العمليات الإرهابية تعزز من دعوات تشديد الهجرة إلى أميركا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يدعمها.
افراسيانت - العرب - نسرين حلس - واشنطن - قتل ثلاثة شرطيين، الأحد، بيد مقاتل سابق على ما يبدو قيل إنه ينتمي إلى “أمة” أفريقية أميركية، وذلك بمدينة باتون روج (لويزيانا) في عملية تأتي وسط أجواء من التوتر العنصري الشديد بعد أيام على مقتل شرطيين بالرصاص في دالاس، وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وأوردت وسائل إعلام أميركية أن مطلق النار هو غافين لونغ (29 عاما) من كنساس سيتي (ميسوري)، وهو جندي سابق من مشاة البحرية حارب في العراق بين يونيو 2008 ويناير 2009، وقام العام الماضي بتغيير اسمه قانونيا إلى “كوزمو أوسار سيتيبنرا” للتأكيد على انتمائه إلى “أمة واشيتو”، وهي مجموعة من الأفارقة الأميركيين يقولون إنهم يشكلون أمة ذات سيادة على غرار السكان الأصليين في الولايات المتحدة.
وتأتي هذه الحادثة، في وقت تشهد فيه البلاد حمى حملة انتخابية لم تشهد مثيلا لها من قبل، ولترفع من درجة الحذر والقلق في صفوف المهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة، خصوصا الجالية المسلمة، التي أضحت محلّ استهداف كبير من تيار المرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب؛ والذي ذهب إلى حد الجمع بين أعمال العنف التي استجدّت على خلفية أحداث دلاس بين الشرطة وأميركيين من أصل أفريقي والعمليات الإرهابية المنسوبة إلى الإسلاميين في بوتقة واحدة، ووجهها نحو جهوده ضد المهاجرين والمتركزة على نقطة حماية البلاد من الإرهاب.
ويرى خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي للدراسات في واشنطن، أن المتغيرات المتلاحقة على الساحة المحلية والعالمية من شأنها أن تمكن ترامب من الاقتراب من الفوز، خاصة وأن الاضطرابات بسبب العمليات الإرهابية تسهم كثيرا في التأثير علي رأي الناخب الأميركي الذي يبحث عن الأمان.
37 بالمئة من الأميركيين البالغين لديهم نظرة سلبية إلى حد ما أو سلبية تماما تجاه الإسلام
وأشار جهشان إلى أن ما حدث في مدينة أورلاندوا بولاية فلوريدا، وفي مدينة نيس بفرنسا، من شأنه أن يعزز وصول ترامب إلى كرسي الحكم وقد يمكنه ذلك أيضا من الحصول على الموافقة على استصدار موافقة على قانون تبناه يدعو إلى تشديد الإجراءات أمام المهاجرين.
وكان ترامب، الذي اختار حاكم ولاية إنديانا (وسط)، مايك بنس، المعروف بمعارضته لاستقبال اللاجئين السوريين في ولايته، نائبا له في حال فاز بالرئاسة، قد صرّح في أكثر من مناسبة أنه في حال فوزه، فإنه “سيسعى إلى طرد جميع المهاجرين وخاصة العرب والمسملين” ولن يسمح لهم باللجوء والدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية. وتصاعد القلق من مثل هذه التصريحات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وخاصة مع صعود نجم التيارات القومية المتشددة، التي وجدت في العمليات الإرهابية وأعمال العنف التي شهدتها أوروبا وأميركا في الفترة الأخيرة، ورقة ضغط هامة لدعم سياستها المعادية للمهاجرين والمسلمين.
وأظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز عبر الإنترنت بالتعاون مع مؤسسة إبسوس أن 37 بالمئة من الأميركيين ينظرون إلى الإسلام بشكل سلبي. وأظهر أن 58 بالمئة ممن يتبنّون هذه النظرة السلبية هم من أنصار مؤيدي دونالد ترامب، مقابل 24 بالمئة من مؤيدي هيلاري كلينتون، وهو تفاوت يعكس بدرجة كبيرة الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين تجاه هذه القضية.
وذهب بعض المتشدّدين من داعمي ترامب إلى تأييد اقتاح خيّر نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب السابق، اجراء اختبار لجميع المسلمين في الولايات المتحدة بشأن معتقداتهم.وكان غينغريتش، الذي يعد أحد كبار مهندسي ثورة المحافظين في تسعينات القرن الماضي، قد عاد إلى واجهة المشهد السياسي من خلال دعمه لترامب، وقال بعد ساعات من اعتداء نيس لقناة فوكس نيوز “إن الحضارة الغربية في حالة حرب”، مقترحا “إخضاع كل شخص موجود هنا (في الولايات المتحدة) وله أصول مسلمة إلى اختبار. وإذا كان يؤمن بالشريعة، فيجب طرده إذ أن هذا يتعارض مع الحضارة الغربية”.
أما المحلل السياسي محمد السطوحي، فيرى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكون له تأثير كبير على قدرة ترامب في تعزيز استصدار قرار من شأنه أن يمنع قبول المهاجرين العرب والمسلمين وعدم السماح لهم بالدخول والتضييق عليهم، إلا أن اللاعب الأكبر في ذلك الموضوع هو العمليات الإرهابية التي من شأنها أن تؤثر على نتائج الانتخابات وتعطي فرصة لترامب للفوز على الرغم من الانتقادات الحادة الموجة إليه من الحزب الجمهوري نفسه والشعب الأميركي.
ويضيف السطوحي أن كلينتون، التي لطالما دافعت دوما عن المسلمين وتصدت لما قاله ترامب عنهم، بدأت مؤخرا في التصعيد من لهجتها ضد الجهاديين أو الإسلاميين لتثبت قوتها وقد استخدمت كلمة “إسلام راديكالي” لأول مرة في خطابها الموجه ضدهم بعد مذبحة أورلاندوا. ويرى السطوحي أيضا أن مذبحة دلاس لا يمكن أن تصب في مصلحة ترامب على الرغم من أن حدوثها جاء في عهد رئيس ديمقراطي هو الرئيس أوباما وسخط الأميركيين من أصل أفريقي عليه على اعتبار أنهم يرون أنه لم يفعل شيئا لصالحهم، إلا أن النقطة مازالت في صالح كلينتون.
ويضيف أن حسم الاختيار سيكون قائما على النظرة السلبية لكلا المرشحين اللذين لا يحظيان بشعبيه كبيرة في الانتخابات القادمة في نوفمبر المقبل، لذا ستكون مفارقة مهمة في حياة الأميركين، فالاختيار قائم على الأقل سوءا بين المرشحين وليس على الأفضل. وبهذا تبقى كل المتغيرات على الساحة الأميركية والعالمية لاعبا مهما في تحديد الاختيارات في الانتخابات الأميركية القادمة.
وأمام هذا الواقع الذي ينبئ بأيام صعبة قادمة يرى النائبان المسلمان في الكونغرس كيث إليسون وأندريه كارسون أن على المسلمين في الولايات المتحدة الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات، أن يعملوا على تحويل كتلتهم التصويتية إلى قوة مؤثرة، وطالبا بضرورة انخراط الجالية المسلمة بصورة أكبر في العملية السياسية ليحظوا بتمثيل أفضل؛ فالمسلمين هم الذين يتعين عليهم التصدي للتشريعات المناهضة للإسلام والتي تقترحها الولايات ومجالس المدن، وهو الأمر الذي يتطلب تواجدا سياسيا للمسلمين في المؤسسات الأميركية.