افراسيانت - وسيم ابراهيم - السفير - أميركا أرادته اجتماعاً لإظهار هيبة و«وحدة» التحالف الدولي الذي تقوده ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش». كان لها ذلك في الواجهة. وفود من 59 دولة حضرت إلى مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل تلبية للدعوة.
لكن في الخلفية كانت تسود الخلافات نفسها، وسط أجواء أوحت باندفاعة للانتقال في الحرب إلى مرحلة جديدة، أشار إليها كثيرون، رغم اختلاف تحديدهم طبيعة محركاتها.
التواجد في مقر الحلف خيار محض «لسهولة التنظيم»، كما شددت واشنطن، نزولاً عند انزعاج بعض دول الحلف من زجّه في واجهة التحالف.
قدمت واشنطن ثلاثة أشهر من عمليات التحالف بوصفها إنجازاً، ثمرته «إيقاف تقدّم داعش عبر سوريا وإلى العراق». قال وزير خارجيتها جون كيري، مفتتحاً الاجتماع، إن «داعش» لم يعد بإمكانه شن هجمات منسقة أو استجماع قوته وحشدها، ولا التحرك بقوافل أو مجاميع «من دون أن يقلق مما سيأتيه من السماء».
على المستوى العلني، هناك قلة أكدت وجود مبادرات لنقل الحرب إلى مستوى جديد. أحدهم رئيس وفد الكويت وكيل وزارة الخارجية خالد الجار الله. السياسي المخضرم قال، في تصريح لوسائل الإعلام الكويتية، إن «هناك آراء عديدة طرحت، منها أنه ينبغي الانتقال إلى مرحلة أخرى، قد تستدعي قوات على الأرض، وقد تستدعي أنواعاً أخرى من المواجهة تختلف عما حدث». ولفت إلى أن أحدها وفق ما طرح «دعم الجيش الحر في سوريا، ليتمكن من ممارسة دوره بشكل أكبر وأكثر فعالية».
مصدر تابع مداولات وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، على هامش الاجتماع، نقل لـ«السفير» عنه تأكيده وجود اتفاق على مرحلة جديدة من عمليات التحالف في سوريا، مع بقاء نقطة واحدة عالقة.
قال جاويش اوغلو لمستمعيه إن الولايات المتحدة وتركيا، مع فرنسا وبريطانيا ودول أخرى، صارت «متفقة على إقامة مناطق آمنة داخل سوريا»، لتنتقل إليها «قوات المعارضة المعتدلة»، إلى جانب اللاجئين السوريين. هذا الاتفاق، وفق الوزير التركي، سيطبّق بناء على «خريطة طريق» تشمل المراحل التالية: تدريب قوات المعارضة، الذي بدأ عملياً، وتجهيزهم بالأسلحة، ثم انتقالهم إلى المناطق الآمنة المتاخمة للحدود التركية. وتقتضي الخطة توسيع هذه المناطق تدريجياً، ابتداء من خمسة كيلومترات وصولاً إلى 15 كيلومتراً.
الجانب الذي تعارضه الولايات المتحدة، في حين يطالب به بقية الداعمين، هو تطبيق منطقة «حظر طيران». ينطلق الداعمون من «الحاجة» لحظر الطيران من أجل «حماية المناطق الآمنة»، فيما يشير جاويش اوغلو هنا إلى أن الأميركيين «يفهمون الحاجة إلى ذلك، لكنهم لم يقولوا نعم».
كيري، الذي يلتقي اليوم نظيره الروسي سيرغي لافروف في مدينة بازل السويسرية، قال بوضوح إنه «من السابق لأوانه» اتخاذ قرار حول «الحظر الجوي»، مؤكداً وجود «نقاش طويل وجدي» مستمر مع تركيا حول ذلك.
في هذا السياق، علق مسؤول أميركي رفيع المستوى على النقاشات مع أنقرة بالقول «وجهات النظر تختلف قليلاً بين دول التحالف حول دعم المعارضة المعتدلة في سوريا، لكن الجميع متفقون على الحاجة لتحقيق حل سياسي في سوريا، بغض النظر إن كان يتضمن (الرئيس السوري بشار) الأسد أم لا».
الحديث عن المرحلة الجديدة طرح وفق مبادرات مختلفة. وأكد سياسي رفيع المستوى، حضر مداولات الجلسة المغلقة لدول التحالف، لـ»السفير»، أنه تمّ طرح ضرورة «الانتقال إلى خطة جديدة» في عمليات التحالف. قال إن هذا الطرح حملته دول مبادرة، أبرزها السعودية التي مثلها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ولقيت تأييداً من دول عديدة.
ويشمل الطرح «أن يكون هناك تحول نوعي في عملية المواجهة، عبر تعزيز دور القوات البرية». وشرح أن «القوات تأتي من الجيش الحر، بعد تقويته ودعمه، وتأتي أيضاً من تعزيز القوات العراقية، لتتحرّك على الأرض، مع التحرك الذي يحصل من قبل الجيش الحر»، قبل أن يضيف «هم قادرون، بمزيد من الدعم، على الانتقال إلى مرحلة جديدة». لكن المسؤول نفى أن يكون هناك تدخل عسكري من قوات أجنبية، من ضمن عناصر الخطوة الجديدة، لافتاً إلى أن «الأمر قد لا يكون حاجة الآن، ربما في المستقبل. في المرحلة التالية، الدور للقوات العراقية وللجيش الحر».
لكن في السياق نفسه، تحدث ديبلوماسي رفيع المستوى، حضر مداولات الاجتماع، لـ»السفير» عن «فكرة جديدة» حملتها الرياض تحديداً. وقال إن مسؤولي السعودية طرحوا «ضرورة وجود قوات على الأرض، في إطار تلاقٍ بين قوات المعارضة والنظام»، موضحاً أن «الفكرة تقوم على تدريب المعارضة وتمكينها، مع إمكانية دمجها في مرحلة لاحقة مع قوات النظام بعد استبعاد من تلطخت أيديهم بالدماء».
هكذا يكون هذا الطرح إعادة إنتاج لفكرة الحل السياسي، التي بُني عليها اتفاق جنيف. لكن الديبلوماسي لفت إلى أن ما تقدّمه السعودية هو شيء مختلف لكونه «يتخطى الجمود الذي كان سائداً، عبر تقديم اقتراح عملاني، بعدما شعرت السعودية أن محاربة داعش باتت أولوية، فبادرت إلى محاولة رسم تفاصيل الحل السياسي على قياس الحاجة لمكافحة الإرهاب». لكن في الوقت نفسه، ينبّه الديبلوماسي إلى أن ما تقدّمه السعودية «لا يزال مبادرة جنينية، مجرد أفكار، لكنها حتى لو كانت جديدة لا يمكن بناء آمال كبيرة عليها» في هذه المرحلة.
واشنطن كررت مواقفها بأن الرئيس السوري «فقد كل شرعية»، على حدّ تعبير كيري الذي اعتبر أن «لا سلام في سوريا ما دام الأسد موجوداً».
على كل حال، كانت الخلافات داخل التحالف واضحة في البيان الختامي لاجتماعه. ففي حين أشار البيان مراراً إلى «اتفاق المشاركين» على قضايا عديدة، لكنه حينما تحدّث عن الخطوة المقبلة بالنسبة إلى المعارضة تجنب الحديث بالجمع. لفت البيان إلى وجود «عدد من المشاركين أشاروا بشكل محدّد للحاجة إلى قوات برية فعّالة لهزيمة داعش في النهاية، وفي هذا السياق، أشادوا بما تقوم به قوات المعارضة المعتدلة التي تقاتل ضد داعش في سوريا»، قبل أن يوضح أن «هؤلاء المشاركين دعوا أيضاً لزيادة الدعم لهذه القوات المعارضة المعتدلة، التي تقاتل على جبهات متعددة ضد داعش وجبهة النصرة والنظام السوري».
وقبل المرور على هذه القضية المدعومة من قبل زمرة من دول التحالف، أوضح البيان أن جميع المشاركين «أكدوا التزامهم دعم عملية انتقال سياسي في سوريا مبنية على مبادئ إعلان جنيف، كما رحبوا بجهود مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا للعمل باتجاه عملية سياسية».
التشابك بين محاربة «داعش» في سوريا والعراق بدا من الصعب فصله، لدرجة أن البعض تحدث عن الحل السياسي في سوريا كشرط مسبق لهزيمة التنظيم.
ونبّه وزير الخارجية الدنماركي مارتن ليدغارد، الذي تطير مقاتلات بلاده فوق العراق، خلال حديث مع «السفير»، إلى ضرورة التحرك على مسارات عدة. وقال «لقد قيّمنا أن الوسائل العسكرية يجب أن تكون جزءاً من الحلّ، لإيقاف الزخم المحرك لانتشار داعش، لكن علينا المواجهة عبر طرق أخرى».
وإضافة إلى الخطوات التي شدّد عليها بيان التحالف، مثل محاربة أفكار التطرف وضمان تمثيل مرضٍ يقنع جميع مكونات العراق بخوض الحرب ضد «داعش»، يخلص ليدغارد إلى أنها «مهمة صعبة، وسيكون تحقيق السلام في سوريا شرطاً مسبقاً للنجاح».
لكن الأميركيين بذلوا كل جهدهم للابتعاد عن هذه التفاصيل، محاولين تسليط الضوء على «الإجماع السياسي» حول هدف جامع هو الحرب على «الدولة الإسلامية». حتى أن كيري ردّ على أسئلة حول دعم المعارضة والتفاهمات مع تركيا، بالقول إن «الاجتماع كان مخصصاً لمحاربة داعش وليس حول المعارضة السورية».
مع ذلك، هناك من يُصرّ على ضرورة فصل المواجهة بين سوريا والعراق. الممثل العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف قدم إفادة أمام اجتماع التحالف. وقال لـ»السفير»، معلقاً على هذا النقاش، «أعتقد أن الاستراتيجية العسكرية مختلفة في كل من سوريا والعراق. في العراق لديك حكومة وهي شاملة، وتفعل الأشياء الصحيحة لدمج كل المكونات»، مضيفاً أن «سوريا لديها وضع مختلف جداً. حتى لو أن التهديد العسكري من داعش هو نفسه، الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون مختلفة». الخلاصة التي يقدّمها أن التحرك في البلدين يجب أن يسير «بشكل متوازٍ»، من دون البناء على التشابكات.
وبالنسبة إلى أزمة العراق المالية، وشكواه من عدم قدرته على تحمّل تكاليف الحرب وإعادة البناء، لفت الأميركيون إلى أن هذه المهمة من اختصاص دول الخليج العربي. وكشف كيري أن «بعض دول الخليج، التي لديها قدرة، انخرطت في المناقشة مع (رئيس الحكومة العراقية حيدر) العبادي»، مشيراً إلى فكرة إقامة «صندوق إعادة بناء» عبر تلك المساهمات، التي يمكن أن يدعمها الغرب بالدرجة الثانية.
إحدى القضايا التي خيّمت على لقاء التحالف كانت الأنباء عن ضربات جوية إيرانية لمجموعات «داعش» في العراق. تجنب كيري الحديث عن ذلك، مشدداً على أن تنسيق طلعات التحالف تتم حصراً مع الحكومة العراقية، وأنها المسؤولة عن «عدم حصول تضارب» بالنسبة لأي عمليات أخرى. وشدّد على أن واشنطن «لم ولن» تنسّق مع طهران، لكن كان لافتاً أنه أقرّ، مع أنه كان بإمكانه التجاهل، بأن ضربات إيران «بالنهاية سيكون لها تأثيرات إيجابية» على الحرب الجارية.
هناك من ذهب أبعد من ذلك، معبراً عن تطلع إلى تنسيق غربي - إيراني. وقال وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندز، الذي تشارك طائرات بلاده في التحالف، لـ»السفير»، «رأينا أن هناك تعاوناً من إيران منذ الأمس (الاول)، آمل أنه سيكون من الممكن إيجاد تنسيق حول ذلك».
صورة الاجتماع التي أرادها الأميركيون، في الاجتماع الأول من نوعه، بقيت خلفها حساسيات مكرسة لم تتبدد. صحيح أن بيان التحالف نقل أن «المشاركين أشادوا بالجهود التي تبذلها القوات المسلحة اللبنانية في محاربة داعش»، لكن حضور وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لم يلغ تأكيده «عدم القبول ببحث أي شأن سياسي يتخطى مكافحة الإرهاب المتمثل في داعش ومثيلاتها»، كما نقل مسؤول واسع الاطلاع.
في الوقت ذاته، كان التمثيل الديبلوماسي متفاوتاً للدول الـ 61 المشاركة. بعض المترددين فضلوا قصر التمثيل على مستوى السفراء. هذا ما حصل مع سلطنة عمان، إذ نقل مصدر أن وزير الخارجية العماني كان يفترض أن يقود وفد بلاده، وكانت التحضيرات جارية على هذا الأساس، لكنه ألغى حضوره في اللحظات الأخيرة.