أفراسيانت - كُنّا شعراء أكثر - باسل الزين
كُنّا شعراء أكثر
يوم وُلدنا
كانت فرص الدّهشة مكتملة
ولم تكن حاجة بعد للمجاز
كان الكون أنصع من صوره في البيان
كامرأة في سرّها
لم تبلغ عتبة اشتهائها
واللغة تأتأة
أو تعثّرًا في تسمية الأشياء
يوم ولدنا
كان بكاؤنا رغبة
في تغيير خارطة التسميات
لكنّ أحدًا لم يسمعنا
وحدي أسررت بحكمتي الأولى للضوء
وخلدت إليه
كي لا أنام
كما الأطفال الّذين لا ينامون
إذ لا غوايات يستكملونها في الحلم بعد
والكون حضور طازج
كلّ ما فيه ينضح
بعبق البدايات المشتهاة
كّنا شعراء أكثر
يوم دببنا
نطوف
وقد انطوى فينا العالم الأصغر
كان ولعنا بالتّهشيم
أعمق من أن يفسر
الأطفال لا يُهشمون
الأطفال يكسرون رتابة منازلهم
الموغلة في التكرار
يرصفون فوضاهم
ويجترحون ذاكرة أخرى للأشياء
كُنا شعراء أكثر
قبل أن يبتلعنا الحرف
والكلمة
والجملة
كان العالم أوسع من دائرة اللغة
ولم نكن لنخاف من خطأ في التهجئة
فللكون تآويله الكثيرة
وكل طفل مؤوِّل
وكل طفل مصيب
لكنّ شاعرًا
لم يسأل طفلاً
عن أحجية في الجواب!
عبثًا يقول الأطفال
نحن لا نرسم مدارات للقول
نحن لا نحبو على عتبة الحقيقة
الأطفال وحدهم يفعلون ما لا يقولون!!
كنا شعراء أكثر
ونحن نحتسي كأس خمرتنا الأولى
ننفث دخان سجائرنا الأولى
نتلمس تكويرة نهد طازج
بيد مرتجفة
ونطبق شفتينا إبان قبلتنا الأولى
ونحض وسادتنا على عجل
قبيل النوم
كيما نصدق ما قاله الخيال
وهو يستعاد مُبللاً بالرؤى
ومُندسًا
كخطيئة حلوة
على شاكلة يدين
كنا شعراء أكثر
يوم لفظتنا المنازل
وصيرتنا الشوارع
مشردين كقناديلها
نرنو كما ترنو بالتباس
ونسكن كما تسكن ضوءها وفوضاها
ولا نركن إلى غدٍ
والآن آباء صرنا
هوذا ولدي
يحترف التأتأة
والتلعثم الجميل
يُهـشم كل ما تبــقى من ذاكرتي الأولى
ينسج عالمًا آخر
من تفاصيل صدئة
يمسح غبارًا قديمًا
ترسب في قاع السنين
يُذري رمادًا تراكم
فوق مسودة الأيام
نشوان بخرائب عمر أبيه
فأنّى لي أن أشاركه لعبته
وأنى لي أن أنهاه
وكلّ ما فيه يشي
بي
بأن أكونه أنا يومًا
لكن
كل ما يستعاد ليس يستعاد
وأنا أرفد الكلمات بالذكريات
كانت محطات عمر لازورديّة
في سفر عمر مبهم
أجمل ما فيه
أنّه ظلّ لا مُفسّرًا
فالعمر طائر جريح
لم يُبقِ ولم يذر
ومحطات العمر
قلوع مرصوفة في ميناء مهجور
سيعبرها الوافدون
من أبنائي يومًا
دونما رغبة في الترحال
فكل ما يستعاد ليس يستعاد
أبدًا سيبقى العمر طائرًا جريحًا
ومحطات العمر
على أشكالها تقع