افراسيانت - السفير - تركت القوى الغربية وإيران، في واحدة من أكثر اللحظات حرجاً في مسار المفاوضات النووية الجارية في فيينا، أمس، الباب مفتوحاً حتى السابع من تموز الحالي للتوصل إلى اتفاق نهائي تاريخي حول الملف النووي الإيراني، ولكن الرئيس الاميركي باراك اوباما شدد على أنه لن يوقّع «اتفاقا سيئا»، في وقت حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من مغبّة انتهاك الاتفاق من قبل الغربيين في حال حصوله.
وعلى الضفة الروسية المشاركة بفاعلية على ما يبدو في المراحل النهائية الأكثر تعقيداً من المفاوضات، برز تفاؤل وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي اعتبر أن الاتفاق بات في «متناول اليد»، مشيراً إلى أن المفاوضات تتقدم في «الاتجاه السليم»، وتبقى قضايا تتصل بشكل رئيسي «بمشاكل ذات طابع إجرائي أكثر منه تقني».
وعند هذه المسألة تحديداً تبقى أبرز نقاط الخلاف الرئيسية هي السماح للمفتشين الدوليين بدخول مواقع عسكرية إيرانية، الأمر الذي وضعه المرشد الأعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي مرارا في خانة «الخطوط الحمر»، كما يضعه المفاوضون الايرانيون في خانة «المطالب المبالغ فيها»، التي قد تؤدي إلى تعطيل الاتفاق.
وعلى ضفة التعطيل أيضا، جدد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس، معارضته التوصل إلى اتفاق نووي مع ايران، مؤكدا أن الخيار العسكري بالنسبة إلى إسرائيل «يبقى قائما». وقال «نعتقد إنه سيكون خطأ جسيماً السماح لهذا النظام الإرهابي بالحصول على أسلحة نووية، هذا ما سيؤمنه الاتفاق المطروح لهم».
ورفع الرئيس الأميركي، أمس، من سقف توقعاته حول مسألة التفتيش قائلا «لو كان نظام التفتيش.. نظام التحقق من الالتزام منقوصاً فلن نصل إلى اتفاق وقد أوضحنا ذلك بجلاء للحكومة الإيرانية»، مشددا على أن تعليماته للمفاوضين واضحة بأن بلاده ستغادر «طاولة المفاوضات اذا كان الامر يتعلق باتفاق سيئ».
ويبدو أن النقاط العالقة تحديداً في مسألة التفتيش هي ما دفعت الطرفان إلى الاتفاق على تمديد المفاوضات أملا بالتوصل إلى اتفاق نهائي «طويل الأمد»، بحسب ما أعلنت المتحدثة الأميركية ماري هارف في فيينا، حيث أكدت على «أن دول 5+1 وايران قررت تمديد التدابير المتخذة في إطار خطة العمل المشتركة حتى 7 تموز، بغية اتاحة مزيد من الوقت امام المفاوضات للتوصل الى حل طويل الامد في الملف النووي الايراني». ولفتت هارف إلى أن التمديد الجديد «لا يعني بالضرورة أن المفاوضات ستتواصل حتى السابع من تموز أو أنها ستنتهي في هذا التاريخ».
واعتبر الرئيس الايراني حسن روحاني، بحسب وكالة الانباء الطلابية «ايسنا»، أن «جزءا كبيرا من النقاط قد تمت تسويته، لكن ما زال هناك جزء (من دون حل)»، وأضاف أنه «يمكن تسوية البعض خلال الايام المقبلة إن لم يكن هناك مطالب مبالغ فيها وإن بقينا في إطار» الاتفاقات المرحلية المبرمة سابقا.
واستؤنفت المحادثات ثنائيا وجماعيا في فيينا، أمس، حيث عاد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إليها بعد مشاورات استمرت أربعا وعشرين ساعة في طهران، وعقد جلسة محادثات طويلة مع نظيره الاميركي جون كيري، كما التقى أيضا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو.
وبعيد وصوله إلى فيينا قال ظريف إن «المفاوضات بلغت نقطة حساسة»، وشدد على أن «الاتفاق الوحيد الذي ستوافق عليه الامة الايرانية هو اتفاق منصف ومتوازن يحترم العظمة الوطنية وحقوق الشعب الايراني»، كما أقر مصدر ايراني بـ «أن المحادثات تتقدم ببطء».
ويشكل تفتيش المواقع العسكرية الايرانية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية واحدة من النقاط الاساسية في المفاوضات، فالوكالة تستطيع حتى الان الوصول الى المواقع النووية الايرانية المعلنة، لكنها تريد الحصول على إمكانية توسيع دائرة عمليات التفتيش لتشمل مواقع عسكرية، وقد أبدى خامنئي الذي تعود له الكلمة الفصل بشأن الملف النووي معارضته مرارا لهذا الطلب.
إلى ذلك ما زالت مسائل أساسية أخرى تنتظر تسويتها، مثل مدة الاتفاق. وتريد المجموعة الدولية أن تحد البرنامج النووي الايراني لعشر سنوات على الاقل، لكن خامنئي رفض الاسبوع الماضي الحد من القدرات الايرانية فترة طويلة. كذلك يشكل رفع العقوبات أيضا عقدة بالغة الاهمية، لأن ايران تأمل في تدابير فورية لرفعها، بينما يصر أعضاء في مجموعة «5+1» على رفع العقوبات بشكل تدريجي.
ونفی مفاوض إیراني في تصریح لقناة «المیادین» ما نقلته إحدی الوکالات عن مسؤول أمیرکي بشأن التوصل إلی برنامج لدخول المواقع العسكریة الإیرانیة، وأکد أن المعلومات المذکورة «مضلّلة» وهي تهدف إلی التأثیر سلباً علی المفاوضات، مشدداً على أن «طهران لن تسمح لأي طرف بتفتیش مواقعها العسكریة لأنّها غیر مرتبطة بعمل الوکالة الدولیة للطاقة الذریة».
وكان مسؤول أميركي بارز قد أعلن في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنه تم التوصل خلال المحادثات إلى نظام يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول جميع المواقع الايرانية المشتبه بها.
وحذّر روحاني من أن طهران سوف تستأنف أنشطتها النووية المعلّقة إذا تراجعت الدول الغربية عن الاتفاق النهائي، ونقلت وكالة الأنباء الايرانية الرسمية (ارنا) عنه قوله «إذا توصلنا إلى اتفاق فينبغي أن يلتزم به الجانبان»، مضيفا «إذا انتهك الطرف الآخر الاتفاق فسنعود للمسار القديم وبأقوى مما يتخيلون».
من جانبه، لفت أوباما إلى أن «هدف المفاوضات ليس الاستناد الى الثقة بل تحديد آلية يمكن التحقق منها ونغلق عبرها السبل التي تتيح لايران الحصول على السلاح النووي»، مؤكداً أن جميع دول مجموعة «5+1» التي تشارك في المفاوضات هي «تماما على الموجة نفسها».
ونبّه الرئيس الأميركي إلى أنه «انطلاقا من سلوك ايران في الماضي، فإن مجرد تصريح من ايران وبعض المفتشين الذين يتنقلون من وقت الى اخر لن يكون امرا كافيا»، وقال أيضا «في النهاية، يعود إلى الايرانيين أن يحددوا ما إذا كانوا مستعدين لاحترام المطالب التي أعلنها المجتمع الدولي».
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الاجتماع الذي جمع كلا من كيري وظريف كان «إيجابيا». وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إن الوزيرين عقدا مناقشات مطولة مباشرة، وأضاف «جرى إبلاغي بأنه كان اجتماعا إيجابيا».