افراسيانت - مَن رأى زيلينسكي وهو يقابل قادة العالم لا بد أنه شعر بالإحباط لأن البشرية وصلت إلى هذه المرحلة من الإسفاف فالرجل لا يصلح سوى لأداء دور كومبارس يقول كلمة ثم يمشي.
لم تعمل أوروبا قبل نشوب الحرب في أوكرانيا على منع وقوع تلك الحرب. لم تغلق روسيا أمامها أبواب الوساطة غير أن كل الوساطات التي قام بها زعماء أوروبيون كانت قائمة على أساس فرض الحل الأوكراني على روسيا، وهو ما جعل الرئيس بوتين يدرك أن ما يفعله الأوروبيون هو عبارة عن سرقة للوقت وأن موقفهم من الصراع كان قد حُسم ضد بلاده، وأن الحرب هي الخيار الوحيد لحل أزمة لن تتم مواجهتها بعقول سياسية محايدة تراعي مصالح الطرفين المختلفين.
كان هناك خوف أوروبي من روسيا. وهو خوف أشاعته الولايات المتحدة باعتبارها قائدة للمعسكر الغربي الذي لا يزال يُقيم في أجواء الحرب الباردة التي انتهت واقعيا من غير أن تنتهي نظريا. ذلك لأن النظرة الأوروبية إلى روسيا في حال استعادتها لقوتها لم تتغير. وهو ما يسلط الضوء على عقدة روسيا المتمكنة من العقل السياسي الغربي بغض النظر عمّا كانت روسيا شيوعية أو لم تكن كذلك. لقد اتضح بما لا يقبل الشك أن روسيا القوية هي أصل العقدة وليست الشيوعية.
ولو نظرنا إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية في بريطانيا على سبيل المثال نجد أن أغلب خبراء الاقتصاد يؤكدون أن مشاركة بريطانيا في الحرب الأوكرانية هي من أهم أسباب عجز الحكومة عن القيام بإجراء إصلاحات اقتصادية في مواجهة الإضرابات المستمرة التي تشل بين حين وآخر عمل المؤسسات الحكومية. غير أن الحكومة التي قد تسقط بين لحظة وأخرى بسبب الضغوط الشعبية لا تجد أن في وسعها أن تتخلى عن الخطط المرسومة سلفا لدعم أوكرانيا في حرب لن تنتصر فيها.
ليست حكومات أوروبا على استعداد لطيّ صفحة الحرب والبحث مع روسيا عن حلول بديلة. وكأنها في ذلك قد خضعت بشكل نهائي لخطة إنهاك روسيا من خلال هذه الحرب العبثية وهي الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة معرضة أمن أوروبا للخطر. ولأن الحرب، وقد غدت روسية – أوروبية، لا تنهك روسيا وحدها، بل وأيضا دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فيمكن توقع حدوث المزيد في الانهيارات الاقتصادية في أوروبا التي لم تتعاف بعد من تداعيات جائحة كورونا، أما بالنسبة إلى بريطانيا فإن خروجها من الاتحاد الأوروبي “بريكست” قد شكل سببا ثالثا من أسباب ترديها الاقتصادي.
كان هناك خوف أوروبي من روسيا. وهو خوف أشاعته الولايات المتحدة باعتبارها قائدة للمعسكر الغربي الذي لا يزال يُقيم في أجواء الحرب الباردة.
المؤسف في الأمر أن تلك الحرب التي تجري بالوكالة يدفع ثمنها الأوكرانيون. فهم تحت القصف الروسي وحدهم. وإن خرجوا من الحرب فإن خروجهم الآمن لن يعوضهم عما فقدوه. الشعب الأوكراني فإنه سيخرج مهزوما في كل الأحوال. ولا أحد من المصفقين لزيلينسكي بمن فيهم تشارلز الثالث ملك بريطانيا الذي استقبل زيلينسكي في بلاطه سيُعنى بمصير عشرة ملايين مشرد أوكراني. ناهيك عمّا تتركه الحرب من آثار لا يمكن للإعمار أن يصل إليها. الأوروبيون الذين صاروا يتحسسون جيوبهم لا يفكرون في شعب أوكرانيا، بل يفكرون في غدهم الذي سيزداد فيه سعر طبق البيض.
مَن رأى زيلينسكي وهو يقابل قادة العالم لا بد أنه شعر بالإحباط لأن البشرية وصلت إلى هذه المرحلة من الإسفاف. فالرجل وهو ممثل فكاهي لم ينجح في أداء دور الزعيم العسكري الذي يقود بلاده في حرب شرسة ضد دولة كبرى معروفة بجنونها وعنادها هي روسيا. لا يصلح زيلينسكي سوى لأداء دور ثانوي، كومبارس قد يقول كلمة أو يمر صامتا في فيلم هو من إنتاج هوليوود. أما كان ذلك أكبر أحلامه؟
ما لم يكن يليق بأوروبا أن تسقط في الفخ الأميركي الذي أفقدها الكثير من توازنها وأفقد مواطنيها شعورا بأن تكون قارتهم قوة اقتصادية ثالثة تتوسط عملاقي الاقتصاد العالمي، الولايات المتحدة والصين. فبعد سقوط الشيوعية لم تعد روسيا تشكل خطرا على الليبرالية الأوروبية، بل كان من الممكن أن تكون جزءا من خيار المستقبل الأوروبي. وهو ما كانت الولايات المتحدة تنظر إليه بقلق شديد ونجحت من خلال حرب أوكرانيا في أن تضع له نهاية مؤلمة.
من المؤكد أن تجربة الحرب في أوكرانيا ستشكل منعطفا خطيرا في التاريخ السياسي لأوروبا وقد ينعكس ذلك سلبا على اتحادها. ربما ذلك ما تتمناه بريطانيا، ولكنها الدولة الأكثر تضررا من تلك الحرب. غير أن ما هو مؤكد أيضا أن أوروبا ستكتشف خطأ انجرارها وراء الولايات المتحدة لكن بعد فوات الأوان.