افراسيانت - نجح رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، في تكريس متغيرين أساسيين في حياة النظام السياسي العراقي، منذ التغيّر الكبير الذي طرأ على نظام الحكم عقب الاحتلال الأميركي للبلاد في العام 2003.
وإذ مرّت الخطوة الأولى، بنقل صلاحيات الوزارات إلى المحافظات العراقية والتي مرّت بإقرارها في مجلس النواب الأسبوع الماضي بهدوء، بحيث لم تشهد كلّ هذا الصخب الذي رافق الخطوة الثانية المتمثلة بإقرار حزمة الإصلاحات الأولى التي قدمها العبادي، بشبه إجماع سياسي وبرلماني كبير في المجلس، يوم أمس.
وأقر مجلس النواب حزمة الاصلاحات في جلسة سريعة، بغالبية 297 نائباً حضروا الجلسة من أصل 325، بثت على الهواء مباشرة عبر القنوات التلفزيونية العراقية، واستغرقت ما يقارب نصف الساعة فقط. وأقر المجلس في الجلسة نفسها، حزمة اصلاحات برلمانية اقترحها رئيسه سليم الجبوري قائلا إنها «مكملة» للاقتراحات الحكومية، و «تضبط» بعض ما ورد فيها ضمن إطار «الدستور والقانون».
وبدا واضحاً من خلال شكل الجلسة وسرعة التصويت فيها، الذي اعتمد رفع الأيدي من دون اعتماد آلية التصويت الإلكتروني، توافق غالبية الكتل السياسية العراقية على إقرار حزمة الاصلاحات الأولى، التي قدمها العبادي مستنداً إلى دعم كبير من المرجع الديني السيد علي السيستاني، بالإضافة إلى حالة الحنق الشعبي من تردّي مستوى الخدمات في البلاد التي رافقت خطوة التغيير هذه.
ويعد قرار إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الذي رافقه اعتراض كلامي من قبل كل من نائبي الرئيس العراقي إياد علاوي وأسامة النجيفي لم ينعكس على مستوى تصويت كتلهم في البرلمان، القرار الأبرز بالرغم من الجدل الذي قد ينشب خلال الأيام المقبلة حول «دستوريته».
إلا أن العبادي أكد قبيل الجلسة البرلمانية، أمس، على أن أساس الاصلاح يتمثل في «إزالة جذور الفساد وليس التشبث بالمناصب». وشدد على أن «مناصب نواب الرئاسات أدّت إلى الترهّل، وهذا أحد مداخل الفساد، وأن من صلاحية مجلس النواب التصويت على إلغائها لأنه من شرّعها وهذا ما ينسجم مع الدستور والقوانين النافذة»، مطالبا مجلس النواب بعدم تجزئة حزمة الاصلاحات «وطرحها كوثيقة واحدة»، وبأن «يتحمل مسؤولياته بقبولها او رفضها».
وتلا رئيس المجلس سليم الجبوري الورقة التي أقرّتها الحكومة، وصوّت النواب عليها برفع الأيدي، ليعلن بعدها أنه «تمّت الموافقة بالاجماع»، على وقع تصفيق النواب المشاركين. وفي بيان مقتضب بعد التصويت، هنّأ العبادي العراقيين «باقرار حزمة الاصلاحات»، وعاهدهم «على مواصلة طريق الاصلاح»، قائلا «وإن كلفني ذلك حياتي».
ومن أبرز «الاصلاحات» التي تم التصويت عليها في المجلس بالإضافة إلى إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء «فورا»، الحد من «المحاصصة الحزبية والطائفية» في المناصب العليا، وتفعيل اجراءات مكافحة الفساد والرقابة والمحاسبة.
وعرض الجبوري خلال الجلسة ورقة إصلاحات برلمانية تطابقت بعض النقاط فيها مع ورقة الحكومة، مثل «تخفيض عدد افراد الحراسة للمسؤولين، وإلغاء الحصص الحزبية والطائفية»، إلا أنها أضافت إجراءات كدمج بعض الوزارات وتقديم الوزراء «المقصّرين والفاسدين» لسحب الثقة عنهم، و «تفعيل النصوص» المتعلقة باقالة النواب الذين يتغيبون عن الجلسات، وتحديد ولاية الرئاسات الثلاث بدورتين فقط.
وستدمج وزارات عدة لتقليل عدد المناصب الوزارية لتصبح وزارتا التخطيط والمالية وزارة واحدة، وكذلك وزارات المياه والزراعة والبيئة التي ستدمج كلها مع وزارة الصحة، كما سيتم دمج التجارة والصناعة بوزارة واحدة، والبيئة والصحة بوزارة، والتكنولوجيا مع التعليم العالي بوزارة، والزراعة والموارد المائية بوزارة، فضلا عن الغاء وزارتي المرأة وحقوق الانسان.
وبالرغم من ترحيبه بنتيجة التصويت، دعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم الى «التمسك بمبادئ الدستور». وجاء في بيان للرئاسة ان معصوم يؤكد «احترام تصويت مجلس النواب»، مجددا دعوته الى «ضرورة التمسك بمبادئ الدستور في اتخاذ الاجراءات والقرارات وحماية التوافقات وكل ما من شأنه صون وحدة البلاد».
وبعد ساعات على التصويت، طلب العبادي من هيئة النزاهة الحكومية «رفع اسماء المتهمين بقضايا تتعلق بسرقة المال العام والتجاوز على ممتلكات الدولة والشعب لمنعهم من السفر واحالتهم الى القضاء».
ويستعد العبادي لتقديم الحزمة الثانية من الاصلاحاتِ إلى السلطة التشريعية، التي يتوقع أنها تتضمن إقالة عددٍ من الوزراء بعد تقليص ودمج وزاراتهم، والابقاء على خمس عشرةَ وزارة في الحكومة.
وتمنح الحزمة الثانية من الاصلاحات، في إحدى فقراتها، تخويلاً لرئيس الحكومة بإقالة المحافظينَ ورؤساء مجالس المحافظات والمجالس المحلية وتقليص أعدادهم، الامر الذي أثار تحفظ بعض الكتل السياسية باعتبار هذه الاجراءات «خرقٌ للدستور».
وأيدت الامم المتحدة خطوة العبادي، بحسب بيان لبعثتها في العراق. ونقل البيان عن القائم باعمال البعثة جورجي بوستن ترحيبه بالاقتراحات التي تأتي «في الوقت الذي يطالب فيه المزيد من الناس بالاصلاح والكفاءة»، معتبرا ان الفساد وعدم الكفاءة أدّيا «الى استياء شرعي واسع النطاق، الامر الذي يمكن ان تستغله الجماعات الارهابية لتحقيق مآربها».
بدورها، عدّت الولايات المتحدة الإصلاحات التي اتخذها العبادي، تشكل تحركاً نشطاً لتحقيق أداء حكومي أفضل يكون «أكثر شمولية وأكثر استجابة» لمطالب الشعب. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، إن «الولايات المتحدة تثني بالتأكيد على مبادرة رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لتحسين الأداء الحكومي»، مضيفا أنها «شأن سياسي داخلي».
ورأى كيربي، أن «العبادي يسعى من خلال تلك الإصلاحات إلى تحسين الخدمات ومراعاة جانب الشفافية»، معتبرا أنه «تحرك بنشاط في محاولته لتحقيق أداء حكومي أفضل يكون أكثر شمولية وأكثر استجابة لمطالب الشعب العراقي».
(«السفير»)