افراسيانت - وسيم ابراهيم - السفير - كانت الخيبة واضحة على وجوه بعض المسؤولين الأوروبيين، وهم يقرّون الآن بحصار الإحباطات السورية. أخطأت الرهانات والحسابات الأوروبية على إسقاط رأس السلطة، كما أن روسيا استطاعت فرض نفوذها وموقعها في مستقبل سوريا. بات بعضهم يكشف أن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان وزراء أوروبيون لا يكفون عن إعلان حتمية رحيله المسبق، بات شريكاً مفروضاً على الأقل لإطلاق التسوية السورية. سيشاركهم طاولات مؤتمرات الحل السياسي، سيتعاملون معه لصياغة المرحلة الانتقالية، كما سيشاهدونه يخطب على مشارف أولى الحملات الانتخابية لصياغة «سوريا المستقبل».
بعض ملامح تلك الخلاصات كانت حاضرة، حتى في التصريحات العلنية لعدد من وزراء الخارجية الأوروبيين. قالوا أشياء بهذا الصدد خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ، بعدما شغلت مداولات الملف السوري الجانب الأبرز فيه. بعد جولة النقاش تلك، خرج ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، في خارجية دولة أوروبية، ليقول إن كلمات البيان المشتركة القوية، إدانة واشتراطات، لا تلغي أنه «كان هنالك انقسام بين الوزراء حول كيفية صياغة الموقف من دور الأسد، الأمر محرج طبعاً للبعض، لأننا نعرف أن الأمور تغيّرت».
الديبلوماسي المخضرم كشف في حديث لـ «السفير» أن الأوروبيين يتصرفون على أساس أنه «تم التوصل إلى تفاهم مشترك الآن بين روسيا والولايات المتحدة على أن الأسد سيبقى في السلطة الآن، سيكون حاضراً في بداية العملية الانتقالية»، قبل أن يضيف «بتنا نعرف أنه سيكون موجوداً في كل المؤتمرات التي ستنطلق معها العملية الانتقالية، سيكون حاضراً أيضاً في الانتخابات (النيابية)، لكن في مرحلة لاحقة يجب أن يغادر».
مع ذلك، أشار المصدر إلى أن موسكو تمتنع عن الالتزام بحتمية استبعاد الرئيس السوري. قال بنبرة متأففة «إنهم لا يقبلون بذلك الآن، لقد صاروا موجودين في سوريا، ويريدون تقوية الأسد لأقصى حد ممكن، ربما يريدون إعطاءنا درساً عبر طريقتهم في إنجاز الأمور»، قبل أن يوضح أنه «لو لم يحسوا أن الأسد كان على وشك السقوط، ما كانوا ليتدخلوا».
الديبلوماسي المخضرم لا يخفي اعتراضه على طريقة إدارة الملف السوري. قال إن العواصم الأوروبية «باتت تلهث الآن لضمان دور مؤثر في التسوية السورية، حينما تنضج ظروف إطلاقها، وللحاق بتفاهمات واشنطن وموسكو». في هذا السياق اعتبر أن «المشكلة لدينا أننا نتحرك متأخرين كثيراً»، لافتاً إلى أن هذه السلبية «جعلتنا الآن أمام ضرورة الإسراع لتبني موقف مشترك قوي، كي يمكننا من لعب دور مؤثر في التسوية».
ورغم ترديد عبارات الإدانة والشجب لأفعال «نظام الأسد»، تجنب البيان الأوروبي المشترك، بوضوح، الحديث عن مستقبل الرئيس السوري. تجنّب تكرار ما اعتادته البيانات السابقة، حينما رفعت لسنوات لافتة «لا مستقبل للأسد». بصياغة مخاتلة، تتفادى الإفصاح، اعتبر وزراء الخارجية أنه «لا يمكن أن يكون هنالك سلام في سوريا في ظل القيادة الحالية، وحتى تتم معالجة المظالم والتطلعات المشروعة لجميع مكوّنات المجتمع السوري».
التفاهمات التي تحدث عنها الديبلوماسي الأوروبي أمكن رؤية مساقط لها، منها ما ورد على لسان من اعتمدوا لهجة خصومة شديدة حيال دمشق. وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قال إن بلاده مستعدة للتعامل الآن تعاملاً «مرناً» مع الأسد. اعتبر أنه «لا يمكننا العمل مع الأسد كحل طويل الأمد لمستقبل سوريا، (لكن) يمكن أن نكون مرنين حول طريقة مغادرته أو حول توقيت مغادرته»، محاججاً بكلمات بدت اعتراضاً على منطق موسكو «إذا حاولنا العمل مع الأسد، فإننا فقط سنقود المعارضة إلى أحضان داعش، وهذا تماماً ضد النتيجة التي نريد».
سبق لواشنطن أن تحدثت عن أن المباحثات مع روسيا تتقدم حول «خطوات ممكنة» لإطلاق العملية الانتقالية، لكن مع لفت الانتباه إلى استمرار الخلاف حول «النتيجة النهائية» المطلوب أن تفرزها تلك العملية. في السياق ذاته، سبق لمصادر أوروبية أن قالت لـ «السفير» إن جوهر الخلافات بين واشنطن وموسكو لم يعد حول أن «الأسد يجب أن يرحل»، بل حول «الجدول الزمني لدور الأسد» في أي مرحلة انتقالية.
الإقرار بالتراجع عن المطالبة باستبعاد الأسد الاستباقي، أورده بكلمات أدق وزير الخارجية الاسباني مانويل غارسيا مارغالو، مع تكرار عدم قبوله في أفق المدى الطويل. قال إنه «من العاجل بدء المفاوضات، وهذا ممكن فقط إذا كان لدينا على الطاولة حكومة الأسد»، معتبراً أن «الأسد نفسه لا يمكنه أن يكون جزءاً من الحل». مدريد تريد أن تتموضع، برأي وزيرها، «في صف الوسطاء»، لأن «موقعنا يجب أن يكون في ما بين الأعداء».
إلغاء اشتراط «الرحيل» المسبق، بات «مفروضاً بحكم التدخل الروسي»، كما يقول مسؤول أوروبي رفيع المستوى كان يمثل دولته على طاولة الاجتماع الوزاري الأوروبي. قال خلال حديث مع «السفير» إن روسيا «للأسف نجحت في فرض هذا كواقع سياسي»، قبل أن يضيف «لقد فرضوا أنفسهم الآن كلاعب لا يمكن تجاوز مصالحه خلال صياغة أي حل ممكن». المسؤول الأوروبي اعتبر أن موسكو تكرر، بشكل ما، «المنطق» ذاته الذي تدخلت عبره في الأزمة الأوكرانية لضمان وزن حلفائها الانفصاليين، مشدداً على أن «روسيا تختار مجدداً استخدام تكتيك استخدام القوة العسكرية مباشرة. إنهم ببساطة يضعون قواتهم، ويقولون نحن هنا لصياغة الحلول السياسية».
الأوربيون يعترفون علناً بأن التدخل الروسي غيّر مجرى الصراع السوري. حينما سألت «السفير» وزيرة خارجية الاتحاد، فيديريكا موغريني، حول تأثير التدخل الروسي، ردت بالقول «إنه بالتأكيد يغيّر قواعد اللعبة»، قبل أن تضيف «جميعنا لدينا أرضية مشتركة هي قرار مجلس الأمن وإطار الأمم المتحدة، لا بد من التنسيق (حولهما)، وإلا فإن المخاطرة ستكون كبيرة جداً، ليس فقط من وجهة النظر السياسية، بل أيضاً وأساساً من وجهة النظر العسكرية».
تلك الفحوى كانت حاضرة في الموقف الأوروبي الذي حمله البيان المشترك. اعتبر الوزراء أن «التصعيد العسكري» بعد التدخل الروسي «يهدد بإطالة أمد الصراع، وتقويض العملية السياسية، وتفاقم الوضع الإنساني وزيادة التطرف»، داعين موسكو إلى التركيز على «الحل السياسي» باعتباره «الهدف المشترك». الأوروبيون طالبوا بأن «تتوقف فورا» ضربات روسيا التي «تتجاوز» كلاً من «داعش» والمعارضة «المعتدلة»، معتبرين أن تلك العمليات العسكرية «مصدر قلق عميق» لهم.
على المنوال ذاته، قال وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز رداً على «السفير» إن المباحثات الغربية مع موسكو «لم تثمر حتى الآن ما يمكن من إطلاق عملية سياسية». قال في هذا الصدد «نحاول إقناع موسكو بأن هنالك حاجة للحصول على تنسيق جيد (بالنسبة لطلعات القصف الجوي)، وأيضا بالنسبة للذهاب إلى الانتقال السياسي، فهو القضية الوحيدة (لإنهاء الصراع). آمل أنه سيكون ممكناً فعل ذلك، لأنه غير ممكن الآن».
مجمل مستجدات الموقف الأوروبي هي نتائج «أظهرها التدخل الروسي»، كما يقول مصدر ديبلوماسي من دولة تعتمد لهجة معتدلة تجاه دمشق وموسكو. قال لـ «السفير» إن الأوروبيين باتوا «يدركون الآن أن الأسد ضروري في مرحلة انتقالية»، قبل أن يضيف «الواضح أن روسيا تحقق مكاسب سياسية، صارت دفاعاتها الجوية في سوريا، وباتت تلغي احتمال إقامة منطقة آمنة وحظر طيران. إنهم يقودون القضية لتكون بالفعل خياراً بين الأسد والإرهاب».
المصدر لفت إلى أن نقاشات الأوروبيين لا تنظر للقضية فقط من زاوية سوريا، بل باعتبار أن «التدخل الروسي هو أيضاً حول دورهم ونفوذهم في الشرق الأوسط». يخلص إلى أن نتائج ذلك ليست مبشّرة للشعب السوري: «كنت أتمنى لو لدي رسائل أفضل، لكن كلما استمرت الأزمة وتعمقت، كلما كان هذا أفضل لروسيا، إنهم يظهرون عبرها كلاعب دولي له دور أساسي في الأزمات، إنهم يرون الآن أزمة اللاجئين ولا يزعجهم أن تكون أوروبا أضعف، تحديداً ألمانيا أضعف».
لكن كل ذلك لا يلغي تركيز الأوروبيين، بشكل لافت ومتكرر، على لعب دور في عملية الانتقال السياسي من زاوية دعم تفعيل «مجموعات العمل السورية». هذا المقترح حمله المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لإنشاء أربع مجموعات تناقش عناوين العملية الانتقالية، كل منها تضم ممثلين للنظام والمعارضة. وسبق لمصادر أوروبية الإشارة إلى تعويل بروكسل على رعاية حوار المجموعات السورية، على غرار ما فعلت مع رعاية جوانب من حوار الفرقاء الليبيين. البيان المشترك أوضح أن الاتحاد الأوروبي «سيزيد عمله الديبلوماسي»، لدعم هذا المقترح الأممي خاصة، لافتاً إلى أن التكتل «يدعو جميع الأطراف السورية للمشاركة بفعالية في مجموعات العمل».