افراسيانت - العرب - هشام النجار - استهداف إحدى طائرات الجيش المصري قبل أيام سيارة الإرهابي أبي أنس الأنصاري، القيادي البارز في تنظيم أنصار بيت المقدس المؤيد لداعش وقتله في سيناء، مثل في رأي الكثير من المراقبين نقلة في تعامل الدولة المصرية مع الإرهاب، تقوم على أن التخلص من الرؤوس الكبيرة بداية حقيقية للقضاء على الإرهاب، كونهم ينهلون من منبع واحد، وهو التصور المكمل لمطالبة مصر المجتمع الدولي بمقاربة شاملة للتعامل مع الإرهاب.
وتسعى الحكومة المصرية إلى صياغة سياسات متكاملة لمكافحة الإرهاب، على خلفية إيمانها بأن مجرد القضاء على تنظيم داعش في مراكزه بسوريا والعراق لا يعني نهاية للإرهاب، لأن التنظيم سوف يتحايل على هزائمه بالتمدد في مواقع بديلة شرقا وغربا، فضلا عن تحوله إلى فصائل وتنظيمات أخرى تنشط في مختلف بلاد العالم للعمل على ملفاتها وأزماتها السياسية، وهو ما يحتم خلق تكامل دولي وإقليمي في مرحلة ما بعد داعش في العراق وسوريا.
تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب من خلال الشراكة المصرية الأميركية، وتزايد استهداف رؤوس وقيادات داعش والقاعدة في كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن والصومال، يدللان على بدء مرحلة مختلفة في الحرب ضد الإرهاب، تنطوي على منهج المواجهة الشاملة والمتكاملة والجذرية.
قتل أبي أنس الأنصاري تزامن مع إعلان الجيش المصري تطهير جبل الحلال في وسط سيناء والسيطرة عليه، وهو ما جعل البعض من المراقبين يقولون إن الحكومة عازمة بالفعل على وضع نهاية للإرهاب في سيناء بالقضاء على رؤوسه والسيطرة على مواقع تدريبه وإمداده اللوجستي وتمركزه. البعض من أهالي قرية شيبانة، جنوب مدينة رفح شمال سيناء، قالوا إن قتل أبي أنس الأنصاري، يوازي مقتل أسامة بن لادن مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، حيث يشبه الأنصاري (واسمه الحقيقي سالم سلمي الحمادين) بن لادن في الصورة، وكان يتشبّه به، كما أنه كان يمثل مركز قيادة وتمويل أنشطة فصائل التنظيم المسلح بسيناء.
الأنصاري أحد مؤسسي تنظيم “أنصار بيت المقدس” ومن أبرز قياداته في سيناء، كان مسؤولا عن دعم وتسليح وتدريب العناصر الإرهابية، وتشير رمزية قتله إلى النموذج الذي ترغب القيادة المصرية في تصديره للعالم في مجال مكافحة الإرهاب، مع المستجدات التي فرضت على القوى الدولية جعل مصر شريكا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب.
حالة الأنصاري وتنظيمه تدعم الرؤية المصرية بشأن ترابط ممارسات ومصالح مختلف فصائل الإسلام السياسي والجهادي؛ فمسيرته الإرهابية تكشف مدى عمق العلاقات والتوظيف بين جماعة الإخوان من ناحية، وتنظيمي القاعدة وداعش من ناحية أخرى.
لم تأت تأكيدات خبراء أمن بشأن تحالفات بين تنظيم أنصار بيت المقدس “ولاية سيناء” وخلايا إخوانية مسلحة، مثل “حسم” و”لواء الثورة”، من فراغ، فالعلاقة بدأت مع الانفلات الأمني الذي واكب أحداث يناير 2011 وما بعدها، وهو ما أتاح لقيادات وعناصر التنظيمات التكفيرية فرصة الهروب من السجون، ومن ثم شاركوا في معظم المواجهات التي دارت بين أعضاء جماعة الإخوان من جهة، والجيش والأجهزة الأمنية من جهة أخرى.
أكد خبراء لـ”العرب” أن من قام لاحقا بتهريب قيادات جماعة الإخوان من السجون، وعلى رأسهم محمد مرسي وسعد الكتاتني في سياق أحداث ثورة 25 يناير 2011، هم عناصر تكفيرية مسلحة، وكان الأنصاري على رأس مجموعة حررت مرسي من سجنه بالقوة قبل أيام من ثورة يناير. وشددوا على أن ما ارتكبه التكفيريون من مذابح لجنود بالجيش المصري أثناء حكم جماعة الإخوان، والتي راح ضحيتها العشرات من الجنود، أعطى الإخوان مسوغ الإطاحة بقيادات الجيش ومدير المخابرات.
وروجت هذه العلاقة بين التنظيمات المسلحة بسيناء والجماعة الحاكمة في القاهرة لمزاعم دعائية، قصد منها الإخوان التأكيد على أنهم الأقدر من الجيش المصري وجهاز المخابرات على ضبط الإرهاب والتحكم في تنظيماته، ونجحت الجماعة أكثر من مرة في تحرير جنود أسرى لدى التكفيريين من خلال التفاهم والتواصل مع قادتهم.
حالة الأنصاري تدعم الرؤية المصرية بشأن ترابط ممارسات ومصالح مختلف فصائل الإسلام السياسي والجهادي.
جماعة الإخوان رأت ضرورة تمكين التنظيمات التكفيرية من السيطرة على سيناء، في ظل مخاوفها من المؤسسة العسكرية، بحيث تمسك الجماعة بورقة ضغط يدعمها الحضور والنشاط التكفيري في غزة، لمواجهة أي تحركات من شأنها التأثير على مكاسبها السياسية.
عبارة محمد البلتاجي القيادي الإخواني، التي أطلقها من منصة اعتصام رابعة العدوية، عقب ثورة 30 يونيو 2013، كانت كاشفة حيث قال “الإرهاب في سيناء لن ينتهي إلا بعودة محمد مرسي إلى قصره رئيسا للبلاد”، وهو ما أكد تلك العلاقة الوثيقة.
تنظيم أنصار بيت المقدس استعرض في إصدار مصور جديد مجمل نتائج حربه ضد الجيش والشرطة، تعمد منتجوه استخدام الأدبيات الإخوانية، مثل “الشرعية” و”الانقلاب”، وأكدوا مساهمة التنظيم في اغتيال رموز بالدولة تعتبرها جماعة الإخوان على رأس قائمة أعدائها، ومنهم الضابط محمد مبروك المسؤول عن ملف الإخوان بجهاز الأمن الوطني وأيضا محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الأسبق.
أشار البعض من الدارسين إلى أن الجماعة أصبحت بعد عزلها عن السلطة في مصر أقرب إلى مظلة جامعة لتيارات إسلامية وجهادية مختلفة في الفكر والمنهج، وهو ما يؤيد صحة ما تذهب إليه الحكومة المصرية من ضرورة شمولية التعامل مع تنظيمات الإرهاب.
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية محمد جاد الزغبي قال في تصريح لـ”العرب” إن التنظيم الإرهابي في سيناء في أضعف حالاته الآن، بعد وصول الجيش المصري إلى مناطق تمركز القيادات ومراكز الدعم، وهو ما أجبر التنظيم على المناورة لجر الجيش إلى المناطق السكنية باستهداف الأقباط، واستخدام الزي العسكري في ممارسات ضد السكان، وأوضح أن نقطة تفوق الإرهابيين هي الدروع البشرية وحرصهم على الاختلاط بالسكان.
ويسعى تنظيم “أنصار بيت المقدس” للخروج من أزمته بتعزيز علاقاته بفصائل القاعدة واستيعاب خلايا مسلحة موالية ومرتبطة بالإخوان، بحيث يضمن القيام بعمليات بالوادي والدلتا تخفيف الضغط عليه بسيناء بتوسيع نطاق المواجهة على مستوى البلاد.
ويحاول التنظيم خلق مصادر إمدادات بديلة قادمة من فصائل القاعدة بالشمال الأفريقي، لذلك حرص في إصداره الأخير على تغيير اسم “ولاية سيناء” إلى “الدولة الإسلامية بمصر” كعنوان جامع لهذا التحول.
أبوأنس الأنصاري اقترح إعلان البيعة لأبي بكر البغدادي عام 2014، عندما فقد التنظيم أقوى داعميه في العمق المصري والذي كان رأس السلطة (الإخوان)، وبعدما أصبح شبه محاصر بسبب ما اتخذته السلطات المصرية من إجراءات على الأرض بقطع سبل التواصل والإمداد بينه وبين غزة.
ويحاول التنظيم مجددا استعادة علاقته بالقاعدة بالنظر للأزمات التي يمر بها داعش وجماعة الإخوان، خاصة وأن تنظيم القاعدة لا يزال له حضور بسيناء، وتشهد دول الشمال الأفريقي نشاطا ملموسا لفصائله، وهناك مؤشرات على أن التنظيم يستقبل الكثير من المقاتلين الذين سبق وأعطوا البيعة لداعش وعملوا تحت قيادة تنظيم ولاية سيناء.
وشدد القيادي الجهادي السابق نبيل نعيم في تصريح لـ”العرب” على سهولة عودة تلك الفصائل إلى جذورها، لأن الأصل لم يكن الارتباط بداعش ومبايعته إنما كان ارتباطا هيكليا ومصلحيا جمع بين القاعدة والإخوان، عندما هربت مجموعة تكفيرية من غزة إلى سيناء، وأسست أنصار بيت المقدس، قبل أن يوحد شتاتها خيرت الشاطر القيادي بجماعة الإخوان تحت قيادة أيمن الظواهري.
وما لم تحل القضية الفكرية سوف يستمر إنتاج العشرات من الرؤوس غير الأنصاري في مصر، والبغدادي في العراق، خاصة أن مكافحة الإرهاب مرتبطة بعوامل محلية وإقليمية ودولية، ويعد مصرع الأنصاري نقلة نوعية في العمليات المسلحة، التي لا تزال تحتاج توحيد جهود مواجهة الإرهاب في المنطقة.