افراسيانت -(Made in America).. خاتم حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على بصمه على كل الصناعات الخاصة بها، وكان أبرزها خلال السنوات الماضية صناعة من نوع مختلف، فهي ليست صناعة سيارات أو إلكترونيات أو صناعة أسلحة أو أقمار صناعية، وإنما صناعة مختلفة غزت بها الشعوب، وحرَّكت فيها أنظمة، وسرقت بها أموالاً وثروات، وهي صناعة التخويف الذي يعد إحدى الصناعات الأمريكية بامتياز، ولعل ترجمة لهذه الصناعة، كانت فزاعة "الإسلاموفوبيا"، وفزاعة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وفزاعة صدام حسين، ومثلث الشر.
وطبقًا للعديد من الدراسات فإن هناك أربعة أسباب أساسية، تقف وراء المحركات والخطط الأمريكية في إثارتها للرعب من عناصر بعينها في العالم، وبحثها الدائم عن عدة لها؛ أولها الحفاظ على التفاف الحلفاء حولها، استمرارًا لزعامتها، كما أن فرع الصناعات العسكرية الأمريكية يعد ضاغطًا أساسيًّا على قيادات أمريكا؛ ما يدفعهم إلى إبقائه ناشطًا، لما يحققه من أرباح على حساب أرواح ودماء الشعوب، إلى جانب السبب المهم، وهو السطو على ثروات الشعوب.
ولذلك تظهر دولة الشر كالمنقذ من الشر لكل الدول التي ترى أنها في حاجة إليها، فلم تتأخر الولايات الأمريكية في تصنيع عدو بديل للعدو الشيوعي، فأوجدت نظرية صدام الحضارات، وحوَّلت الكيانات الحضارية، إلى كيانات دينية، وبعد تهيئة الساحة السياسية في العالم بدأت تزعم أن الخطر القادم على أمريكا والعالم الديمقراطي يتمثل في الإسلام، ومن هنا انتشرت ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، والتوجس والخوف الشديدين من الإسلاميين.
ومن الفزاعات التي عملت عليها بجد طوال الفترة الماضية، الفزاعة الإيرانية، ومحاولة جرّ دول الخليج إلى التورط في حرب مع إيران، نيابة عن الأمريكان؛ من خلال تضخيم الخطر الإيراني على أمن دول الخليج، وذلك لتتمكن من كسب المزيد من صفقات بيع الأسلحة لعرب الخليج، وفي نفس الوقت التخلص من إيران كعدو أرهقها بدعم الانتفاضة الفلسطينية وحزب الله وحركة حماس وسوريا. النظام السابق
لم تدخر الإدارة الأمريكية جهدًا في إقناع العالم بإنتاج العراق أيضًا للسلاح النووي، والخطر الذي يكمن في شخص (صدام حسين) على الأمن الأمريكي وأمن العالم كاملاً، وبالطبع صحب ذلك الكثير من مبررات المدافع عن الديمقراطية لحجج؛ للوصول إلى غزو العراق، واحتلالها لأكثر من 7 سنوات، منذ أول جندي أمريكي دخلها في 2003م ، وبعدما عاثوا في العراق فسادًا اعترفوا بخلوها من الأسلحة النووية!!.
فالولايات المتحدة منذ قيامها لا يمكن أن تعيش في سلام، بل قامت على القمع والاستيلاء على ثروات ومنافع الغير، بدءًا من (الهنود الحمر) أصحاب القارة الأصليين، وحتى الآن مرورًا بالفزاعة الكبرى عالميًّا (الإسلاميين) وكل ما يتعلق بهم، متخذة من نفسها المحارب ضد الإرهاب في العالم، وعلى الرغم من عدم ثبوت صحة أي مما تقوم أمريكا وما تدعيه من فزاعات فإنها ما زالت تسيطر على طائفة كبيرة من العالم بتلك الأفكار، ويتبعها فيها الكثير من الدول الكبرى.
الدكتور محمد صفار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، يحلل هذه الصناعة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بقلق شديد على مصالحها في الشرق الأوسط مؤخرًا؛ بسبب الثورات التي أطاحت بالنظم الاستبدادية في العالم العربي، خاصة النظم المناوئة لهم.
ويرى أن أمريكا تقوم كل فترة بإشعال حدث بذاته، بهدف العودة إلى قلب الأحداث في العالم مرة أخرى، وفي كل مرة تستخدم نفس الثنائيات التي تثير القلق والفزع، كالفوضى والاستقرار، والديمقراطية والاستبداد، والإرهاب والأمان، هذا بجانب إثارة عدد من ردود الأفعال المختلفة في المنطقة العربية؛ للالتفاف على الثورات العربية وضربها، بإشاعة استمرار وجود الفوضى والإرهاب.
ويوضِّح أن الولايات المتحدة تستخدم أساليب وطرقًا مختلفة في كل مرة لتحقيق مصالحها، فتقدم بعض الأولويات وتؤخِّر بعضها وفقًا لحاجتها ومصالحها، كاستخدام القوات على الأرض في بعض البلدان، وفي مواقف أخرى لترسيخ قوتها وسلطاتها السياسية بشكل معنوي؛ للتأكيد على تبعية النظم العربية لها في كل مرة، تارة باستخدام القوة المفرطة، وتارة من خلال القوة الناعمة.
ويبيِّن الدكتور سليمان صالح، أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم جيدًا معادلة نجاح الدول الكبرى، فالاستقرار الداخلي للدولة يساوي وجود عدو خارجي، فهذه المعادلة تنتج في الاستقرار الداخلي، من خلال التركيز على المشكلات الخارجية، وزيادة الطاقة المبذولة من الأفراد داخل الدولة.
ويكمل: "لذلك وجهت أمريكا شعبها والشعوب الغربية إلى عداء الاتحاد السوفيتي لسنوات طويلة؛ لكن عندما سقط الاتحاد السوفيتي في التسعينيات من القرن الماضي، عكفت المراكز والمعاهد البحثية والاستخبارات الأمريكية في البحث عن عدو جديد للولايات المتحدة الأمريكية؛ كي لا يتظاهر الشعب ضد الإدارة الأمريكية، مطالبًا بتحسين أحواله المعيشية، وإنهاء الأزمات الاقتصادية في الداخل"، مرجعًا إلى تلك الأسباب اختيار الولايات المتحدة الإسلام كعدو لها، وتخويف المجتمع الأمريكي من الخطر الأخضر.
ويشرح قائلاً: "لم يكن هناك أي مبررات لدخول أمريكا في حرب الخليج الأولى؛ لكنها استخدمت الإعلام لتبرير دخول تلك الحرب"، مضيفًا: "وكذلك كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تشير الأدلة التي رصدها العديد من الكتاب والمحللين الأمريكان إلى أنها حادثة مفتعلة، إلى جانب معرفة المخابرات الأمريكية بها، وتركها تمر للترويج لغزو أفغانستان ومن بعده العراق التي استمرت حتى عام 2011م".
ويصف (الإسلاموفوبيا) بأنه "لعب بالنار"، سيشعل الكثير من الحروب الضارية في المستقبل، مشيرًا إلى أن أكثر ما يثير رعب الغرب هو القدرة الفائقة للإسلام على تقديم مشروعات حضارية، ولهذا فهو يشن حروبًا ضد الإسلام وليس الإرهاب، مدللاً على ذلك بمهاجمة الولايات المتحدة للحركات الإسلامية المعتدلة التي تبتعد عن العنف تمامًا؛ نظرًا لأن اقتناع الشعوب بها سيؤدي إلى انقلابهم على الإدارة الأمريكية الرأسمالية، كما سيثير السخط عليها؛ بسبب الحروب في أفغانستان والعراق.
ويعدِّد فرض السيطرة الأمريكية على ثروات البلاد الأخرى، إلى جانب منابع البترول في العالم كله، كأهم الأهداف الأمريكية من إثارة الفزع من الدول العربية والإسلامية، مؤكدًا أن تلك الفزاعات فرضت عن طريق وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن الإعلام نجح في نقل أفكاره؛ نظرًا لسيطرة أمريكا على منظومة الإعلام والثقافة العالمية، ولا بد من مواجهتها بنفس الأسلوب، عن طريق تقديم وتعريف العالم بالصورة الصحيحة عن الإسلام.
ويقول: إننا الآن في مرحلة حرب الأفكار.
يقول الفريق أحمد صلاح عبد الحليم، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق، إن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن مثل تلك الأحداث، كاغتيال بن لادن، لا يأتي بدون أسباب ومصالح خفية كما هي عادة الأمريكان، قائلاً إنه حتى الآن ما زال هناك العديد من الحوادث التاريخية الغامضة، نظرًا لوقوف المخابرات الأمريكية خلفها؛ ما أحدث الكثير من الجدل والبلبلة في تلك القضايا، وبالتالي يستحيل حلها، كحادثة 11 سبتمبر التي لم يثبت تورط القاعدة فيها حتى الآن.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة لا تتخذ أي خطوات من غير وجود مصالح مباشرة لها، كالجريمة التي قام بها جورج بوش في احتلاله للعراق، بحجة امتلاك العراق للسلاح النووي، على الرغم من أن الهدف الحقيقي هو الاستيلاء على البترول في تلك الدول.
ويؤكد أن الهدف النهائي لإقامة الفزاعات من الجهة الأمريكية، هو أن يضع الأمريكان أقدامهم في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط؛ لتقسيمها إلى دويلات وولايات صغيرة على أسس عرقية ودينية، كما نجحت في تقسيم العراق إلى سنة وشيعة، وما حدث من انقسام وفصل لجنوب السودان، والمجهول الذي قد تنتهي إليه ليبيا، بالتدخل العسكري لقوات تحالف الناتو، معتبرًا ما يحدث تحقيقًا لكتاب "شيمون بيريز" (الشرق الأوسط الجديد).
ويضيف أن الأسلوب المتبع في نشر تلك الفزاعات هو استقطاب أجهزة وأنظمة دول أخرى، على أن يكون لها مصالح سياسية مشتركة، فالسياسة مباح بها كل الأمور، ولا أخلاقيات فيها.
ويرى أن العرب يمكنهم مواجهة تلك المحاولات، من خلال التخطيط المعاكس لكل ما تقوم الولايات المتحدة من سياسات تفريقية، مع إثبات أن تلك الادعاءات غير الصحيحة، وإظهار الحقيقة، قائلاً: "على العرب أن يبدءوا بالتخطيط المسبق لمستقبلهم، وألا ينتظروا الخطط الأمريكية أولاً للتفكير في مواجهة خطرها.
يفرق الدكتور عماد جاد، رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز (الأهرام) للدراسات السياسية والإستراتيجية، بين الأخطار الحقيقية وبين طريقة استغلال الولايات المتحدة الأمريكية للأحداث الخارجية وتضخيمها لمصالحها الخاصة، مشيرًا إلى ما حدث من استغلال لهجمات 11 سبتمبر للهجوم على أفغانستان واحتلالها ، وبعدها إلصاق التهم لصدام حسين، والربط بينه وبين تنظيم القاعدة؛ للدخول إلى العراق.
ويؤكد أن تلك الأفعال تكون في الأساس لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية وحدها، ضاربًا المثل بتنظيم القاعدة، معتبرًا أنه صناعة أمريكية من البداية، بالاشتراك مع (مصر والسعودية وباكستان)، مبينًا أن أمريكا تستغني عن أتباعها، وتحاول التخلص منهم بعدما توظفهم لمصالحها.
ويقول إن عددًا من الدول تعاون الولايات المتحدة في تنفيذ مخططاتها، وفقًا للمصالح الخاصة بكل دولة، وحتى تضمن بقاء أمريكا وحمايتها لها، كأكبر كقوة عظمى مسيطرة في العالم.
ماذا عن ايران ؟
منذ أن انتفض الشعب الإيراني وثار على نظام الشاه (محمد رضا بهلوي) الذي كان فعلا يقوم بدور الشرطي الذي وظفته الولايات المتحدة في الخليج، وقام بدل نظامه -الذي له جذور تمتد قرونا طويلة- نظام "الجمهورية الإسلامية" أو نظام "ولاية الفقيه"، والحرب مستعرة، تشتد أحيانا وتخبو أخرى، وتأخذ شكل الحرب بالوكالة غالبا، ولها شكل مباشر يظل غالبا تحت الأرض أو بعيدا عن أعين الإعلام في أغلب التفصيلات.
أما الحقيقة المؤكدة، فهي أن إيران في عرف النظام الدولي الذي قام على انتصارات القوى الغربية وحلفائها في حروب وصراعات طويلة في العصر الحديث، تعد "دولة مارقة"، وفرضوا عليها حصارا وعقوبات لا يمكن اعتبارها "تمثيليات"!
وإيران -بإعلانها موقفا حاسما يتسم بالحدّة والمفاصلة تجاه "الكيان العبري"- زادت من رصيد العداء لها في المنظومة الغربية، خاصة عند الأميركان، وصمود النظام الإيراني طوال هذه الفترة يعتبر شيئا مثيرا للإعجاب، بغض النظر عن رأينا في هذا النظام، أو تحفظنا على سياسات أو مواقف تصدر عنه.
فأن ترفض سياسات إيرانية معينة أو تتوجس خيفة من توجهات إيران شيء أو مسألة يجب فصلها تماما عن كون إيران بالفعل عدوا حقيقيا للأميركان وعدوا مبينا لإسرائيل.
إيران تخوض حربا سيبرانية شرسة مؤخرا مع إسرائيل، وإسرائيل نفذت عمليات اغتيال ضد علماء إيرانيين في مجال الطاقة النووية، والأهم أن إيران قدمت -وما زالت- دعما لمنظمات وقوى وفصائل وأفراد ضربوا ويضربون إسرائيل ضربات مؤلمة، وإسرائيل لا تجعل أمنها محل حسابات سياسية، أو مشاهد تمثيلية، إطلاقا، وحاليا ربما إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتعامل مع إسرائيل بهذه الطريقة.
هذه حقيقية يجب ألا ينكرها أحد، بسبب رفضه لسياسات إيران، أو حتى لكراهيته لها أو للعرق واللغة الفارسية أو للشيعة برمتهم.
فخ محكم نصبه الأميركان والصهاينة، فأول وأهم خسارة هي تحول بعض الجمهور العربي إلى بغض وكراهية تجاه إيران، واقتناعهم بأن لها مشروعا قوميا (فارسيا) وطائفيا (شيعيا) يستهدف كينونتهم، وبالتالي هو خطر عليهم قبل كل خطر، لا سيما أنهم -بمن في ذلك مجموعات شيعية- يرون أن إيران تجلب لهم الفقر والبطالة وتراجع الخدمات، حيثما كان لها نفوذ.
المكونات الأصيلة يجب أن تتحد
العرب والفرس والكرد والترك وغيرهم هم أهل هذه المنطقة، ومهما كانت الضغائن بينهم، فإنهم عبر قرون طويلة عمروا هذه المنطقة، وأسهموا في تاريخها وحضارتها، والأصل أن يتحدوا في وجه من هو عدو مبين لهم، قام كيانه على تجميع شذاذ الآفاق في بقعة مقدسة من ديارهم.
وهو يناصبهم العداء جميعا، نعم إسرائيل عدو لإيران حقيقة لا تمثيلا، وعدو للعرب جميعا، وتسعى إلى استعبادهم وإخضاعهم جميعا، عبر أساليب عدة منها ضرب بعضهم ببعض.
ترمب وسياسة التخويف
اليمن وامريكا
كان سر اندفاع إدارة المجرم ترمب لخوض حرب شاملة ضد اليمن دفاعا عن الكيان الصهيوني اللقيط، يكمن في وعد قيادة هذا الكيان لترمب بأنهم سيضغطون على اللوبي الصهيوني المتحكم في السياسة الأمريكية لتعديل الدستور الأمريكي بحيث يسمح لترمب بخوض الانتخابات القادمة عام 2028م للحصول على ولاية رئاسية ثالثة.
يكفي اليمن فخراً، ممثلا في قيادته الثورية الحكيمة وقواته المسلحة الشجاعة بمختلف أفرعها، أنه أسقط هيبة أمريكا وكسرها إلى الأبد، وأثبت من خلال تحديه ومواجهته للغطرسة الأمريكية والدخول معها في حرب مباشرة دفاعا عن اليمن وسيادته وعن الحق العربي الفلسطيني، بأن أي شعب مهما كان ضعيفا إذا ما تحرر من عقدة الخوف وأمتلك إرادته الوطنية الحرة قادر على مواجهة أية قوة تعتدي عليه والتصدي لها بل والانتصار عليها.
وهذا ما جعل إدارة المجرم ترمب تصب جُم غضبها على اليمن حيث تقوم قواتها بقصف الأحياء السكنية في صنعاء المحروسة وعدد من المحافظات خاصة محافظة صعدة، فتقتل المدنيين الذين جلهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وتدمر الأعيان المدنية ثم تُعلن في بياناتها العسكرية للشعب الأمريكي وللعالم أنها قامت باستهداف معسكرات من تسميهم الحوثيين وأنها قتلت الصف الأول من قياداتهم ودمرت مخازن الصواريخ وو...الخ، متفاخرة بأنها قد قضت على قوات الحوثيين تماما كما كان يفعل ناطق تحالف العدوان احمد عسيري في بياناته العسكرية مع بداية شن العدوان على اليمن عام 2015م الذي دخل عامه الحادي عشر قبل أيام قليلة.
لكن الغريب والعجيب في حماس إدارة المجرم ترمب واستماتتها في الدفاع عن "إسرائيل"، بل ولتصبح وكيلة عنها ومستعدة أن ترتكب أفظع الجرائم من أجل عيون الكيان الصهيوني والدفاع عن قادته المجرمين، قد يقودنا إلى البحث عن معرفة السبب والتوقف أمام هذا الإصرار الأمريكي العجيب لخوض معارك جانبية تخفيفاً عن الجيش الصهيوني ومساندة له وفي نفس الوقت تبريرا لجرائمه وكأن ما يقوم به من قتل وتدمير وحصار وتهجير لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والاعتداء على جنوب لبنان وسوريا هو دفاع عن نفسه وأنه مظلوم ومعتدى عليه، بينما سر اندفاع إدارة المجرم ترمب لخوض حرب شاملة ضد اليمن دفاعا عن هذا الكيان اللقيط يكمن في وعد قيادة هذا الكيان لترمب بأنهم سيضغطون على اللوبي الصهيوني المتحكم في السياسة الأمريكية لتعديل الدستور الأمريكي بحيث يسمح لترمب بخوض الانتخابات القادمة عام 2028م للحصول على ولاية رئاسية ثالثة لحكم أمريكا والتحكم في مصير العالم الخاضع لأمريكا والخائف منها من خلال عنجهيته وغطرسته والتي يمارسها حالياً في الأشهر الأولى من تسلمه لولايته الثانية لأنه وجد من لم يعترض على تصرفاته ولا يوجد من يقول له "لا".
وقد علقت فرنسا على هذه التصرفات بعد فرضه (ترمب) رسوما جمركية تستهدف الاقتصاد العالمي ككل، ولا تستهدف بلدا بعينه بالقول : أن ترمب يتصرف وكأنه سيد العالم، ولا يستبعد أن تكون هذه التصرفات الجوفاء بداية لتحول ترمب إلى غورباتشوف آخر فيتم على يديه تفكيك أمريكا وما يؤسف له أن الحكام في العالم العربي قد أصبحوا جميعهم وبدون استثناء ما عدا اليمن يدينون لهذا الطاغية ترمب بالولاء والطاعة ومستعدون أن ينفذوا له كل توجيهاته.
وأكبر برهان لهذا الخضوع المهين، أن من قابلهم ترمب من الحكام العرب في البيت الأبيض أو تواصل معهم تلفونيا، لم يكن أيا منهم يجرؤ على أن يناقشه أو يعترض على ما كان يمليه عليهم، فظهروا متبلدين أمامه مثل القطة المخنوقة، بينما رئيس أوكرانيا عندما استقبله ترمب في البيت الأبيض وكان معه نائبه ورغم الضغوط التي مورست عليه على الهواء مباشرة بهدف إحباطه وتخويفه، لكنه تماسك ورفع صوته مدافعا عن نفسه وعن قضيته بصوت مرتفع.بغض النظر عن الموقف الاوكراني الملتحق تماما للتبعية الاطلسية.
وعليه وانطلاقا من الخوف والرعب الذي زرعته أمريكا وخاصة إدارة ترمب في قلوب ونفوس الحكام العرب وكأنه بالنسبة لهم "إله يجب أن يعبد" والعياذ بالله، لا يمكن للعرب في ظل وضعهم الحالي أن تقوم لهم قائمة ولا يمكن لهم أيضا أن يمتلكوا شجاعة الاعتراض على ما يقوم به القادة الصهاينة بضوء أخضر أمريكي، من إجرام لم يشهد له التاريخ مثيلا في حق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ حيث لم يكتف الجيش الصهيوني بالقتل اليومي والتدمير المُمنهج وإنما فرض على أبناء القطاع حصارا خانقا حيث تم إقفال المعابر ولم يسمح بإدخال أية مساعدات انسانية عبرها بهدف أن يموت سكان غزة جوعاً وعطشاً وهذا ما هو حادث مُنذ أكثر من اشهر.
وعندما قام اليمن بعملية إسناد للشعب الفلسطيني في غزة من خلال استئناف منع الملاحة الصهيونية في البحرين العربي والأحمر وقصف يافا المسماة اسرائيليا تل أبيب بالصواريخ الفرط صوتية عقب توجيه مهلة أربعة أيام للكيان الصهيوني لرفع الحصار وإيقاف العدوان والالتزام بما تم الاتفاق عليه عبر الوسطاء بمن فيهم أمريكا، ولم يستجب القادة الصهاينة لهذه المهلة فاستمر اليمن في إسناده لقطاع غزة بعد أن تخلى عنه العرب والمسلمون وواجه العدوان على غزة صمت دولي مريب، قامت إدارة ترمب بالتصدي للموقف اليمني وخالفت القوانين الأمريكية التي لا تسمح لأي إدارة أمريكية بشن حرب على دولة أخرى إلا بموافقة الكونغرس، فشنت الحرب على اليمن بحجة الدفاع عن الملاحة الدولية التي لم تتعرض لأي أذى من قبل اليمن.
علينا التوقف امام القرار الامريكي وهو التوقف عن مهاجمة اليمن باتفاق تم في مسقط بينما تغض النظر عن قصف اليمن للكيان الصهيونيوان ذلك لم يات من فراغ وانما نتبجة لموقف اليمن الصلب والخسائر التي تكبدتها البحرية الامريكية باعتراف العديد من الضباط الامريكيين .
لقد واجه هذا العدوان الأمريكي على اليمن دفاعا عن "اسرائيل"، نقدا حادا في الداخل الأمريكي؛ فقد صرح مسؤولون أمريكيون بأن هذا العدوان محسوب على دافع الضرائب في أمريكا ومخالفاً لقوانينها، بينما الحقيقة المُغيبة التي قد لا يعرفها هؤلاء المنتقدون هي بأن بعض الدول العربية من تكفلت بدفع تكلفة العدوان على اليمن وهو ما جعل إدارة ترمب تواصل عدوانها الذي يزداد شدة بتجاهل تام للانتقادات التي تعترض عليه، لأنها تعرف أن الممول لعدوانها خارجي , ولذلك لن يترتب عليه أي تبعات تؤثر على إدارة المجرم ترمب داخلياً وكذلك لن يحاسب ترمب على ما قام به من أجل عيون إسرائيل التي وعدته بولاية ثالثة لحكم أمريكا في مقابل أن يتحول إلى عبد طائع لها يحقق لها كل أهدافها في فلسطين والشرق الأوسط وربما يتحقق لها ذلك بفضل خنوع بعض العرب وإذلالهم حيث يعتقدون بأن تحركهم للاعتراض فقط على تصرفاته وليس بالدخول في عمليات إسناد للشعب الفلسطيني في غزة سيطيح بكراسيهم ويحرمهم عروشهم التي يتحكمون من خلالها بشعوبهم فأذلوها تماما وجعلوها لا ترى إلا ما يراه لها حكامها مستمدين قوتهم عليها من قوة فرعون الذي انتهى به الحال إلى الغرق.
وهو ما جعل هذه الشعوب عاجزة حتى عن الخروج إلى الشارع في مظاهرة نصرة لفلسطين وتنديدا لما يحدث لأبنائها في غزة من قتل وخراب ودمار وذلك أضعف الإيمان.
ومن هنا، نؤكد أن اللوم بالدرجة الأولى، لما يحدث من انهزام وذلة، يقع على بعض العرب الخانعين وليس على قادة الكيان الصهيوني المستقوين عليهم الذين وجدوا أمامهم الميدان مفتوحا من جهاته الأربع يسرحون فيه ويمرحون ويعملون فيه ما يشاءون والعرب والمسلمون يتفرجون على اعتداءاتهم وكأنهم يشاهدون مباراة بين فريقي كرة قدم ويصفقون للفريق الفائز.