“توقيع الرئيس أوباما على تشريع يحارب المقاطعة الدولية المتنامية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وللمستعمرات الاستيطانية غير الشرعية التي أقامتها في "الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل" يعني فقط دعما أميركيا سافرا للاحتلال ودولته ومستعمراتها الاستيطانية”
افراسيانت - بقلم نقولا ناصر* - حرصت البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة في الدول العربية ومنها القنصلية الأميركية العامة في القدس المحتلة على تعميم وتوزيع تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي في الأول من الشهر الجاري بخصوص رفضها "إدراج الأراضي (الفلسطينية) المحتلة (عام 1967) ضمن تشريع تنمية التجارة" الذي اعتمده الكونجرس ووقعه الرئيس باراك أوباما يوم الاثنين الماضي، كما جاء في مقدمة نص التصريح باللغتين العربية والانكليزية.
لكن التشريع الجديد الذي أقره الكونجرس ووقعه أوباما يستهدف وقف اتساع وتصاعد المقاطعة الدولية، وبخاصة الأوروبية، لدولة الاحتلال، فهو يستهدف "عدم تشجيع الأفعال المدفوعة سياسيا لمقاطعة إسرائيل أو سحب الاستثمارات منها أو فرض العقوبات عليها من جانب الدول، أو الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية، أو الوكالات التابعة للمنظمات الدولية المدفوعة سياسيا وتستهدف معاقبة أو الحد من العلاقات التجارية وتحديدا مع إسرائيل أو مع الأشخاص الذين يقومون بأعمال في إسرائيل أو في الأراضي المدارة إسرائيليا".
والفقرة الأخيرة تعني أيضا استهداف مقاطعة المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة لنهر الأردن. ومنذ يوم الاثنين الماضي أصبح توقيع أي اتفاقية للتجارة الحرة والعمل بها مع الولايات المتحدة مرتبطا بالتزام الطرف الاخر بالتشريع الأميركي الجديد.
إن عدم تضمين هذا النص في تصريح كيربي المعمم لا يترك مجالا للشك في أن الهدف من تصريحه إنما يستهدف احتواء ردود الفعل الفلسطينية والعربية الرافضة والغاضبة المتوقعة عليه ومحاولة لامتصاصها.
ونص "تشريع تنمية التجارة" الذي وقعه أوباما لا يتضمن وصف "الأراضي المحتلة" الوارد في تصريح كيربي، بل يذكرها بصفتها "الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل" أو "التي تديرها". وهذا وصف إن وضع في سياق الالتزام الأميركي المشترك مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتفاوض الفلسطيني "الثنائي" مع دولة الاحتلال للتوصل إلى تقرير مستقبل هذه الأراضي يحولها إلى أراض "متنازع عليها"، ويحوّل الاختلاف بين تصريح كيربي الذي يصفها ب"المحتلة" وبين وصف نص "تشريع تنمية التجارة" لها إلى محاولة فاشلة للتعمية على خطورة التشريع الذي وقعه أوباما وهو تشريع ملزم قانونيا.
ولن يخفف تصريح كيربي من آثاره الملموسة العملية على دعم الاحتلال ودولته، فتصريحه لا يرقى إلى مستوى التزام قانوني ملزم لكل الإدارات الأميركية ويظل عرضة للتغيير سواء خلال الفترة القصيرة المتبقية من ولاية أوباما أو خلال ولاية الإدارات اللاحقة لها.
وصدور مثل تصريح كيربي من مستوى "متحدث" باسم الخارجية الأميركية وليس ببيان رسمي صادر عن البيت الأبيض أو باسم الرئيس الأميركي أو في الأقل ببيان رسمي صادر عن وزير الخارجية يشير إلى محاولة بائسة لامتصاص ردود الفعل الفلسطينية الرافضة للتشريع الذي وقعه أوباما.
لقد ميّز تصريح كيربي بين "دولة إسرائيل" وبين "الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل" وقال إن "الخلط" بينهما "يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة المتبعة منذ مدة طويلة تجاه الأراضي المحتلة، ويشمل ذلك نشاط الاستيطان.
وهذه الإدارة ليست مختلفة. فجميع الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1967، سواء الديموقراطية منها أو الجمهورية، عارضت النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية خارج حدود 1967... وبالتالي فإنها لن تتبع سياسات أو أنشطة من شأنها إضفاء الشرعية عليها".
لكن هذا "التمييز" لا يضيف جديدا إلى "سياسة الولايات المتحدة المتبعة" منذ عام 1967 تجاه توسع الاستعمار الاستيطاني لدولة الاحتلال، فالمعارضة الأميركية له كانت حتى الآن لفظية لا قيمة عملية لها في وقفه، ما يحوّل هذه المعارضة اللفظية إلى اعتراف أمر واقع أميركي بالحقائق الاستيطانية التي خلقتها دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية بدليل إصرار الولايات المتحدة على الاستمرار في إدراج المستعمرات الاستيطانية ضمن المسائل "المتنازع عليها" التي ينبغي حلها بالتفاوض "الثنائي".
إن توقيع الرئيس أوباما على تشريع يحارب المقاطعة الدولية المتنامية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وللمستعمرات الاستيطانية التي أقامتها في "الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل" يعني فقط دعما أميركيا سافرا للاحتلال ودولته ومستعمراتها الاستيطانية ما يحوّل تصريح كيربي إلى مجرد لغو كلام أميركي لا معنى له على أرض الواقع ويجعل منه محاولة مكشوفة لخداع الرأي العام في فلسطين.
لقد وصف عضو مجلس النواب في الكونجرس بيتر روسكام صدور التشريع الجديد وتوقيع أوباما له بأنه "معلم تاريخي في الكفاح ضد أعداء إسرائيل" الذين يعملون من أجل "شيطنة الدولة اليهودية وعزلها" دوليا، مضيفا أن "قانون البلاد" الجديد "سوف يرغم شركات مثل شركة أورانج العملاقة للاتصالات ... للتفكير مرتين قبل شن حرب اقتصادية ضد إسرائيل"، وكانت "أورانج" قد تراجعت عن نيتها فك شراكتها مع شركة اتصالات تعمل في المستعمرات الاستيطانية وهي سوف تجد في التشريع الأميركي الجديد ذريعة إضافية لاستمرار العمل في هذه المستعمرات عبر شريك من دولة الاحتلال.
وكان الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ قد أقر النص السابق "بالاجماع" في نيسان-ابريل الماضي، ووقعه أوباما من دون تغيير، لكنه يملك صلاحيات استثنائية لتعليق تنفيذه ينوي استخدامها كما يشير تصريح كيربي، ليتحول تعليق التنفيذ إلى سيف مسلط ضاغط على الموقف الفلسطيني مثله مثل التشريع الذي أقره الكونجرس بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة ويجدد الرئيس الأميركي تعليق تنفيذه مرة كل ستة أشهر.
لقد كان تشريع أميركي سابق قد أجهض المقاطعة العربية لدولة الاحتلال بفرض عقوبات على الشركات الأميركية والدولية التي تخضع لأحكامها، ليتحول "مكتب مقاطعة إسرائيل" العربي إلى عنوان منسي، ويأتي "تشريع تنمية التجارة" الأميركي الجديد ليبدأ حملة دولية تشنها الولايات المتحدة ضد حملة مقاطعة دولية رسمية وشعبية متصاعدة ومتسعة ضد الاحتلال ومستعمراته الاستيطانية وممارساته العنصرية وعدوانيته العسكرية والحصار الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني وبخاصة في قطاع غزة. ولأنها حملة تتصاعد وتتسع داخل الولايات المتحدة ذاتها لتشمل كنائسها وجامعاتها ومنظماتها المهنية والنقابية، فإنه لن يمضي وقت طويل قبل أن ينضج الوعي الدولي الذي يتبنى هذه الحملة ليدرك بأن الولايات المتحدة مسؤولة بقدر دولة الاحتلال وشريكة لها في انتهاكاتها للقانون الدولي والإنساني.
صحيح أن تصريح كيربي يعطي إشارة أميركية بحرية مقاطعة المستعمرات الاستيطانية، وفي ذلك دعم ظاهري لحملة المقاطعة لدولة الاحتلال، وصحيح أن المتعلقين بأذيال الولايات المتحدة من عرب فلسطين وغيرها سوف يعدّونه موقفا ايجابيا ويأملون في أن تضعه الإدارات الأميركية موضع التنفيذ، لكن دولة الاحتلال هي أكبر المستعمرات الاستيطانية التي فرضت على عرب فلسطين بالقوة القاهرة والتطهير العرقي، واستمرار الدعم الأوروبي والأميركي لها يشجعها على العدوان والاستيطان والتوسع العسكري والتطهير العرقي.
فبنيامين نتنياهو رئيس وزراء "دولة إسرائيل" التي تختار الولايات المتحدة "العلمانية" دعمها داخل "حدود 1967" يعمل على إعلانها دولة دينية بإصدار "قانون أساسي" دستوري لها يستند إلى "التلمود" ويعلنها "دولة قومية للشعب اليهودي" كما أعلن في مؤتمر حزبه الليكود في أيار-مايو قبل الماضي، ورئيسها رؤوفين ريفلين يجهر علنا بأنه يسعى إلى حل الدولة "الإسرائيلية" الواحدة، لا حل الدولتين الذي تعلن الولايات المتحدة التزامها به، يكون فيها "الجميع متساوون بين النهر (الأردن) وبين البحر" الأبيض المتوسط !
* كاتب عربي من فلسطين
* عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.