افراسيانت - غزة - "القدس" دوت كوم - يرى مراقبون فلسطينيون، أن تهديد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالتخلي عن إدارة غزة يمثل تعبيرا عن حدة أزمات القطاع، ورسائل للأطراف الخارجية للتحرك في سبيل إنهائها.
ويستبعد المراقبون في تصريحات لوكالة أنباء "شينخوا"، أن تبادر حماس إلى تصعيد عسكري ضد إسرائيل نظرا لتكلفة هذا الخيار وصعوبة تحمل سكان قطاع غزة له في ظل سلسلة الأزمات التي يعانوها.
وأعلن عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية قبل يومين، أن الحركة تدرس "التخلي" عن السيطرة على قطاع غزة وترك المجال أمام المؤسسات المحلية والمجتمع الدولي لتتحمل مسؤولياتها تجاه الأزمات التي يعاني منها القطاع.
وجاءت هذه التصريحات بعد إعلان مصدر في حماس عن خطة قدمتها كتائب القسام الجناح المسلح للحركة للقيادة السياسية في الحركة بشأن التعامل مع الأوضاع اللا إنسانية في قطاع غزة.
وتتضمن الخطة إحداث حالة فراغ سياسي وأمني وتخلي حماس عن أي دور في إدارة قطاع غزة، وتكليف الشرطة المدنية بحفظ الأمن، فيما تكلف كتائب القسام والأجنحة المسلحة التابعة للفصائل بالسيطرة الميدانية وتقوم المؤسسات المحلية بتسيير الشؤون الخدماتية.
تراكم أزمات غزة
وتسيطر حماس على قطاع غزة منذ منتصف العام 2007 بعد جولات من الاقتتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
ومنذ ذلك الوقت تفرض إسرائيل حصارا مشددا يتضمن قيودا على حركة الأفراد والبضائع على قطاع غزة الذي يقطنه ما يزيد عن مليوني نسمة.
وإلى جانب الحصار شنت إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة الأولى نهاية العام 2008 وبداية عام 2009، والثانية في نوفمبر 2012 وصولا إلى الهجوم الأخير في صيف عام 2014 لخمسين يوم متواصلة.
ودفع ذلك إلى معدلات قياسية من الفقر والبطالة في صفوف سكان قطاع غزة، إضافة إلى نقص حاد في الخدمات الأساسية خصوصا إمدادات الطاقة والمياه الصالحة للشرب.
وحذرت الأمم المتحدة في عدة مناسبات من أن قطاع غزة سيكون منطقة غير قابلة للحياة حال استمرار أزماته بالتفاقم بالوتيرة الحاصلة عند حلول العام 2020.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة مصطفى الصواف، أن تهديد حماس بالتخلي عن إدارة القطاع ومبادرة القسام الدافعة لذلك يحمل رسالة واضحة مفادها "رفع الحصار أو الكارثة".
واضاف الصواف، أن مثل هذا الخيار سيعني "الفراغ السياسي والأمني" في قطاع غزة بما "يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات" في إشارة إلى احتمال التصعيد مع إسرائيل.
ويرى أن "مبادرة القسام قد تكون النداء الأخير سواء للمحاصرين أو المتفرجين على الحصار، الراضين عنه والداعمين له بطرق مختلفة، ونعتقد أنها جادة".
ويخلص الصواف، إلى أن تهديد حماس رسالة "بأن على الجميع أن يتحمل المسؤولية سواء كانت إسرائيل أو المجتمع الدولي أو دول الاقليم، فإما ان يتحمل الجميع المسؤولية وينهوا الحصار أو يتحملوا ما سيترتب على حالة الفراغ السياسي والأمني ونتائجه الكارثية".
خطر الفوضى
في المقابل، حذر الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل، من أن تنفيذ تهديد حماس من دون خطة واقعية لإدارة غزة "سيعني تعزيز خط الفوضى داخليا والتصعيد مع إسرائيل".
واعتبر عوكل أن "الموافقة رسميا على مبادرة القسام سيعني فيما يعنيه إعلانا عن عزل حماس، ودخولها إلى مربع المغامرات غير محسوبة النتائج التي قد تضعف الحركة وتساهم في تحجيم شعبيتها".
ونبه إلى أن سكان قطاع غزة "لا يرغبون في أن يزج بهم أحد في أتون حرب تدميرية جديدة مع إسرائيل بعد أن اكتووا بنيران ذلك ثلاث مرات خلال السنوات العشر الأخيرة".
ويعتقد عوكل، أن مبادرة القسام وتهديد حماس بالتخلي عن إدارة غزة موجه بالدرجة الأولى للفصائل في غزة، لدفعها للانخراط أكثر في الشراكة الجديدة التي تسعى إليها حماس "بما يخفف عنها العبء دون أن ينال من قوتها".
ويضيف عوكل، أن "إسرائيل التي تحاصر غزة ينبغي أن تشعر بالتهديد الجاد، فسواء تعلق الأمر بفراغ سياسي أو فوضى أو تصعيد في القطاع فإنها ستجد نفسها أمام تبعات خارجة عن سيطرتها، وقد يلحق ذلك ضررا فيما يتعلق بمخططاتها".
خيار المصالحة
وشهدت العلاقات بين حماس وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس المزيد من التعقيدات أخيرا، وسط انعدام تقريبا لأفق تحقيق مصالحة فلسطينية تنهي الانقسام الداخلي حتى الآن.
وسبق أن توصلت الحركتان لعدة تفاهمات ثنائية وأخرى في إطار شامل للفصائل الفلسطينية، لكنها فشلت في وضع حد عملي للانقسام الداخلي واستعادة الوحدة المنشودة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبدلا من المضي في تنفيذ تفاهمات المصالحة، فإن سلسلة إجراءات تم اتخاذها من الحركتين اعتبرها مراقبون بأنها ساهمت تدريجيا في تكريس وضع الانقسام، خاصة ما يتعلق بتولي حماس كامل السيطرة الإدارية والأمنية في قطاع غزة.
وعملت حماس منذ سيطرتها على قطاع غزة على تشكيل سلطة خاصة بها من خلال تعيين ما يزيد عن 40 ألف موظف مدني وعسكري وبسط سيطرتها التامة على كافة مقاليد الحكم في القطاع.
في المقابل، واصلت السلطة الفلسطينية صرف رواتب لنحو 46 ألف موظف يتبعون لها في قطاع غزة بعد أن طلبت من غالبيتهم التوقف عن العمل فور سيطرة حماس على القطاع، إلى جانب إنفاقها على خدمات أساسية أخرى مثل مجالات الكهرباء والماء والصحة والتعليم.
وقبل شهر قررت حكومة الوفاق الفلسطينية إحالة سبعة آلاف موظف تابع للسلطة الفلسطينية من المدنيين للتقاعد المبكر، وذلك بعد ثلاثة أشهر من فرضها خصومات تقدر بأكثر من 30 في المائة على رواتب جميع موظفيها في غزة.
كما أوقفت السلطة الفلسطينية تغطية تمويل جزء من إمدادات الكهرباء التي تزود بها إسرائيل قطاع غزة وسط تهديدات منها "بخطوات صعبة وغير مسبوقة" بشأن استمرار الانقسام الفلسطيني.
ويعتقد الناشط السياسي مصطفى إبراهيم، أنه لا بديل أكثر نجاعة وأقل تكلفة أمام حماس من بذل جهد حقيقي وجدي لتحقيق المصالحة الفلسطينية عبر خطوات ملموسة للوصول لذلك.
واعتبر إبراهيم، أن "على حماس بذل جهود أكبر جدية للتوصل إلى إنهاء الانقسام الداخلي وسحب ذرائع الإجراءات المفروضة من السلطة الفلسطينية على قطاع غزة تمهيدا لتحقيق شراكة وطنية حقيقة".
وشدد على أن تحقيق المصالحة مرتبط بالدرجة الأساسية "بتغليب المصالح الوطنية على المصالح الحزبية" وهو الخيار الأكبر فائدة سواء لفتح أو حماس عن الاستمرار بالانقسام.
ويرى إبراهيم، أن حماس "معنية جدا بإبعاد شبح حرب جديدة على قطاع غزة مع التمسك بخيار المقاومة المسلحة، وهي تحاول توجيه رسالة لإسرائيل بأنها لن تصمت طويلا على حصار غزة وتجويع سكانها خاصة حال التعرض لبوادر انتفاضة شعبية ضدها".