افراسيانت - محمد الطاهر - فيما ينتظر الرياضيون الروس بفارغ الصبر قرار محكمة التحكيم الرياضية بشأن مشاركتهم في الألعاب البارأولمبية تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عما إذا كانت شبهة المنشطات عارضة أم متعمدة؟
الشك في دوافع هذه القضية مبعثه أن الإدانة بتعاطي المنشطات أخذ نسق حملة شاملة ضد رياضيي روسيا في أولمبياد ريو دي جانيرو وطال أولمبياد الصين، ولم يسلم منه حتى رياضيو روسيا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولا يمكن لنا أن نحيط بما حدث في ريو من دون أن نعود قليلا إلى الوراء كي نتمكن من رؤية جميع أبعاد المشهد وظلاله خاصة أن واشنطن تخوض حربا إعلامية واسعة مع موسكو اندلعت عام 2008 بصد موسكو هجوم جورجيا على تسخينفال عاصمة أوسيتيا الجنوبية حيث تتمركز قوة حفظ سلام روسية، ثم تصاعد التوتر بين الجانبين في أعقاب أحداث أوكرانيا وانضمام القرم إلى روسيا وبلغت ذروتها في سوريا.
وفي كل هذه المحطات والوقائع الكبرى التي دافعت فيها روسيا عن أمنها القومي ومصالحها الحيوية مثلها مثل أي دولة كبرى، رفع الغرب عقيرته متهما إياها بخرق قواعد اللعب وقوانينه فيما يشبه الاتهام بتعاطي المنشطات.
ويبدو أن الولايات المتحدة التي تعودت على التأثير وتوجيه المؤسسات الدولية بمختلف الطرق لخدمة مصالحها، تحاول الضغط على روسيا في جميع الميادين بما في ذلك الملاعب الرياضية بإشهارها سلاح المنشطات لتشويه سمعتها ومحاولة احتوائها.
وهذا النهج ليس جديدا، فقد تعودت واشنطن على مثل هذا السلوك باستخدام وسائل إعلامها الواسعة الانتشار حيث دأبت على تجريد خصومها من أي فضيلة ووصمهم بكل الرذائل، وهي ترسخ بذلك نفسها وصيا وحاكما، وتهيئ في نفس الوقت الرأي العام للقبول بعلاجاتها العنيفة بدءا من فرض العقوبات الاقتصادية وانتهاء بالغزو.
واللافت أن القائمين على هذه الحرب المنظمة لغسل العقول وبرمجتها لاستقبال وتقبل مواقف وقرارات الغرب يتفننون يوما بعد آخر في استغلال كل شيء لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك ما يبدو أنه بري ومنعزل ولا شبه له بالسياسة مثل إلصاق المنشطات بالرياضيين الروس بإصرار يدعو إلى الريبة، ولا يبدو أنه منعزل عن النهج الأمريكي العام في مواجهة الخصوم بالحط من قدرهم بأساليب غير مباشرة، من خلف الستارة للحصول على نتائج إيجابية قوية.
تفعل الولايات المتحدة ذلك لأنها نجحت على مدى عقود طويلة في فرض وتكييف آليات تساعدها على العمل في الخفاء وتوجيه المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية لخدمة مصالحها والإضرار بخصومها.
ويمكن القول إن خطر الحرب الإعلامية النفسية المبرمجة أكبر من غيره لأنه يفتح الطريق أمام حراب الولايات المتحدة وحلفائها الأخرى بما في ذلك الجيوش والأساطيل والصواريخ.
وبالمقابل، من النادر في هذه البيئة الدولية الأحادية أن يجرؤ أحد مثلا على التشكيك في أن من لفق التهم على العراق بشأن أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع القاعدة كان يتعاطى المنشطات، وأن يصف من أقدم على غزو هذا البلد وهيأه لمصيره الكارثي الكئيب بقرارات هوجاء بأنه اعتمد على قدراته الذاتية ولم ينتهك أي قانون أو عرف أو منطق.
سر مثل هذا التأثير الأحادي السلبي هو المبادرة، فمن يعرف كيف يصل إلى الرأي العام ويشحنه بما يريد، يكون دائما في الظل خاصة حين يكون قادرا على أن يكون بعيدا عن متناول القانون والمحاسبة من أي نوع.
لقد بنت الولايات المتحدة لنفسها ملجأ حصينا ضد القانون منذ أن تجرأت واستخدمت السلاح النووي مرتين ضد اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية، ثم اقنعت العالم بأنها فعلت ذلك لأجل البشرية، حتى أن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي أعلن ذات مرة أن "استبطان قنبلتي هيروشيما ونغازاكي جعل العالم أكثر أمنا".
فمن بمقدوره أيضا أن يجزم بأن من اتخذ قرارا بحرق مدينتي هيروشيما ونغازاكي بالسلاح النووي لم يكن يتعاطى المنشطات، وبأن المسؤول عن تدمير ملجأ العامرية في بغداد عام 1991، كان في كامل قواه البدنية الإنسانية؟؟
والأدهى أننا إذا تتبعنا سلسلة الغزوات الأمريكية الطويلة على مدى تاريخها، وبحثنا في حججها لغزو بلد والإطاحة بحكومة آخر، سيبدو لنا كما لو أن المنشطات المحفزة لا تخلو من وجبات أي مسؤول أمريكي أثناء اتخاذ مثل هذا النوع من القرارات الكبرى والخطيرة.