مالدوفيا : الخاصرة الروسية التي تؤرق امريكا

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - عندما ترسل الشمس شعاعها الأول على مباني المدينة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، تكون العائلات قد احتشدت بالفعل خلف الحواجز الحديدية، وتكاد الفرحة تقفز من أعينهم في هذا اليوم الدافئ على غير العادة. وقد يشي مظهرهم بأنهم يستعدون لزفاف ملكي.


لكن في ترانسنيستريا (التي تُنطق أيضا ترانس-دنيستر)، ذلك الإقليم الصغير الذي يشغل مساحة 400 كيلومتر على الحدود الفاصلة بين مولدوفا وأوكرانيا، يعد عيد الاستقلال من أهم الاحتفالات التي ينتظرها المواطنون من العام إلى العام، حتى لو كانت هذه الدولة الأوروبية الشرقية، التي كانت تسمى سابقا "جمهورية بريدنستروفيه المولدافية"، غير معترف بها رسميا.


ومع أن ترانسنيستريا أعلنت استقلالها عن مولدوفا في عام 1990، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أنها لم تنل اعترافا رسميا من أي دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهذا ما يجعلها مكانا فريدا من نوعه.


ويغلب على عاصمتها، تيراسبول، التي تبعد 70 كيلومترا عن العاصمة المولدافية كيشيناو، الطابع السوفيتي، إلى درجة أنها كثيرا ما توصف بأنها حبيسة الإرث السوفيتي، الذي يجسده تمثال لينين الضخم أمام مبنى البرلمان المبني على الطراز المعماري السوفيتي، وشوارعها التي تحمل أسماء أقطاب الشيوعية.


ولم يكن مستغربا أن يحمل العرض العسكري، الذي أقيم احتفالا بالذكري التاسعة والعشرين لاستقلال ترانسنيستريا، أيضا سمات الحقبة السوفيتية، بدءا من الحركات التي أداها الجنود في الحفل،ووصولا إلى السيارات العسكرية من الحقبة السوفيتية التي يطل منها قائدو الجيش ويؤدون التحية العسكرية للجنود.


رغم أن ترانسنيستريا غير معترف بها رسميا، إلا أن هذا البلد الأوروبي له حكومته الخاصة وعملته الوطنية وجواز سفر مستقل


لكن جواز سفر ترانسنيستريا لا قيمة له فعليا بالنسبة لسكانها، البالغ عددهم 500 ألف نسمة، كونه غير معترف به سوى في أبخازيا وناغورنو كرباخ، وأوسيتيا الجنوبية، وكلها أقاليم متنازع عليها، ولا يمكن الوصول إليها مباشرة. ولهذا يحمل معظم سكانها جنسيتين أو ثلاث، مثل الروسية والمولدافية والأوكرانية.


ومنذ أن أعلنت استقلالها قبل 30 عاما، تراجع عدد سكان العاصمة تيراسبول بمقدار الثلث على الأقل، وأجبر أغلب سكانها على المغادرة بحثا عن فرص عمل في روسيا، إثر تضاؤل الآفاق الاقتصادية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.


ولكن رغم مشقة الحياة في هذه الجمهورية، التي يتقاضى سكانها أجورا زهيدة أقل من معدلات الأجور في مولدوفا (التي تعد أفقر الدول الأوروبية)، إلا أنني اكتشفتُ أن الكثير من أهلها راضون عن حياتهم.


ويقول أندري سمولينسكي، مؤسس شركة "ترانسنيستريا للرحلات السياحية": "ننعم بطقس جيد ولدينا وفرة في المنتجات المحلية كالخضروات والفاكهة، وتتلقى ترانسنيستريا دعما من الخارج". ويلمّح سمولينسكي إلى المساعدات التي تتلقاها ترانسنيستريا من روسيا التي تبني فيها مستشفيات ومدارس وتمدها بالطاقة وتموّل معاشات مواطنيها.


وينقسم سكان ترانسنيستريا إلى ثلاث مجموعات عرقية متساوية حجما، لكن اللغة الروسية هي الأكثر تداولا بين السكان. ويرفرف على مباني المدينة العلم الروسي إلى جانب علم ترانسنيستريا- وهو الوحيد في العالم الذي لا يزال يحمل المطرقة والمنجل.


ويقول أناتولي ديرون، المشرف الأكاديمي بكلية الدراسات السياسية بالعاصمة تيراسبول، إن مواطني ترانسنيستريا يعدون أنفسهم جزءا من الفضاء الثقافي الروسي، ناهيك عن أن روسيا هي الضامن للسلام في ترانسنيستريا.


ورغم أن القوات الروسية تشارك في قوات حفظ السلام مع قوات من مولدوفا وترانسنيستريا، إلا أن وجود القوات العاملة الروسية، التي يبلغ قوامها 1,500 جندي في ترانسنيستريا، أصبح مصدر إزعاج للمسؤولين في الغرب على السواء.


غير أن القوات الروسية، بوجودها في ترانسنيستريا، تحظى بتأييد حكومة ترانسنيستريا الموالية لروسيا، التي ترى أن القوات الروسية هي دعامة الاستقرار والأمن في البلاد.


وقد يرجع ذلك إلى العثرات التي واجهتها ترانسنيستريا في طريقها نحو الاستقلال. ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تنامت المشاعر القومية في جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفيتية، التي تسمى الآن بجمهورية مولدوفا، إلى حد قض مضاجع الأقليات الإثنية الناطقة بالروسية في ترانسنيستريا، التي كانت آنذاك جزءا من مولدوفا.


ثم كان قرار حظر التحدث باللغة الروسية كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ودفع ترانسنيستريا إلى إعلان استقلالها عن مولدوفا لحماية إرثها الثقافي، لتصبح جمهورية بريدنستروفيه المولدافية السوفيتية الاشتراكية في سبتمبر/أيلول 1990.


وتصاعدت حدة التوتر بين مولدوفا وترانسنيستريا، وتحولت إلى صراع عسكري في مارس/آذار عام 1992 أودى بحياة 1000 شخص على الأقل، حتى أُعلن وقف إطلاق النار في يوليو/تموز من العام نفسه. وباستثناء بعض الخروقات الطفيفة لوقف إطلاق النار، فإن ترانسنيستريا تنعم بالسلام منذ ذلك الحين.


يقول ديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي  إن طلبا قُدّم إلى موسكو من قبل مقيمين بمنطقة ترانسدنيستريا يطالبون فيه بالانضمام إلى روسيا.


وتسعى ترانسدنيستريا -التي انفصلت عن مولدوفا عام 1990- إلى الانضمام إلى روسيا، مما يفزع الغرب الغرب بعد ان نقلت وكالة رويترز عن روغوزين قوله في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن الوفد الروسي أحضر معه وهو عائد مناشدة للسلطات الروسية من جانب ترانسدنيستريا "بشأن الانضمام إلى روسيا"، مشيرا إلى أن  هذه المناشدة وعلى الرغم من "أهميتها رمزية وليست ذات سمة قانونية ولكنها باتت مهمة بالنسبة لنا الآن".


بعد شهرين من انطلاق الحرب الاطلسية الروسية ، صرَّح قائد المنطقة العسكرية الوسطى في روسيا، رستم مينكاييف، بأن لدى الكرملين خططاً للعبور إلى ترانسنيستريا شمالي مولدوفا، كجزء من استراتيجية لإنشاء ممر بري إلى شبه جزيرة القرم التي اعادها الروس في 2014.


وحسب وكالة الأنباء الروسية "تاس"، قال ميناكييف خلال اجتماع لصناعة الدفاع في منطقة سفيردلوفسك الروسية: "السيطرة على جنوب أوكرانيا هي طريق آخر إلى ترانسنيستريا، حيث حقائق تشير إلى اضطهاد السكان الناطقين بالروسية". وأضاف أن بلاده في حرب "ضد العالم" وأنه حتى "لو لم نكن نحن من بدأها، فنحن الذين سنهيها".


وترى روسيا أن دخول الإقليم امتداد لخطتها بالسيطرة على الشريط الساحلي لأوكرانيا، كما دعم السكان هناك ذوي الأغلبية الروسية، كما كبح انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي بعد تقديم طلب رسمي بذلك شهر مارس/ آذار الماضي. غير أن هذه الخطوة قد توسع دائرة الحرب، وتهدد بتحويلها إلى حرب عالمية مع احتمال كبير لدخول الناتو والاتحاد الأوروبي على خط المواجهة.


أعلنت ترانسنيستريا انفصالها عن مولدوفا بعيد استقلال البلاد عن الاتحاد السوفييتي، كونها عكس باقي التراب المولدوفي فالإقليم الواقع شمالي البلاد أغلبية سكانه من الروس والأوكرانيين. وعلى غرار ما حدث سابقاً في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيتين ويحدث في الدونباس الأوكراني، تبرر روسيا طموحها في ترانسنيستريا بالدفاع عن الأقلية الروسية التي تعاني الاضطهاد حسب زعمها.


بالمقابل، يعود الوجود العسكري الروسي في ترانسنيستريا إلى سنة 1992، حيث وضعت موسكو هناك ما يقدر بـ 1500 من جنودها كـ "قوات حفظ السلام". هذا وبحسب شبكة "دويتش فيله" الألمانية، رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف التعليق على ما إذا كانت روسيا قد حددت أهدافاً إضافية في ترانسنيستريا، كما رفض التعليق على الطريقة التي ترى بها موسكو المستقبل السياسي لجنوب أوكرانيا.


وتعد ترانسنيستريا نقطة خلافية كبيرة بين موسكو وكيشيناو، وسبق للحكومة المولدوفية أن عارضت الوجود العسكري الروسي، وطالبت رئيسة البلاد، مايا ساندو، بجلائه في أكثر من مرة منذ توليها مقاليد الحكم سنة 2020. كما اعتبر الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ، في تصريح له أن: "روسيا تنتهك وحدة أراضي مولدوفا بوجود قواتها في ترانسنيستريا".


وأثار حضور السفير الروسي في ديسمبر/كانون الثاني الماضي حفل تنصيب رئيس الجمهورية في ترانسنيستريا امتعاض مولدوفا، التي ردت في بيان لخارجيتها قالت فيه: "تعد الانتخابات الرئاسية المزعومة في منطقة ترانسنيستريا غير شرعية ومنافية لأسس مولدوفا الدستورية. وزارة الخارجية والتكامل الأوروبي تنظر إلى مشاركة رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية في مثل هذه الأعمال على أنها خطوة غير ودية".


خطوة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ترى فيها روسيا دخول دول الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى الاتحاد الأوروبي تهديداً لأمنها القومي.


لكن الامر الاكثر اهمية هي ان الولايات المتحدة الامريكية ترى ان مالدوفيا يمكن ان تكون ركيزة اضافية لتمكين الغرب الذي يحشد كل ما يملك من قوة لاستخدام اراضيها في الحرب ضد روسيا لكن ذلك لم يتحقق حتى الان وهذا لا يعني ان امريكا ستكف عن تحريض مالدوفيا للانضمام الى الغرب ضد روسيا .

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology