*ميكيافلي: الغاية تُبرر الوسيلة، وما هو مفيد فهو ضروري.
*الانتهازية: السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف، مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين.
*لينين: الانفصال عن الانتهازية حتميّ وضروريّ، وهو طريق لا هوادة فيه ضدّ الانتهازية، بدلاً من سترها.
افراسيانت - زهير أندراوس - من نوافل القول والجزم أيضًا إنّه لا يختلف عاقلان على أنّ دولة الـ"أكثريّة اليهوديّة" تسير بخطى واثقة وآمنة نحو تبنّي سياسة الأبرتهايد، الفصل العنصريّ، وغنيٌ عن القول إنّ العنصريّة أصبحت الرياضة الوطنيّة الأكثر رواجًا وانتشارًا لدى السواد الأعظم من روافد المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ. بالمقابل: القيادة العربيّة في الداخل الفلسطينيّ مهزوزة، مأزومة ومهزومة، وغيرُ قادرةٍ على قيادة الجماهير الفلسطينيّة، وفي بعض الأحيان نخالها تُقاد من قبل الجماهير أو الحدث، على الرغم من أنّها أعجز وأوهن عن الارتقاء إلى مستوى الحدث. للأسف، نقولها بصراحةٍ متناهيةٍ: الشرذمة في الشارع الفلسطينيّ باتت سيّدة أسياد الموقف، وكتحصيل حاصلٍ فإنّها تُلقي بظلالها على المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل. بكلماتٍ أخرى: القيادة لم ترتقِ إلى مستوى الأحداث على جميع الأصعدة وفي كافة المجالات، وأصبح كلٌّ يرقص أوْ يُغنّي على ليلاه.
***
لا يوجد لدينا أدنى شك بأنّ السلطات الإسرائيليّة، منذ إقامة الدولة على أنقاض شعبنا العربيّ الفلسطينيّ، تعمل وبشكل منهجيّ وعلميّ وعمليّ على نهب الأرض وهتك العرض، وصهينة العرب في الداخل (بالمناسبة أرفض استعمال مصطلح الأسرلة)، بطرق وأساليب خبيثة، تدُل على دهاءٍ كبيرٍ، وليس ذكاءً، والفرق بين الدهاء والذكاء، هو كبعد الأرض عن السماء. من هنا فإنّ مواجهة السياسات العنصريّة، بتسميتها الحقيقيّة، تتطلّب من القيادة العربيّة، هذا إذا سلّمنا مجازًا بأنّها موجودة، الترّفع عن الخلافات الداخليّة والاجتهادات المتباينة بين مركّباتها، والارتقاء إلى مستوى التحدّي، هذا المطلوب، ولكن بين المطلوب والموجود، البعد قد يصل إلى ألف سنة ضوئيّة: المؤسف والمُشين، المُخزي والمُعيب، إنّه كلّما صعدّت دولة الاحتلال من ممارساتها الديموكتاتوريّة، ضدّنا كعرب، لمجرد كوننا عربًا، يخفت صوت نضالنا، ونكاد نكون في عداد الحاضرين الغائبين، تمامًا مثل النواب العرب في الكنيست. حالة الشرذمة التي تُميّز القيادة تنعكس سلبًا على جماهيرنا في الداخل، وبالتالي لا يستغربنّ أحدُ إذا فشلت المظاهرة أو الإضراب، أو الاثنين معًا، وعليه، تشتت وتفتت الجماهير الفلسطينيّة في إسرائيل بشكل فوضويّ، هو تعبيرٌ صارخٌ عن الأزمة التي تعصف بنا، وعندما يتمزّق الكولكتيف يتحوّل إلى ضعيفٍ ومُستباحٍ.
***
مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه: لا يختلف اثنان بأنّ الحركة الصهيونيّة هي حركة استعماريّة بامتياز، وتجتاز مطامعها التوسّعية حدود فلسطين التاريخيّة، وللتدليل على ذلك، في العام 1950 قال بن غوريون في محاضرةٍ ألقاها بالجامعة العبريّة: خريطة الوطن الإسرائيليّ، الممتد من النيل إلى الفرات، أمّا غولدا مائير فقالت عندما زارت مواقع في جنوب طابا: أشم نسيم يثرب وخيبر. من ناحيته قال موشيه دايّان، في محاضرةٍ ألقاها بجامعة حيفا بعد انتصار إسرائيل في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، قال: إذا أردتَ أنْ تبحث عن العدل فلن تجد إسرائيل، وإذا أردت أنْ تبحث عن إسرائيل فلن تجد العدل. أمّا حزب (ميرتس) اليساريّ، وفق المُعجم الإسرائيليّ-الصهيونيّ، فلا يأتي على ذكر مدينة القدس، وهل يُريد تقسيمها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكباقي الأحزاب الصهيونيّة، يرفض هذا الحزب أيضًا إعادة حتى لاجئ فلسطينيّ واحد إلى أراضي الـ48، التي تمّ تشريده منها في النكبة المنكودة عام 1948. ومن الأهميّة بمكان التشديد على أنّ هذا الحزب الـ"يساريّ" يؤمن بحلّ الدولتين لشعبين، مع إدخال تعديلات طفيفة على الحدود، وتبادل الأراضي بنسبة واحد لواحد. ولكن الأهّم من كلّ ذلك، أنّ هذا الحزب يُريد الدولة الفلسطينيّة، ليس لأنّها أعدل وأنبل قضية في العالم، بل لأنّه يرى في إقامتها مصلحة إسرائيليّة وطنيّة من الدرجة الأولى.
***
والشيء بالشيء يذكر: لا يُمكن أنْ يكون الإسرائيليّ صهيونيًا وفي الوقت عينه يساريًا... جميعهم من أقصى اليمين إلى أقصى ما يُطلق عليه اليسار الصهيونيّ هم يمين متطرّف. في العدوان الأخير على غزّة، كلّهم أيدّوا جيش الاحتلال، الذي ارتكب مجازر حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة. وبالتالي، فإنّ مقاطعة البرلمان الصهيونيّ هو الحل الأمثل لفضح هذه الدولة، التي تستغّل النواب العرب للتستّر على عنصريتها. لن نقبل بعد اليوم أن نكون ورقة التين لتغطية عورات الـ"ديموكتاتوريّة" الإسرائيليّة. أرجوكم، والكلام مُوجّه للقوائم العربيّة، لا تمتهنوا عقولنا، فشعبنا ليس غبيًّا ولن تنطلي عليه هذه الترهات، والخزعبلات والخرافات الباطلة. ثمّ أنّ الإدعاء الممجوج الذي تسوقه الأحزاب العربيّة بأنّه إذا قاطعنا الانتخابات، فإنّ اليمين واليمين المتطرّف سيزداد قوّةً، هو تبرير غير صحيح بالمرّة، لأنّه لا فرق بين جميع الأحزاب الصهيونيّة، ومن الأهمية بمكان التذكير بأنّ حزب العمل الـ"يساري"، هو الذي بدأ بالمشروع الاستيطانيّ في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وهو الذي قتلنا وجرحنا واعتقلنا في يوم الأرض الأوّل عام 1976، وهو الحزب الذي قتل شبابنا بدمٍ باردٍ في هبّة القدس والأقصى، أكتوبر الأسود عام 2000، عندما كان الـ"عُماليّ"، إيهود باراك رئيسًا للوزراء.
***
ومرّة أخرى، نُذّكّر، ويجب أنْ تنفع الذكرى، بأنّ نضالنا يجب أنْ يكون ضمن القانون الإسرائيليّ، بعيدًا عن المهاترات والتُرهات والشوشرة والمزايدة، فلنا خصوصياتنا، ومن هذا الباب، علينا أنْ نُناضل. والحديث عن برلمان عربيّ في الداخل، سيُواجه معارضة من قبل السلطات الإسرائيليّة، ولكن ما يقُضّ مضاجعنا، هو أنّ هذا الطرح ليس مقبولاً على أحزاب وفعاليّات سياسيّة واجتماعيّة ناشطة في مجتمعنا، وهذه المعارضة على الرغم من أنّها مرفوضة من وجهة نظرنا، إلا أنّه من واجب مَنْ يتبنّاها أنْ يسوق تبريراته أمام الجماهير لكي يكون لها القول الفصل في هذه المسألة. ولا بدّ من التنويه في هذه العُجالة إلى أنّ هناك العديد من الأقليّات في العالم، التي لا توجد فيها صراعات قوميّة، كما هو حالنا مع هذه الدولة، تقوم، أيْ تلك الأقليّات، بمقاطعة البرلمان.
***
وأخيرًا: أختي العربيّة، أخي العربيّ في الداخل الفلسطينيّ: لا تُحوّلوا صوتكم إلى سوطكم، وليكُن شعارنا: وحدة المقاطعة، ومُقاطعة الوحدة المزعومة بين الأحزاب العربيّة، التي لا تتعدّى كونها خطوة انتهازيّة بامتياز، والأحزاب العربيّة تعمل على إخراجها إلى حيّز التنفيذ بسبب رفع نسبة الحسم، وليس من أجل الوحدة كمطلب جماهيريّ. تذكّروا: شئنا أمْ أبينا، نحن من رحم الأمّة العربيّة انطلقنا، وإلى اللحد سننتقل، والموت حقٌ، عربًا وفلسطينيين.