افراسيانت - السفير - حسم مجلس النواب العراقي، يوم أمس، قراره، برغم الاختلافات السياسية، وأحال تقرير لجنة تقصّي الحقائق بشأن سقوط مدينة الموصل في يد تنظيم «الدولة الاسلامية» في حزيران الماضي، والذي تضمن اتهامات الى ستة وثلاثين من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في البلاد، من بينهم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، ومحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي، ورئيس الأركان السابق بابكر زيباري، إلى القضاء.
ومن شأن الخطوة التي اتخذها البرلمان العراقي، يوم أمس، أن تفتح الباب أمام مسار طويل من التحقيقات، التي تطال مناصب قيادية حساسة في الدولة العراقية، في بلد تزداد فيه حالة الاستقطاب الطائفي والمذهبي من جهة، والغليان الشعبي تجاه استفحال ظاهرة الفساد من جهة ثانية، والتهديدات الإرهابية من قبل تنظيم «داعش» الذي يحتل نحو ثلث أراضي بلاد الرافدين من جهة ثالثة.
ويبدو أن هذه الخطوة البرلمانية، التي ترافقت مع إجراءات «اصلاحية» لا تقل أهمية عما اتخذه رئيس مجلس الوزراء الحالي حيدر العبادي لتقليص نظام المحاباة والمحسوبية في العراق، تنذر بمزيد من الاستقطاب على الساحة السياسية، لكنها قد تساعد أيضاً على إعادة الثقة في الحكومة العراقية، التي ترفع شعار اعادة بناء المؤسسة الأمنية التي يعصف بها الفساد وعدم الكفاءة.
ونقل موقع «المدى برس» عن مصدر برلماني قوله إن مجلس النواب صوت على احالة التقرير النهائي للجنة التحقيق بسقوط مدينة الموصل، الذي تم الاعلان عنه مساء امس الاول، الى القضاء «من دون عرضه للقراءة»، مشيراً الى ان «التصويت تم بالغالبية».
وكان رئيس البرلمان سليم الجبوري قد تعهد، أمس الاول، بعرض التقرير علناً في الجلسة البرلمانية، وقراءة الاسماء الواردة فيه، ولكن يبدو ان الخلافات السياسية حالت دون القيام بذلك.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن النائب العضو في لجنة التحقيق حنين قدو قوله إنه لم تتم قراءة التقرير والاسماء بسبب «وجود خلافات على التوصيات... لأنه لم يتم التصويت على التوصيات داخل اللجنة».
وخلال مؤتمر صحافي بعد الجلسة البرلمانية، قال الجبوري إن «مجلس النواب صوت على احالة الملف بما فيه من حيثيات وأدلّة وأسماء» الى القضاء، مؤكدا انه «لم يستثن فقرة من التقرير ولم يستثن شخصاً ما».
وأشار الجبوري الى ان «هذا التقرير بالمجمل، بما فيه من وقائع وأدلّة وحيثيات وإجابات وأسماء لا يستثنى منها احد، سيحال الى القضاء ويحال الى الادعاء العام ليأخذ مداه»، مشددا على ان «كل الاسماء التي تم ذكرها في هذا التقرير لم يحذف اسم منها، وستحال جميعها الى القضاء وستجري عملية التحقيق والمتابعة والمحاسبة لكل من كان سببا في سقوط الموصل».
وكشف الجبوري عن ان عدد الذين تم استجوابهم بشأن اسباب سقوط الموصل بلغ 120 شخصاً. وأضاف «نستطيع ان نقول إن هذا التقرير هو وضع اللبنات الاساساية لمرحلة مهمة وكشف النقاب عمّا اصاب العراق لحظة سقوط نينوى وما تبعها من سقوط صلاح الدين ومدن اخرى مهمة، بمعنى انه تاريخ لمرحلة حساسة ومهمة تتمثل بمواجهة اعتى هجمة ارهابية تسمى (داعش)، ومن تسبب بوصولها للعراق بالالقاب والصفات الرسمية التي كانوا يحملونا».
وتابع الجبوري قائلا «ليس هناك من أمر خافٍ على الشعب العراقي وممثليه، وجميع اعضاء مجلس النواب بالاجماع قرروا احالة تلك الملفات الى الجهات المختصة، حتى تاخذ دورها في التحقيق»، مضيفاً «هنا ياتي دور مجلس القضاء، وسنتابع مهمة القضاء وهيأة النزاهة والادعاء العام، وسنتدخل اذا ما حصل تلكؤ في محاسبة كل مقصر».
من جهته، قال النائب محمد الكربولي إنه من المقرر أن يعرض التقرير بعد التصويت على النائب العام، ورئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، الذي يملك حق الإحالة الى المحاكم العسكرية.
يذكر ان تقرير اللجنة هو أوسع خطوة تتخذها بغداد حتى الآن لمحاسبة المسؤولين عن خسارة نحو ثلث أراضي البلاد أمام تنظيم «داعش» التكفريري، وجاء فيه أن المالكي لم تكن لديه صورة دقيقة للخطر المحدق بالمدينة الشمالية، لأنه اختار قادة منغمسين في الفساد كما أنه لم يحاسبهم.
ويلقى التقرير باللوم في سقوط المدينة على أثيل النجيفي، محافظ نينوى، التي تتبعها مدينة الموصل، وعلى القائم السابق بأعمال وزير الدفاع سعدون الدليمي، ورئيس أركان الجيش السابق الفريق أول بابكر زيباري، والفريق مهدي الغرواي قائد العمليات السابق في نينوى.
وممن وردت أسماؤهم أيضا قائد شرطة نينوى اللواء خالد الحمداني، ونائب وزير الداخلية السابق عدنان الأسعدي، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق وحاتم المكصوصي، وثلاثة أعضاء أكراد من قوات الأمن العراقية. (تنشر «السفير» نسخة متداولة من تقرير لجنة الموصل على موقعها الالكتروني).
وبرغم حديث رئيس مجلس النواب العراقي عن اجماع برلماني حول تقرير لجنة تقصي الحقائق، الا ان اصواتاً معارضة نددت بهذه الخطوة واصفة اياها بـ «المسيّسة» و «المنحازة».
واتهم النائب عمار الشبلي، عضو «ائتلاف دولة القانون» الذي ينتمي اليه المالكي، لجنة التحقيق البرلمانية بالانحياز.
وقال «تفاجأنا بأن هناك مواقف منحازة، واخفاء لبعض الافادات فيها من الجدية والوثائق ما يغير مسار التحقيق»، معتبراً ان «اللجنة لم تكن حيادية».
ونقلت قناة «العالم» الايرانية عن المالكي قوله إن «ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة، ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل»، مشيراً إلى أنه «لا قيمة للنتيجة التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية حول سقوط الموصل».
وأضاف المالكي، الذي يزور طهران حالياً، أن «لجنة التحقيق البرلمانية حول سقوط الموصل سيطرت عليها الخلافات السياسية وخرجت عن موضوعيتها».
وكانت النائبة عن «ائتلاف دولة القانون» عواطف نعمة وصفت، امس الاول، تقرير لجنة التحقيق بسقوط الموصل بأنّه «مسيس»، عازية ذلك الى أن التقرير حمّل رئيس الوزراء السابق المسؤولية وأغفل دور رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني، داعية الى استبدال رئيس اللجنة حاكم الزاملي بشخص آخر لعدم حياديته.
وأوضحت نعمة ان «التقرير أغفل ذكر مسعود البرزاني، المستفيد الأول من سقوط الموصل، وتم استبداله ببابكر زيباري»، لافتة الى أن «هناك العديد من الأدلة والوثائق والفيديوهات التي تثبت إصدار البرزاني أوامر لضباطه وجنوده بالانسحاب وعدم التصدي لـ (داعش)».
وتأتي هذه الانتقادات، غداة بيان اعتراضي آخر اصدرته كتلة «متحدون للاصلاح»، التي يتزعمها اسامة النجيفي، شقيق اثيل النجيفي، والذي الغي منصبه كنائب لرئيس الجمهورية الاسبوع الماضي.
واعتبرت كتلة «متحدون للاصلاح» ان «لجنة التحقيق الخاصة بسقوط الموصل سياسية وغير مؤهلة للوصول إلى نتائج حقيقية تؤشر إلى أسباب السقوط وتحدد المقصرين فعلاً». وتساءلت الكتلة البرلمانية في بيانها «كيف يكون أثيل مسؤولاً وقد سلبت صلاحياته كلها، حتى إنه لا يستطيع نقل أو تحريك شرطي واحد؟ وكيف يستطيع منع انهيار وهروب عشرات الآلاف من منتسبي القطعات العسكرية والشرطة الاتحادية؟».
"الكيميائي"
من جهة ثانية، تفاعلت ردود الفعل الدولية بشأن تقارير اعلامية تحدثت عن استخدام تنظيم «الدولة الاسلامية» لغاز الخردل في اطار المعارك التي يخوضها ضد قوات «البشمركة» الكردية.
وأعربت منظمة حظر الاسلحة الكيميائية عن «قلقها العميق» للادعاءات التي تحدثت عن استخدام تنظيم «داعش» اسلحة كيميائية في العراق.
وقالت المنظمة «إنها على اتصال بالحكومة العراقية وستدرس اي تقرير ستتلقاه» في هذا الخصوص.
وكانت وزارة الدفاع الالمانية ذكرت، الاسبوع الماضي، ان «لديها معلومات تفيد بأن هجوماً بالاسلحة الكيميائية» استهدف قوات «البشمركة»، وأن العديد من المقاتلين الاكراد اصيب «بالتهابات في الجهاز التنفسي».
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول عسكري اميركي قوله إنه «من المحتمل» ان يكون تنظيم «الدولة الاسلامية» استخدم غاز الخردل، في حين اعلن مسؤول كبير في البشمركة في العراق وقوع هجوم بالكلور.
من جهتها، اشارت منظمة «كونفليكت ارمامنت ريسرتش» غير الحكومية وخبراء في مجموعة «سهان ريسرتش» اجروا تحقيقات بالتنسيق مع القوات الكردية، انه تم توثيق هجمات شُنَّت في نهاية حزيران الماضي ضد «البشمركة»، وأشاروا الى هجوم اخر ضد المقاتلين الاكراد السوريين في «وحدات حماية الشعب» في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.
واشارت المنظمة غير الحكومية، ومقرها لاهاي، الى انها اتصلت بالحكومة العراقية للحصول على مزيد من المعلومات.
البرزاني
في هذا الوقت، قرر مجلس الشورى في اقليم كردستان العراق بقاء رئيس الاقليم مسعود البارزاني في منصبه لمدة عامين، حتى انتهاء الدورة البرلمانية الحالية.
وقال مجلس الشورى إنه «بموجب القرار فإن البرزاني سيبقى في منصبه وبكامل صلاحياته»، مشدداً أن «القرار استشاري وملزم».
في المقابل، قال رئيس برلمان اقليم كردستان يوسف محمد قرار مجلس الشورى غير ملزم للبرلمان ولايحظى بأي شرعية قانونية.
وأضاف محمد وهو قيادي بارز في «حركة التغيير» أن «مجلس الشوري هو جزء من وزارة العدل وبالتالي هو جزء من السلطة التنفيذية التي لايجوز لها فرض إرادتها على السلطة التشريعية في الإقليم».
وتابع رئيس البرلمان «لا يجوز تمديد فترة رئاسة الإقليم بالتحايل على الشرعية أو الحِيَل القانونية».
وأضاف في حوار تلفزيوني «لايجوز لأي عضو في البرلمان ما عدا رئيس البرلمان مخاطبة مجلس الشورى إلا بصفة شخصية».
(«السفير»)