رئيس وزراء كرواتيا: لا أحتاج لمن يحميني من المسلمين .. أوروبا أمام شرخها واللاجئون «ورقة تركية»
افراسيانت - وسيم ابراهيم - السفير - الخلافات عاصفة لدرجة عدم القدرة على إبقائها حبيسة الجدران المغلقة. الأزمة أعقد، أعقد بكثير، من أن تلملم بكلمات تطيّب الخواطر، وتعد بحلول تجترحها «القيم الأوروبية» التي تتحطم على حدود الاتحاد.
هكذا كانت القمة الأوروبية، في بروكسل ، أمام «الواقع الوحشي»، كما سمّاه أحد الديبلوماسيين. كان الزعماء وجهاً لوجه أمام الإفلاس لإيجاد استجابة مشتركة، موحدة، تعمل بمثابة مجرى موحد ينظم سيل اللاجئين، طبعاً على أمل إيقافه.
أمام العجز هناك بضع مبادرات. إنها خطوات المدى القصير أمام طوفان اللجوء. جمع مساعدات مالية لدول الجوار السوري، ومحاولة سدّ الثغرات في برنامج الغذاء العالمي لدعم اللاجئين. لكن المسائل الحاسمة لم يملك الزعماء إلا إطلاق الأمنيات تجاهها. تركيا تبدو استعصاء كبيراً يواجه أوروبا، فهي البوابة الرئيسية التي يتدفق منها اللاجئون. لا مناص، تقول ألمانيا، من إيجاد تفاهمات معها. هكذا تكون أنقرة في أفضل موقع للمساومة مع أوروبا، ستطلب وتتمنى، ثم توافق، إذا وافقت، حين يعجبها. اللاجئون صاروا ورقة سياسية كبرى في يدها، اللاجئون أو «الضيوف» كما تصرّ على وصفهم.
القضية الأساسية الأخرى هي كيفية حماية الحدود الأوروبية. قال المسؤولون الأوروبيون إن اتفاقية «شنغن» باتت على المحكّ. منطقة التنقل الحرّ حدودها تحت ضغط سيل اللجوء، وكل دولة ترتجل سياسة الصدّ بمزاجها. لا خطة موحدة حتى الآن للتعامل مع الحدود. هناك فقط إطلاق مبادرات، أفكار ومشاريع خطط، حول إمكانية تشكيل قوة أوروبية لتأمين الحدود. ما يمكن البناء عليه، بحسب بروكسل، هو دعم وكالة الحدود الأوروبية «فرونتكس»، لتمكينها من مساعدة الدول الأعضاء في قضية تقع في صلب اختصاصها الوطني.
بعد كل ذلك، وقبله، تبقى في القاع المسألة الجوهرية: طوفان اللجوء جعل الأوروبيين تحت الضغط لتسوية سياسية توقف الحرب السورية. هكذا يقولون، لكن لا يبدو أنهم عازمون، أو قادرون، على تسريع العمل على تسوية سياسية. أحد المسؤولين الأوروبيين قال، لـ»السفير»، إن «القضية صارت تتصدر الأولويات الديبلوماسية».
أمام سلسلة الاستعصاءات هذه، ستكون «الأوهام» وحدها قادرة على اجتراح أفق ورديّ. هذا ما قاله، بمنتهى الوضوح، رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك: «الصراعات في الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا، لن تنتهي في أي وقت قريب. هناك ثمانية ملايين نازح داخل سوريا، وأربعة ملايين لاجئ خارجها»، قبل أن يضيف «هذا يعني أننا نتحدث عن ملايين اللاجئين المحتملين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وليس الآلاف».
كل هذا النقاش لا يدور في أجواء تعين على إنضاجه، بغض النظر عن مدى إيجابية النتائج. الدول التي رفضت خطة توزيع 120 ألف لاجئ، وفق نظام الحصص، لم تهضم كيف تم التصويت بالغالبية ضد معارضتها. تشيكيا وسلوفاكيا تهددان بتحويل القضية إلى محكمة العدل الأوروبية، تحت عنوان أن ما تمّ «غير شرعي» وفق المعاهدات الأوروبية.
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يواصل رفع سقف تصعيده. بعض المدافعين عنه يقولون إن عذره أنه ينافس الآن اليمين المتشدد في بلاده. الحزب الثاني في المجر الآن، بحسب استطلاعات الرأي، هو حزب يميني متطرف جاءت أزمة اللجوء على رجليها كي يستثمرها. المتفهمون يقولون إن أوربان يعتمد أقصى خطاب متشدد ممكن «كي لا يترك أي مجال أمام اليمين المتشدد كي يستهلك قضية اللاجئين لزيادة شعبيته»، على ما يقول مصدر مقرّب من الحكومة المجرية لـ»السفير».
أياً كانت الأسباب، ها هو أوربان يعيد اتهام ألمانيا بأن تقلّبها أصل المشكلة. قام بتحذيرها، في آخر موضات تعابيره، من ممارسة ما سمّاه «الامبريالية الأخلاقية». يقصد ترحيبها باللاجئين، ثم الفرملة بأنها غير قادرة على إدارة التدفقات.
سألت «السفير» أوربان حين وصوله إلى القمة عن الأفكار التي يحملها، أفكار يمكن اعتمادها أوروبياً، لحل قضية «حماية الحدود». قال، من دون طول تأمل، «إنها قضية نيات، وليست قضية أفكار لأن لدينا اتفاقية شنغن التي وقعنا عليها جميعا»، قبل أن يضيف «إنها قضية إلزام وإجبار وواجب.. إذا قيل أن شنغن انتهت سيكون عليّ حينها البحث عن حل سياسي آخر، لكن الآن لدينا حل واضح هو شنغن التي لا تزال موجودة، وهذا يعني أنه يجب الوفاء بأنظمتها» التي تعطي السلطات الوطنية مهمة «حماية حدودها».
هناك أفكار متداولة الآن حول تشكيل نوع من القوة الأوروبية المشتركة، مبنية حول وكالة «فرونتكس»، تكلف حراسة الحدود إلى جانب الأجهزة الوطنية للدول المعنية. حين سألت «السفير» أوربان عن هذه الفكرة، فضّل توجيه أصابع الاتهام إلى اليونان في ردّ تصعيدي: «أعتقد أنه إذا كانت اليونان غير قادرة على حماية حدودها، سنراعي سيادتها (لكن) سنطلب بلطف أن تتولى الدول الأوروبية الأخرى حماية الحدود اليونانية».
كل هذا الخطاب لا يعجب كرواتيا. لا تزال تواجه سيل اللجوء من صربيا، بعدما أغلقت المجر حدودها هناك. سألت «السفير» رئيس الوزراء الكرواتي زوران ميلانوفيتش عن قصة «الحماية المشتركة» للحدود، فقال إن «هناك حاجة» إلى نوع من هذه الحلول، قبل أن يندد بما فعلته المجر واتهاماتها لبلاده بالقول «أعتقد أن بإمكاني حماية مصالح بلدي، وأوروبا يجب أن تعمل بانسجام أكثر، ولا أحتاج أي أحد لحمايتي من الإسلام والمسلمين، فمن يتحدثون بهذه النبرة لا يمثلونني».
الخلافات العاصفة لا مجال لتغطيتها. رئيس المجلس الأوروبي بدا متأففاً من هذه الأجواء. قال «وصلنا إلى نقطة حرجة نحتاج فيها إلى وضع حد لدوامة تبادل الاتهامات وسوء الفهم المتبادل». ألمانيا توافقه الرأي تماماً. المطلوب تهدئة شاملة، تفسح مجالاً لإيجاد مخارج، كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «إذا تحدثنا بهدوء سنجد حلاً مشتركاً. مع تحدٍ كبير كهذا سيكون من الخطأ القول إن أوروبا لا تستطيع معالجته، أعتقد أن أوروبا لديها القوة لفعل ذلك».
ربما، صحيح. الاتحاد الأوروبي هو أكبر قوة اقتصادية في العالم، وألمانيا ثالث أكبر قوة مصدرة فيه وزن سياسي كبير، مع مقعدين في مجلس الأمن لفرنسا وبريطانيا. لكن هذا كله لم ينفع بعد مع تركيا. تكرر اسم الدولة بشكل غير مسبوق في التصريحات الأوروبية. تقول ميركل «نحتاج للحديث مع تركيا. إنها دولة مع 2 مليون لاجئ»، مضيفة «نحن نتفهم أنه تحدّ كبير لتركيا».
ما الذي كانت تقصده ميركل؟ هل عنت أن المليوني لاجئ عبء لا يمكن معه سؤال أنقرة إغلاق حدودها، أم غمزت إلى أنها يمكن أن تفتح سداً سعته مليوني لاجئ على أوروبا. ليس واضحاً تماماً. الواضح أنه «يجب الحديث مع تركيا». لكن من يعرف إن كان الحديث سيجدي، خصوصا إذا كان رئيسها رجب طيب أردوغان، متأكدا من أن الآخرين، الآن، هم بأمسّ الحاجة للحديث معه.