بغداد - افراسيانت - قبل أن تنتهي العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق إلى نصر واضح، بدأت مشاكل إدارة المناطق المحررة في الظهور على السطح، لتشكل تحديا جديا لخطط الحكومة العراقية في بسط سيطرتها على جميع مناطق البلاد.
ومازال تنظيم داعش يحتل مناطق تلعفر والبعاج في نينوى والقائم ورواة وعانة في الأنبار والحويجة في كركوك.
ويتجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تكليف ضباط كبار في الجيش والشرطة بمهام إدارة المناطق المستعادة حديثا من تنظيم داعش في محافظتي نينوى والأنبار، وهما أكبر معقلين للعرب السنة في البلاد.
وحررت القوات العراقية مدعومة بالتحالف الدولي أجزاء واسعة من المحافظتين، لكن الوضع الأمني في هذه المناطق مازال هشا، بسبب ضعف أجهزة الإدارة المحلية، وسعي أطراف في قوات الحشد الشعبي إلى تعزيز نفوذها هناك، مستغلة حاجة أحزاب سياسية محلية إلى الدعم في مرحلة ما بعد داعش.
ويقول مسؤول بارز في مكتب العبادي لـ”العرب”، إن رئيس الوزراء العراقي يحاول منع تكرار نموذج محافظة صلاح الدين، معقل رئيس النظام السابق صدام حسين، في محافظتي نينوى والأنبار.
وعندما أعلن العبادي تحرير مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين من سيطرة تنظيم داعش في مارس 2015، لم يكن أحد ليظن أن قرارها الأمني سيؤول إلى قوات الحشد الشعبي بدلا من المؤسستين العسكرية والأمنية.
ومنذ ذلك الحين، كان على السلطات المحلية في تكريت أن تنسق شؤون إدارة المدينة مع قيادة الحشد الشعبي المتمثلة بالنائب السابق جمال جعفر المعروف بأبي مهدي المهندس، وزعيم منظمة بدر هادي العامري، وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وهم وثيقو الصلة بفيلق القدس الإيراني، بدلا من حكومة العبادي.
ولتجنب تكرار هذا النموذج كلف العبادي الفريق الركن رياض جلال توفيق قائد القوة البرية في الجيش العراقي، بالإشراف على تسيير شؤون الساحل الأيسر من الموصل في محافظة نينوى بعد الانتهاء من تحريره كليا في فبراير 2016.
وعاد العبادي إلى تكرار الأمر نفسه عندما كلف قبل أيام الفريق المتقاعد أحمد أبورغيف بمهمة تنسيق الجهود الاستخبارية في محافظة الأنبار.
وينحدر توفيق من أصول موصلية، في حين ينتمي أبورغيف إلى عائلة شيعية معروفة، لكنه يتمتع بصلات وثيقة مع عشائر الأنبار، تعود إلى حقبة سابقة شغل خلالها منصب وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات.
وقال مسؤول بارز في مكتب العبادي “إن قرار تكليف ضباط كبار بإدارة شؤون المناطق المستعادة من تنظيم داعش اتخذ بعد التشاور مع قيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وتحديدا الولايات المتحدة”.
وفضلا عن استباقه محاولات سيطرة أطراف في الحشد الشعبي على مقاليد الأمور في المناطق المستعادة من داعش، يريد العبادي وضع حد للخلافات الداخلية التي بدأت في الظهور على السطح بين الأحزاب السياسية في هذه المحافظات، قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في أبريل 2018.
وتقول مصادر محلية إن قيادات سياسية في المحافظات السنية التي تستعيدها القوات العراقية من تنظيم داعش، لا تتردد في الاستعانة بفصائل في الحشد الشعبي لتدعيم حظوظها في الصراع على المواقع التنفيذية في مرحلة ما بعد داعش.
وارتبطت عشيرة الجبور القوية في صلاح الدين بتحالف وثيق مع حركة عصائب أهل الحق، ما ساعد العشيرة في السيطرة على أهم المفاصل الإدارية في المحافظة، والحركة في احتكار إجراءات التدقيق الأمني للنازحين الراغبين في العودة إلى مناطقهم.
ويعتقد مراقبون في بغداد أن الوضع الأمني الهش في المناطق المستعادة من داعش في ظل تشتت القرار الأمني بين جهات حكومية وغير حكومية عديدة، يستلزم وجود قيادة موحدة تعيد توزيع الأدوار.
ولا يستبعد هؤلاء أن يلجأ العبادي إلى تكليف قائد عسكري بالإشراف على شؤون الساحل الأيمن من الموصل، بعد استعادته التي باتت وشيكة.
ووفقا لمصادر قريبة من محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، فإن إجراءات العبادي الأخيرة في هذه المناطق، تستهدف الحد من فرص أي طرف سياسي أو عسكري غير حكومي للاستفادة من فترة الفوضى التي تعقب الانتهاء من عمليات التحرير، وخلق واقع حال جديد، على غرار ما حدث في صلاح الدين.
وتقول المصادر، إن “هذه الإجراءات قد تؤدي فعلا إلى تحجيم طموح بعض فصائل الحشد الشعبي في الحصول على مواطن نفوذ في المناطق السنية، لكنها أيضا تحرم الأطراف السياسية المحلية في هذه المحافظات من فرص ترتيب أوراقها استعدادا للانتخابات البرلمانية”.
وتتطابق مخاوف النجيفي، مع ما يذهب إليه الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه محافظ الأنبار صهيب الراوي.
وتقول مصادر في الحزب الإسلامي إن تكليف قادة عسكريين بإدارة شؤون المناطق السنية المحررة لا ينسجم مع وعود الحكومة بتسليم إدارة هذه المناطق إلى أهلها، بعد تحريرها.
وتخشى هذه الأطراف من أن تتخذ القيادات العسكرية الحاكمة للمناطق السنية منصة لتعزيز نفوذ الحكومة في المحافظات السنية، وتطويق المشاريع السياسية فيها، لا سيما تلك التي تتعلق بتحويلها إلى أقاليم.
لكن المسؤول البارز في مكتب العبادي، يقول لـ”العرب”، إن “هذه المخاوف ليست مبررة، فالعبادي ليست لديه مطامح سياسية في هذه المناطق”، مشيرا إلى أن “تكليف ضباط بتنسيق جهود إدارة هذه المناطق لا يعني حكمها عسكريا، لا سيما مع وجود إدارتين محليتين منتخبتين في نينوى والأنبار”.
ويضيف أن السماح باستمرار الفوضى في هذه المناطق بعد تحريرها، ربما يسهل عودة العنف المسلح إليها، من بوابة الصراع السياسي على السلطات فيها.
العرب اون لاين