الغرب وازدواجية المعايير

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - كيف يمكن لواشنطن ان تدين العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا وهي تمول الألة العسكرية الاسرائيلية ؟


كيف يمكن انتقاد حقوق الانسان في ايران والصين وتتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني ؟


بهذه العبارات يخاطب السيناتور الامريكي بيرني ساندرز حكومته ومجلس الكونغرس الذي لا يلقي لهذه الكلمات بالا وهي تضيع في صدى الكذب والافتراء على الشعوب عبر الادعاء بان امريكا هي الوصي والراعي لحقوق الانسان .


كيف يمكن تفسير الازدواجية الغربية في الخطاب الرسمي بين ثنائية الانتصار للقيم الإنسانية في الحرية والعدالة والمساواة والانصياع لرواية الاحتلال الصهيوني مثلا ورفض التهم المتعلقة بالإبادة الجماعية كما فعلت ألمانيا؟ وهل يخشى الغرب حقاً أن تتكشف صورة الاحتلال كمجرم حرب أم أنه يخشى تداعيات هذه الصورة في المخيال الجمعي للإنسانية، فتعود واحة الديمقراطية والتقدمالعلمي في الشرق المتخلف إلى حقيقتها كمشروعٍ صهيوني مجرم... وأداة وظيفية في المنطقة؟


كيف يمكن ادانة روسيا وهي التي تواجه مؤامرة الاطلسي وتدافع عن امنها القومي فيما يضخ الغرب الاطلسي المال واسلاح لاوكرانيا الغارقة بالفساد والممثلة عبر غبائها للمنظومة الغربية بكل تجلياتها؟


ورغم ان معركة الرأي العام وحتى في دول الغرب قد حُسِمَت لمصلحة المقاومة الفلسطينية أو تكاد... وسقوط السردية الإسرائيلية وانكشاف عري الخطاب الإعلامي الغربي بعد أسبوع واحد من معركة طوفان الأقصى الذي جاء كنتيجةٍ منطقية لتطور أدوات الإعلام الشعبي والرسمي لمحور المقاومة، واستجابة لحالة الإغراق البصري التي مارسها الناشطون على امتداد جغرافيا وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وثقت بالصوت والصورة استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية ومرافق الأمم المتحدة والمستشفيات والمدارس.


ما تجلى من قدرة على تظهير صور الإبادة الجماعية وإعادة إنتاجها وتكثيف محتواها شكل صدمة للرأي العام الغربي، ولكن ومن جهة أخرى، فإن صورة المقاوم بلباسه المدني وقدرته على الصمود وتحقيق المنجزات العسكرية شكل عاملاً إضافياً وحاسماً في تثبيت صورة النضالات التاريخية لأصحاب الأرض، وساعد على استحضار القضية الفلسطينية على مستوى الرأي العام الغربي بعد عقود من التخلي والغياب، ومهد لصعود العديد من التناقضات البنيوية في الخطاب الإنساني الغربي، سواء على مستوى التساؤل عن أسباب استثنائية كيان الاحتلال تاريخياً أو من خلال حجم الرياء والنفاق والازدواجية في الخطابين الإعلامي والسياسي.


وبات السؤال الأكثر إلحاحاً على مستوى الرأي العام الغربي: كيف يمكن فهم ما قامت به المقاومة الفلسطينية خارج سياق الرواية الصهيونية، وخارج القوالب الجاهزة للإعلام الغربي؟


 الغرب الرسمي الذي أجاد إنتاج نظام دولي على مقاسه ويقول بانه أحاطه بالقوانين الدولية والقيم الإنسانية، شعر ولأول مرة بأن كل هذه الأدوات الوظيفية للسيطرة والتفوق والهيمنة سقطت بالضربة القاضية، بعد ما تكشف من عجز قياداته السياسية على تسويق جرائم الحرب الإسرائيلية، وأن حجم الألم في مخاض انتزاع الحرية في فلسطين قد يدفع المزيد من الأوروبيين إلى شق عصا الطاعة، تتنازعهم بعض الحوامل الإنسانية... والكثير من القلق الوجودي على أفكار الليبرالية الأوروبية واحترام الحرية وسيادة القانون، وبالتالي كان لا بد من إعادة هيكلة الخطاب السياسي الغربي والخضوع بشكل مؤقت لتبدلات الرأي العام، ولكن بنفاق مدروس لا يتعدى صفة الكلمات الاعلامية ؟


إذاً، هل يقف الغرب الرسمي مجبراً خارج محدداته الأخلاقية التي لطالما تشدق بها ليدافع عن وجود بات في مهب الريح وخشية ما تبدى من هجرة عكسية لمزدوجي الجنسية في كيان الاحتلال أم ليستعيد بعضاً من صلاحية منتجه الفاسد الذي أعلنَ عنه في 14 أيار/مايو 1948، وكخطوةٍ استباقية لمزيد من تبدلات الرأي العام، أم أن الإنسانية في عرف هذا الغرب تخضع لازدواجية التفوقِ، وهي مصطلح لا يتجاوز في مقصوديتهِ حدود القارة العجوز؟


قبل أيامٍ، قامت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي بزيارة إلى أوكرانيا استغرقت يومين، تباحثت خلالها مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي بشأن تشكيل تحالفٍ دوليٍّ مناهضٍ لروسيا، يهدف إلى إجبارها على إعادة أطفال أوكرانيين مختطفين لديها في انتهاك للقانون الدولي العام، بحسب تصريحات المسؤولة الكندية.  


وقد سبق للمدّعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية أن أصدر مذكّرة اعتقال في حقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة اختطاف أطفال أوكرانيين من عائلاتهم، وإلحاقهم بِأُسَرٍ روسية في روسيا من أجل التبنّي، وهي التهمة التي لا تستند الى اي اساس وترفضها موسكو جملة وتفصيلاً.


وإذا كانت مرامي هذه الحملة الجديدة من طرف الغرب تهدف فقط إلى شيطنة روسيا أمام الرأي العام الدولي وإظهارها بمظهر مجرم حرب، فإنها تكشف في الوقت نفسه نفاق الغرب، وازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية للعالم الإسلامي والعربي، خصوصاً أمام ما يجري من تقتيل ممنهج لأطفال قطاع غزة على يد "جيش" الإجرام الصهيوني، بالرغم من أن القانون الدولي العام وما يتفرّع عنه من قوانين أخرى كالقانون الدولي الإنساني تجرّم هذه الفظاعات.


والأصل في قواعد القانون الدولي العام وفروعه كأيّ قوانين أخرى هي عامة ومجرّدة، لا يمكن الاتفاق على مخالفتها وعلى الجميع الامتثال لها والعمل بمقتضاها، بمعنى أنها تسري على الكل من دون تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين.


وفي هذا الاتجاه أفرد القانون الدولي الإنساني العديد من النصوص المتعلقة بحماية الأطفال خلال النزاعات المسلحة بموجبها ضمنت لهم العديد من الحقوق بصفتهم غير مشاركين في الأعمال القتالية، من خلال اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، خصوصاً في موادّها 24 و32 و77 و137 وكذلك بالنسبة للبروتوكولين الإضافيّين لعام 1977، من دون نسيان القرار الأممي 1882 الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي في العام 2009.


ومع ذلك، يصرّ الغرب على ضرب هذه المواثيق الدولية عرض الحائط وتجاهلها، بالتماهي مع الجرائم الصهيونية في حقّ الأطفال الفلسطينيين وتبنّي رواية الاحتلال الإسرائيلي بنفي الانتهاكات التي قام بها الأخير، ومباركتها في أحيان كثيرة بدعوى الدفاع عن النفس، رغم ورود العديد من التقارير الدولية مثل المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى قيام جنود الاحتلال باختطاف الأطفال الفلسطينيين من المستشفيات بقطاع غزة، ونقلهم قسراً إلى الكيان الصهيوني بالادعاء أنهم من الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، ربما في محاولة بائسة لمقايضتهم بِأَسْرَاهُمْ لدى حركة حماس، ناهيك عن قتل الأطفال الخُدَّجْ في المستشفيات التي تعتبر من الأعيان المدنية، وبالتالي يحظر قصفها بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي.


أما بخصوص عدد الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا بنيران قوات الاحتلال الصهيوني منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى المباركة في 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى الآن، فقد بلغت 11500 شهيد تتراوح أعمارهم بين أقلّ من سنة و17 سنة، وفق مقال نشرته صحيفة هآرتس الصهيونية للكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي.


والسؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا لم تستصدر المحكمة الجنائية الدولية قراراً باعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وكلّ من شارك في هذه الجرائم في حقّ الأطفال الغزاويين؟


عوّدنا العالم الغربي الذي طالما رفع لنا شعاراته التي تتعلق بالقيم الإنسانية الكونية والعدالة وحقوق الإنسان والحرية والمساواة أنه هو نفسه ينتهكها، ويوظّفها بما يخدم مصالحه فقط، وينظر إليها بمنظارين مختلفين كلما تعلّق الأمر بجرائم الكيان الصهيوني، وهذا يدلّ على درجة الانحطاط الأخلاقي والإنساني الذي وصل إليه في تعاطيه مع قضايا العالم الإسلامي والعربي، ونتذكّر كيف شاهد العالم تصريحات مسؤوليه  وإعلاميّيه عن اللاجئين الأوكرانيين بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مقارنة بمن سبقوهم من اللاجئين السوريين والعراقيين. في مقاربة تنمّ عن عنصرية ونفاق مقيتين تجعل من العرق الأبيض يسمو على بقية الأعراق الأخرى.


مهما حاول الغرب التستّر عن الجرائم الصهيونية وحماية مرتكبيها من المحاسبة الدولية، سيظل التاريخ لاعناً وشاهداً على نفاق الغرب وفظاعات الصهاينة في حقّ الأطفال الفلسطينيين، والتاريخ لا يرحم.

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology