قريتي التي أنحاز إلى ترابها الذي أنهل منه كل هذه العطايا الجمالية، وأهرب إليه من قسوة المدينة، والفضل كذلك إلى والدي -رحمه الله- الذي كان قوّالا في الأمسيات ولحظات الحصيد وليالي القمر والبيادر، وهو يقول لنا الشعر و الزجل و يغني لنا نحن الصغار.
فما زال رنين هذه الكلمات وهذا الوجدان الطافح بالثقافة العميقة يرن في قلبي وأذني.
والفضل أيضاً لأمي، أذهب إليها بين الفينة والأخرى لأسمع منها أغاني الحناء والعرس والزفة، وأغاني الوداع التي حفظتها من الجدات. أنا غني بكل هذا الموروث والإرث ولست غنياً عنه.
وجدت كتاباً أصفر اللون ذات يوم حين كنت صغيرا ممزق الغلاف، وجدت بيتاً من الشعر " الخيل و الليل و البيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم" عرفت لاحقا أنه للمتنبي، وأن هذا يسمى شعرا، فكنت أرنّم هذا البيت أمام عمٍ لي أتقن بحور الشعر، فبدأ بتدريبي عليها قبل أن أتعرف عليها في المدرسة، وما عمّقها وأصلها هو أستاذ اللغة العربية.