افراسيانت - امتلأت أوروبا قادة صغارا كان من اليسير على الولايات المتحدة تحويلهم إلى أدوات في الحرب على روسيا، فبدلا من أن يكونوا حياديين ليكون حوارهم مع بوتين إيجابيا كانوا معادين، وهو ما فهمه بوتين.
أزمة بعثرت أوراق أوروبا
ما إن باشرت روسيا حملتها العسكرية في أوكرانيا حتى بدأت حفلة العقوبات الأميركية ولحقت بها الحفلة الأوروبية. أوروبا التي سمحت لأميركا باستضعافها تخلت عن قيمها الأخلاقية في السياسة وانخرطت في العويل على اللاجئين الأوكرانيين وفي الوقت نفسه صارت تصدر الأسلحة إلى أوكرانيا.
ما يحدث حول أوكرانيا هو عبارة عن حفلة تفاهة.
سيدفع العالم ثمن تلك الحفلة. أوروبا ستكون في مقدمة الخاسرين. ذلك لأنها دفعت بنفسها إلى أن تكون جبهة في حرب لا غاية شريفة ولا هدف عادلا لها، كما أن عليها أن تحتضن ملايين جديدة من اللاجئين الذين ستضمهم إلى سجل إنسانيتها المشكوك فيها أصلا.
لقد سبق لأوروبا أن وهبت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثلاثة مليارات يورو من أجل أن يحتفظ باللاجئين السوريين ولا يلقي بهم في البحر وهو يعرف أن الكثيرين منهم لن يصلوا.
كل الضجيج الذي يحيط بمسيرة الشتات الأوكراني غير ضروري لو أن أوروبا بذلت جهدا صادقا في احتواء الأزمة الأوكرانية وسعت إلى تفهم مخاوف روسيا من تسليح أوكرانيا من خلال ضمها إلى حلف الناتو لتكون في مقدمة الجبهة المعادية.
ألم تكن وساطة السلام أقل تكلفة من حفلة الكراهية التي انتشرت مراسيمها بين مختلف بقاع الأرض ولم يكن الهدف منها دفع الضرر عن أوكرانيا وشعبها بل إلحاق الأذى بروسيا قدر المستطاع؟ وليس مهما ولا هو في الحسبان أن يغادر الأوكرانيون بيوتهم ويعيشوا في ضيافة شعب فقير هو الشعب البولندي الذي ستنهال على حكومته المساعدات الأميركية والعالمية مقابل أن تستعد لما هو أسوأ. سيكون عليها أن توهم العالم كله بأن بلادها ستكون الفريسة الثانية التي سيلتهمها الوحش الروسي.
كذبة قادت إلى أخرى ليتم من خلالها نسف القيم الأخلاقية العالمية. لقد جُردت البشرية من إنسانيتها بالتدريج. يمكن الحديث عن نوع من التعرية التي تعرض لها الإنسان وهو يكدح من أجل الحفاظ على أسبابه في البقاء. بسبب تلك الأكاذيب لا يسأل وإن بحث فإنه سيجد الأجوبة جاهزة أمامه. لقد سبقته الأجهزة الإعلامية حين خلقت ثقافة هي عبارة عن ركام من الحقائق الزائفة التي صارت بمثابة رصيد معلوماتي لعامة الشعوب حول الأرض.
حفلة التفاهة تطوق العالم من كل جوانبه.
ليست العقوبات على روسيا كالعقوبات على العراق أو إيران. كان العراق بلدا مسكينا وضعته الولايات المتحدة تحت مطرقتها فيما كانت إيران بلدا فتحت أمامه الولايات المتحدة سبل الهروب من مواجهة العقوبات. غير أن روسيا دولة عظمى. وهي دولة نووية. الضغط عليها لا يبشر بخير. فالعراق وإيران واجها العقوبات. أما روسيا فإنها لن تفعل ذلك.
سيكون نوعا من السخرية لو اعتقدنا أن أوروبا التي يُفترض أنها أكثر فهما لروسيا من أميركا لم تكن على بينة من أمرها حين قررت الاستجابة للتنويم المغناطيسي الأميركي وصار مزاجها أميركيا في مواجهة الأزمة الأوكرانية. فإذا كانت الإدارة الأميركية ترغب في إحراج الزعامة الروسية من خلال دفعها إلى اجتياح أوكرانيا فإن أوروبا لا تملك مصلحة حقيقية في أن يحترق وسطها بنار ليس من المستبعد أن تمتد إلى أماكن أخرى.
كان من الممكن القول إن أوروبا ليست كأميركا لو أن أوروبا احتفظت بقيمها الأخلاقية. غير أن الأمور كلها كما يبدو ذهبت إلى الحضيض. فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني هو نموذج لزعماء أوروبا الشعبويين الذين يعكس انتخابهم مزاجا شعبيا رخيصا. لقد امتلأت أوروبا قادة صغارا كان من اليسير على الولايات المتحدة تحويلهم إلى أدوات في الحرب على روسيا. فبدلا من أن يكونوا حياديين ليكون حوارهم مع فلاديمير بوتين إيجابيا كانوا معادين، وهو ما فهمه بوتين. لم تنطلق إشارة الحرب من موسكو بل من أوروبا.
لم ينسحب بوتين من حفلة التفاهة إلا بعد أن قرر الغرب إيقاف الحوار. ليس لأن أوروبا تعبت، بل لأن الولايات المتحدة كانت قد قررت توقيتا للحرب لا يمكن التغاضي عنه. لقد عرف بوتين أن كل ما تقوم به أوروبا هو عبث وهي لا تملك أية رغبة في أن لا تذهب أوكرانيا وشعبها إلى العدم.