افراسيانت - هاني ابراهيم - بجانب الرغبة المصرية في ألا تصير ورقة غزة عرضة لتدخّل قطري، أو حتى أممي من دونها، سارع مسؤولو الملف الفلسطيني في جهاز «الاستخبارات العامة» إلى لملمة أوراق القطاع مجدداً. يزيد على ذلك رغبة في اقتناص الفرصة من مليار دولار يجمعها نيكولاي ملادينوف من أجل مشاريع تأهيلية
غزة | سريعاً عاد جهاز «الاستخبارات العامة» المصرية إلى تفعيل خط غزة - القاهرة بالتواصل مع حركة «حماس»، خصوصاً بعدما باتت أيدي الوسطاء والعروض تتزايد، ودخل كل من القطريين والألمان في ملف الجنود الإسرائيليين المفقودين في القطاع. نشاط يكاد لا يفسره، وفق مصادر في «حماس»، سوى أن مصر ترى أن أي تجاوز لدورها حتى لو كان عبر الأمم المتحدة سيعني ضربة قوية لمقعدها في «صفقة القرن»، وهو ما جعلها تحشر حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية في خانة الرد القريب على رؤية جديدة اقترحتها، أو ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لغزة، وإلا ستضطر إلى أخذ الدور بنفسها، خصوصاً أنها لم تستطع رعاية اتفاق المصالحة الأخيرة الذي وقع بإشرافها.
والآن تتقدم مصر بسرعة بعدما حصلت على رد سريع من «حماس» التي غادر وفدها القاهرة منذ أيام قليلة، إذ اتصل رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، برئيس جهاز «الاستخبارات» عباس كامل، ناقلاً له موافقة حركته «على الورقة المصرية التي قُدمت إلى الوفد في زيارته الأسبوع الماضي»، والتي كانت «حصيلة حوار معمق... اعتماد قيادة الحركة لها انطلاقاً من تقديرها الظروف الاستثنائية التي تمر بها الساحة الفلسطينية والاستهداف الخطير للقضية بخاصة في ملفي القدس واللاجئين».
من جهة ثانية، تلقت القاهرة وعداً من المنسق الخاص للأمم المتحدة لـ«عملية السلام»، نيكولاي ملادينوف، يقضي بإتمام جزء كبير من مشاريع تأهيل القطاع عبر القاهرة، ما يعني استفادة مالية للأخيرة، لكن ملادينوف اشترط أن يكون للسلطة دور في ذلك وأن تعود إلى غزة. وعملت «الأخبار» من مصادر أن المبالغ التي يسعى ملادينوف إلى جمعها لغزة تقدر بقرابة مليار دولار ستُصرف في مشاريع تنموية واقتصادية، بما في ذلك إقامة منطقة تجارية ومحطة للطاقة الكهربائية على الأراضي المصرية لمصلحة القطاع.
أما عن الرؤية الجديدة، فتقول المصادر إنها ستكون وفق الترتيب الآتي: أولاً حل ملف المصالحة، ثم ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى، ثم التهدئة الطويلة ورفع الحصار عن القطاع، وهو ما رحبت به الحركة لكنها شددت على ضرورة فصل الملفات عن بعضها بعضاً، خصوصاً قضية الجنود والتهدئة. أما في حال إعاقة السلطة البند الأول، فلدى المصريين خطة بديلة تقوم على تجاوز رام الله والاتفاق مع إسرائيل، إذ ستعمل هاتان الجهتان إلى دفع المانحين لقبول العمل من خلال مصر والجهات الدولية بحجة رفض السلطة ونيتها تفجير الأوضاع في القطاع نحو حرب لا تريدها إسرائيل أو «حماس» حالياً. وبصيغة مخففة، أخبرت السلطات المصرية، «حماس»، أنه في حال رفضت السلطة الطرح المصري، سيصار إلى تجاوزها والانتقال إلى ملف رفع الحصار عن غزة بمشاركة دولية تمهيداً لبدء المشاريع، ثم حل ملف الجنود وإبرام التهدئة مع إسرائيل.
تقول المصادر، التي اطلعت على فحوى العروض والمحادثات الدولية، إن هناك رغبة دولية وخليجية في وضع غزة تحت الوصاية المصرية عبر المشاريع الاقتصادية والكهرباء، الأمر الذي يشكل ضماناً للتهدئة، بل يمكن أن تكون مصر هي المتحكمة بكلّ المعابر حتى مع الاحتلال، كطرف بين إسرائيل و«حماس»، مع أن هذه الخطوة تعني فصلاً لغزة عن الضفة. وتزامن هذا الطرح مع مناقشة الكنيست لقانون يهودية الدولة يمثل «خطراً كبيراً» على القضية، وهو ما جعل الحركة تتحسس من كون الخطوات الحالية تنفيذاً عملياً لـ«صفقة القرن» بصمت، بناء على النصيحة التي قدمتها دول عربية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتمرير الصفقة من دون ضجة إعلامية. أما «حماس»، تضيف المصادر، فهي تدرك هذا الأمر «لكنها تسير في هذه المسارات بفعل الضغط الذي يعيشه الغزيون».
الورقة المصرية
ماذا في الورقة المصرية؟ علمت «الأخبار» أن الرؤية المحكي عنها تتحدث عن «تفعيل المصالحة بين حماس وفتح التي بنيت على اتفاق القاهرة عام 2011»، لكن الجديد هو ارتباطها بجدول زمني في عدد من الخطوات، أبرزها تشكيل لجنة عليا من قيادة «الاستخبارات المصرية» والحركتين لمتابعة التنفيذ. لذلك، يجب أن يعود الوفد الأمني المصري إلى غزة لإكمال ملفات المصالحة بما في ذلك تسليم الوزارات لوزراء حكومة «التوافق الوطني» بالهياكل نفسها التي هي عليها. مقابل هذا، ترفع السلطة العقوبات التي فرضتها، ثم تبدأ مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ضمن جدول زمني يشمل تحديد مواعيد للانتخابات العامة، وهذا كله لا يزال مرهوناً برد إيجابي من «فتح».
كذلك، تنص الورقة المصرية على تسليم الجباية الداخلية في غزة للحكومة، إذ تحوّل الأموال من مالية غزة إلى رام الله، وذلك تزامناً مع توفير دفعات مالية للموظفين المدنيين في غزة سواء من وظفتهم السلطة أو «حماس»، إلى حين إتمام دمج الموظفين المدنيين وتوفير رواتب للعسكريين. وقررت الورقة أن تستكمل «اللجنة الإدارية» عملها لدمج الموظفين. أما عن الأمن، فسوف تشكل لجنة مشتركة ستدير الوضع الأمني في غزة، فيما ستشكل لجنة أخرى تضم الجانب المصري لحل قضية إدارة الأجهزة ووضع الموظفين العسكريين.