افراسيانت - غزة -"القدس"دوت كوم - محمود أبو عواد - تتجه القيادة المصرية نحو عهد جديد في علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية خاصةً في قطاع غزة، بعد سنوات عجاف كانت القطيعة عنوانها لأسباب تتعلق بالوضع المصري الداخلي ونتيجة ظروف الانقسام الفلسطيني وتأثير ما يجري في المنطقة على واقع العلاقات الثنائية بين الفصائل من جهة ومصر ودول أخرى من جهة أخرى.
وشهدت الأسابيع الماضية حراكا مصريا ملحوظا لتحسين الأوضاع في قطاع غزة من خلال فتح معبر رفح البري بشكل أفضل من السابق، واستقبال قيادات فصائلية للبحث في الوضع الفلسطيني وما تقترحه الفصائل من مبادرات لإنهاء الانقسام وتدشين مرحلة جديدة لتجسيد الوحدة الوطنية من جديد بعد فشل جميع اللقاءات التي جرت في السنوات الأخيرة في القاهرة والدوحة.
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة في حديث لـ "القدس" دوت كوم، عن توجه مصري منذ بداية الشهر الجاري لاستضافة قيادات الفصائل بداية أو نهاية الشهر المقبل، مع إمكانية استضافتهم بداية العام المقبل، لطرح مبادرات تتعلق بالواقع الفلسطيني من خلال مؤتمر ثالث سيعقد في العين السخنة بعد مؤتمرين عقدا مؤخرا لبحث الوضع الفلسطيني مع مثقفين وكتاب وسياسيين سابقين وحاليين، بالإضافة إلى اقتصاديين ورجال أعمال لبحث ترتيبات جديدة يمكن أن تنفذ على جانبي الحدود الفلسطينية- المصرية بين قطاع غزة وسيناء.
وقالت المصادر انه تم الطلب رسميا من القيادة المصرية السماح لوفد فصائلي كبير بالمشاركة في المؤتمر الجديد الذي سيخرج بتوصيات جدية سيتم اعتمادها كورقة أولية يتم من خلالها البناء لاستضافة الكل الفلسطيني من قبل القيادة المصرية وإطلاق حوار وطني شامل.
وأشارت المصادر إلى دعوة ستوجه الى ان وفدا من حركة فتح في قطاع غزة ورام الله سيشارك في المؤتمر، الذي ينتظر نتائج المؤتمر السابع الذي تعقده حركة فتح نهاية الشهر الجاري، مبينةً أن مؤتمر العين السخنة الثالث سيناقش كافة القضايا الفلسطينية على الصعيد الداخلي والخارجي من علاقات الفصائل مع بعضها وملف الانقسام وكيفية العمل على إنهائه وتحقيق وجود حكومة وحدة تمهيدا للوصول لانتخابات ضمن توافق وطني على أن يتم رفع كل توصيات المؤتمر للقيادة المصرية التي ستدعو لحوار وطني فلسطيني بهذا الشأن.
ولفتت إلى أن عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الشامل سيكون بعد التوافق على ذلك بين القيادة المصرية وكافة الفصائل وأن ذلك قد يستغرق أسابيع بعد مؤتمر العين السخنة الثالث في حال تم التوافق على عقده بحضور الكل الفلسطيني.
وبحسب تلك المصادر فإن المسؤولين عن الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية، التقوا في الأسابيع الأخيرة مع قيادات من فصائل يسارية عدة، وكذلك مع وفد بارز من حركة الجهاد الإسلامي برئاسة الأمين العام للحركة رمضان شلح ونائبه زياد نخالة.
وأشارت المصادر إلى أن قيادة جهاز المخابرات استمعت لآراء ومواقف القيادات الفلسطينية المختلفة وخاصةً وفد حركة الجهاد الإسلامي الذي جدد خلال اللقاء طرح مبادرته التي أطلقها شلح نهاية شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي في ذكرى انطلاقة الجهاد والمكونة من 10 نقاط تدعو في بدايتها لإلغاء اتفاق أوسلو وإعادة ترتيب منظمة التحرير، وإنهاء الانقسام وإطلاق برنامج سياسي موحد، وتفعيل المقاومة بكافة أشكالها، وإعادة العلاقات مع جميع الدول العربية والإسلامية وغيرها من النقاط التي لاقت ترحيبا فلسطينيا من غالبية الفصائل.
وعقد وفد الجهاد برئاسة شلح لقاء آخر مع رئيس جهاز المخابرات المصري الوزير خالد فوزي، أطلعه خلاله على المبادرة بهدف ترتيب البيت الفلسطيني. بينما أكد الوزير حرص القيادة المصرية على إنهاء الانقسام وضرورة إعادة الوحدة ومساعدة الشعب الفلسطيني من خلال فتح معبر رفح باستمرار واتخاذ خطوات وتسهيلات إضافية للتخفيف من الحصار على غزة.
وأبدى الوزير فوزي استعداد مصر لاستضافة ورعاية حوار وطني فلسطيني بين مختلف القوى والفعاليات، للعمل على ترتيب البيت الفلسطيني، والاتفاق على برنامج وطني لمواجهة كل التحديات والاستحقاقات القائمة.
وتظهر تجليات الانفتاح المصري الجديد تجاه غزة والفصائل الفلسطينية من خلال السماح لوفود من الفصائل بمغادرة القطاع باتجاه القاهرة ودول أخرى لعقد لقاءات خارجية، كما سمح لقيادات من حركة حماس بالعودة للقطاع ومغادرة آخرين منه باتجاه دول مختلفة.
وفي إطار التسهيلات الجديدة التي تتخذ، تم فتح معبر رفح لخمسة أيام نهاية الأسبوع الماضي وسمح لآلاف المواطنين بمغادرة القطاع، وتم إدخال آلاف الأطنان من الأسمنت لصالح القطاع الخاص.
وسيغادر وفد إعلامي لأول مرة منذ سنوات قطاع غزة باتجاه القاهرة بدعوة وترتيب من رئاسة تحرير صحيفة الأهرام أكبر الصحف المصرية التي كانت "تنتهج خطا سياسيا معاديا لما كانت تقول عنه تدخلات حماس في الشأن المصري". حيث يشمل الوفد شخصيات إعلامية محسوبة على الفصائل الفلسطينية ومنها حركة حماس.
وقال الصحفي أشرف أبو الهول مدير تحرير صحيفة الأهرام أن الوفد سيصل إلى القاهرة عبر معبر رفح خلال الأسبوع الجاري وستستمر الزيارة لمدة أربعة أيام سيزور خلالها عددا من المؤسسات الإعلامية وسيشارك في ورش عمل لدعم الإعلام الفلسطيني.
إسرائيل تشدد الخناق
وبينما تجتهد مصر للتخفيف من حصار قطاع غزة المتواصل منذ عشر سنوات نتيجة السياسات الإسرائيلية التي تتبعها سلطات الاحتلال التي كانت تحتفي بالإجراءات المصرية الحدودية على القطاع من هدم للأنفاق التجارية وإغلاق لمعبر رفح قبل التغير الحاصل مؤخرا في الأسابيع الأخيرة، تواصل إسرائيل تشديد الخناق على القطاع من خلال إجراءات مكثفة في هذا الإطار.
ويبدو أن إسرائيل تنظر للخطوات المصرية الجديدة تجاه غزة بسلبية كبيرة بعد أن أبدى مسؤولون في تل أبيب تأييدهم للخطوات السابقة، ما دفع قيادة جيش الاحتلال لاتخاذ مزيد من الخطوات العقابية ضد سكان القطاع.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن الجيش الإسرائيلي سيستأنف قريبا العمل في بناء الجدار ضد أنفاق المقاومة وهجماتها بعد أن أجرت من خلال شركات مختلفة تجارب على وضعه في مناطق حدودية قريبة من مستوطنات لا تبعد عن حدود غزة سوى كيلو متر واحد.
وبحسب الصحيفة فإن ثلاث شركات تسلمت مهمة استئناف بناء الجدار بعد التجربة الأولية التي جرت، مشيرةً إلى أن التكلفة الإجمالية ستصل إلى 2.2 مليار شيكل بنسبة ستصل إلى 220 مليون شيكل لكل شركة تساهم في بنائه.
وتعتمد خطة بناء الجدار على حفره لعشرات الأمتار في عمق الأرض، ووضع جدار خرساني سيصل طوله إلى 60 كلم.
وقال المحلل السياسي والمختص في الشؤون الإسرائيلي مصطفى إبراهيم، أن القيادة العسكرية والأمنية في إسرائيل تنظر للجدار باعتباره خط دفاع جديد لمحاولة منع حفر الأنفاق الهجومية تجاه المستوطنات المحاذية للقطاع.
وأشار إلى أن هناك خلافات بسبب التكلفة العالية للجدار الجديد في ظل العجز الكبير في موازنة الجيش، لافتا إلى أن إسرائيل قد تكون حصلت على تمويل من الولايات المتحدة أو جهة أخرى ولذلك قررت استئناف بناء الجدار.
ورأى إبراهيم أن الجدار سيؤثر على أنفاق المقاومة الهجومية وحفرها باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، متوقعا أن تلجأ المقاومة إلى أساليب أخرى في مواجهة الجدار الجديد.
وبشأن الانفتاح المصري تجاه غزة والفصائل الفلسطينية، أوضح إبراهيم الذي شارك في مؤتمر عين السخنة الثاني أن هناك توجها لدى القيادة المصرية بضرورة الانفتاح على الإقليم والقضية الفلسطينية جزء مهم من الوضع الإقليمي، مشيرا إلى علاقة النظام المصري مع إيران وسوريا وغيرها من الدول في محاولة منها لاستعادة دورها الإقليمي.
وقال ان التسهيلات المصرية تأتي إدراكا من القيادة بضرورة فتح المعبر والتخفيف عن السكان بما لا يرفع المسؤولية عن إسرائيل كدولة محتلة من مسؤوليتها توفير الاحتياجات الفلسطينية، وأن هذه التسهيلات ومحاولة تجديد العلاقات مع الفصائل تأتي في إطار "حالة الغضب المصري من السلطة الفلسطينية وحركة حماس على حد سواء خاصةً وأن الحركة لم تقدم إجابات واضحة للمصريين عن بعض القضايا التي بحثت في لقاء عقد بالقاهرة بداية العام الجاري".
وأشار إلى أن التسهيلات ستشمل الاقتصاد عبر إيجاد تبادل تجاري محدود ، ودون إقامة منطقة حرة منعا لتخلي إسرائيل عن تحمل مسؤولياتها تجاه غزة.