تحجيم التحايل الفرنسي واتفاق على آراك والسلاح والتفتيش .. حانت نهاية ليالي فيينا النووية
افراسيانت - محمد بلوط - السفير - فيينا التي أنهت خلافاتها حول الملف النووي تفاوض حول ساعة إعلان الاتفاق النووي الايراني الاميركي. وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية، يميل الايرانيون إلى إشهاره بأسرع وقت ممكن، كما تتمنى ذلك باريس ولندن وموسكو. أما المفاوض الاميركي فيسعى إلى إعلانه بتوقيت واشنطن الصباحي، وهو ما يرسله إلى ما بعد ظهيرة فيينا (وبيروت). يتيح التوقيت للرئيس الأميركي باراك أوباما مواكبة إشهار ما سعى إليه بقوة خلال العامين الماضيين وبعد عام ونصف من الاتفاقات المرحلية في جنيف، ولوزان، وجولات نمساوية لا نهاية لها من التفاوض طيلة سبعة عشر يوما، حافلة بالصعوبات، وإنجاز اتفاق لم ينفك الديبلوماسيون والوزراء، ويتبعهم الإعلاميون، عن رؤيته في متناول اليد، قبل أن يتأرجح في اللحظات الأخيرة.
وتقول مصادر ديبلوماسية إن الصيغة النهائية التي رست على 90 صفحة، وخمسة ملاحق، كانت تحت الترجمة إلى لغات عدة. ورست على وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف رعاية تقديم الاتفاق من مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، إلى جانب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني.
وتزامن الاقتراب من الاتفاق مع تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي الأخيرة على موقعه الالكتروني حول «مواصلة مواجهة غطرسة الاستكبار العالمي، بعد الاتفاق»، من دون أن يطرق باب أي خطوط حمراء جديدة للتسوية مع الأميركيين. وراح بعدها محمد جواد ظريف يعلن أن «لا إعلان عن الاتفاق اليوم (أمس) لكن لا تمديد للمفاوضات أبعد من الغد (اليوم)». ورأى رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي أن «الجوانب الفنية كلها قد أنجزت»، وكرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري «أن ساعة القرارات الحاسمة قد حانت»، فيما كان لافتا أن يقول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي عمل طويلا على عرقلة المفاوضات «لقد دخلنا منعطفا حاسما والاتفاق في متناول اليد».
ومن المتوقع أن يتبنى الاتفاق وجهة التسوية التي اقترحها الاميركيون في قضية العقوبات، وصيغة القرار الدولي في مجلس الامن، الذي يلغي مفاعيل القرارات الصادرة بحق ايران. وتقوم التسوية على تجزئة رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران إلى مراحل ثلاث، تنطلق الأولى مع الإعلان عن الاتفاق، وحين تصادق الدول المعنية عليه تبدأ المرحلة الثانية، وتنطلق المرحلة الثالثة منه مع بدء تطبيقه وبلوغ عمليات المراقبة الدولية مرحلة التحقق الصارم، وتقديم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو تقريره نهاية العام عن البرنامج النووي الايراني إلى مجلس الامن. وتعد التسوية انتصارا للايرانيين، بعدما كانت الوجهة الاولى لرفع العقوبات، ترتبط بعملية مراقبة مديدة للبرنامج النووي الايراني، قد تبلغ عامين أو أكثر.
ولم يحصل الفرنسيون على فرض عقوبات تلقائية على إيران من دون العودة إلى مجلس الامن، إذا ما خالفت الاتفاق. وتعد إعادة فرض العقوبات من دون العودة إلى مجلس الأمن بدعة في القانون الدولي لم يسبق لأحد أن اقترحها قبل الفرنسيين. وعارض الروس بشدة الاقتراح الذي يستهدف منعهم من الاعتراض على أي عقوبات ضد ايران، وهو ما يخشاه الفرنسيون، في ظل التحالف الايراني الروسي. وتم تسوية الاقتراح الفرنسي بآخر روسي ينص على تشكيل لجنة من الخبراء تتمثل فيها الدول الكبرى، تقرر إذا ما كانت إيران قد خالفت أم لا اتفاق فيينا، وهو ما يعيده عمليا إلى مجلس الامن.
وكانت ثلاث قضايا خلافية رئيسة أخرى في مفاوضات فيينا النووية قد شقت طريقها إلى الحل كي يجد معها الاتفاق الايراني الاميركي سبيله إلى الصدور.
أولا، لعبت الديبلوماسية الصينية والروسية دورا كبيرا في الساعات الأخيرة من فيينا، للتوصل إلى تسويات في الخلاف على تعديل قلب مفاعل «آراك». وافق الايرانيون على اقتراح صيني قضى بأن تتولى الصين الإشراف على فريق دولي يعمل على تعديل قلب «آراك». بند التعديل في «آراك» الذي تصدر اتفاق لوزان، كان الايرانيون قد تعهدوا إنجازه بأنفسهم.
يعمل «آراك» على إنتاج البلوتونيوم من خلال وضع «اليورانيوم 238» في قلب المفاعل الذي يحوي المياه الثقيلة، ويتحدد التفاعل بين اليورانيوم والمياه الثقيلة ومدة بقائه فيها بما يتعدى الأربعة إلى الستة أشهر، ويحدد حمولة البلوتونيوم ووجهة استخدامه. فعند تحوله إلى «يوارنيوم 239»، يستخدم عسكريا حصرا، أما تحويله إلى «يورانيوم 240» فيحصر وجهة استخدامه في مجالات الطاقة والطب والزراعة والأبحاث العلمية، وهو ما توفره التعديلات المطلوبة. كما تتعهد طهران بعدم بناء أي مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة خلال 15 عاماً.
ثانيا، دافع الروس والصينيون معا عن مصالحهم الايرانية، لا سيما في دعم المفاوض الايراني لرفع الحظر على توريد الأسلحة. ويخشى الغربيون تحديثا سريعا للحرس الثوري الايراني بعد استعادة أمواله المجمدة، ومضاعفة قدرته على تطوير برامجه التسليحية والصاروخية، وهو ما لم يتوقف عنه رغم الحصار. وتتجه التسوية إلى طرح رفع الحظر بعد ستة أشهر من الاتفاق وإنهائه خلال عامين.
ثالثا، تم التفاهم على صيغة وسطية لتفتيش بعض المنشآت الحساسة. التسوية التي سيحملها الاتفاق تناور بين الخطوط الحمراء الايرانية وتحريم أي تفتيش للمنشآت العسكرية، وبين إصرار الغربيين على تفتيش بعضها، مستندة إلى تقارير صدرت عن الاستخبارات الأميركية وتبنتها وكالة الطاقة الدولية تقول إنها قد شهدت تجارب نووية عسكرية، لا سيما منشأة «بارشين». وتم التفاهم على إعلام الايرانيين مسبقا لتفتيش المواقع التي سيتفق عليها. ولن يكون هناك أي مقابلات مع العلماء الايرانيين بعد تسريب أسماء في الماضي لعلماء عبر وكالة الطاقة الدولية اغتيل عدد منهم إثرها في طهران، كما لن تكون إيران ملزمة بتقديم أي وثائق عن برنامجها النووي، وهو ما طالب به الفرنسيون خاصة.
وتمت تسوية مصير مخزون الاطنان العشرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة بالاتفاق على بيعها من بلد ثالث، من المرجح أن يكون روسيا، وهو مغزى العرض الذي تقدم به علي أكبر صالحي من «أن إيران ستقوم ببيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة». والأرجح أن تبقى فيينا في إطار ما اعتمدته اتفاقية لوزان في خطوطها العامة. قدم الإيرانيون في لوزان، وهو ما سيبقى في فيينا، تعهدات واضحة تخفض عدد آلات الطرد المركزي من 19 ألف طاردة مركزية إلى ستة آلاف، 5060 منها سيحق لها العمل.
وكان الإيرانيون قد بدأوا برنامجهم بـ300 طاردة مركزية في العام 2003، على النمط الباكستاني، ووفق المخطط الذي قدمه إليهم عبد القدير خان، الذي «نسخه» من المركز النووي الهولندي الذي كان يدرس فيه في السبعينيات. إلا أن عدد الطاردات المركزية الإيرانية العاملة فعلياً لا يتجاوز التسعة آلاف حاليا، بينما كانت الطاردات الأخرى، منصوبة من دون إنتاج. وتسمح عمليات التخصيب، بالعدد المقترح، بالإبقاء على كميات تبلغ شهرياً 15 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب.
وتأخد فيينا من لوزان، تجميد تطوير أي آلات تخصيب جديدة، إذ حسم الاتفاق الاتجاه نحو 15 عاماً، مع تعهد إيران بعدم استخدام أي جيل جديد من الآلات التي تملكها تدرجاً من الجيل الثاني حتى الجيل الثامن، مع عدم تطوير أي جيل جديد، ووضع الفائض منها تحت رقابة وكالة الطاقة الدولية.
كرّس فيينا اعترافا واضحا بحق ايران بالتخصيب، بنسبة 3.5 في المئة، وهي نسبة كافية جداً للإبقاء على البرنامج النووي، ومكسب كبير للإيرانيين الذين يحققون اعترافاً دولياً بحقهم بتخصيب اليورانيوم، في بلد يملك مناجم كبيرة لاستخراجه، ولا يعاني من مشاكل أو عراقيل لتحويله.
ستخفض إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة والبالغ حاليا ما يقارب عشرة أطنان، ليصل إلى 300 كيلوغرام. وأرفق هذا البند ببند آخر، مهم جداً بنظر الأميركيين، وهو إلزام إيران بمهلة عام قبل خروجها من المعاهدة، إذا ما قررت ذلك، لتقييد أي احتمال أن تلجأ طهران إلى بناء القنبلة النووية، التي تحتاج إلى عام أو أقل وإلى 260 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، وهي مهلة ضرورية، كما قال أوباما، لتنظيم رد عسكري، أو عقابي ضد إيران.
ومع فيينا يمكن القول إنه من الآن فصاعداً سيعتمد البرنامج النووي الإيراني على منشأة «نتانز» وحدها دون المنشآت الأخرى، وهو تنازل مهم أمنياً وعلمياً. فإصرار الغربيين، وخصوصا الفرنسيين، على تهميش «فوردو» في البرنامج الإيراني، مرده التحصينات التي أقامها الإيرانيون في المنشأة الواقعة تحت ثمانين متراً في أنفاق جبلية منيعة لا يمكن الوصول إليها بأي صواريخ معروفة، ووجود أجيال جديدة كانت تعمل على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة. وبموجب الاتفاق فإن كل النشاط النووي سيتم في «نتانز» التي يمكن مراقبتها، وهكذا سيتحول «فوردو» لمدة 15 عاماً إلى مركز للأبحاث والتطوير الفيزيائي، ويتوقف عن الإنتاج.