افراسيانت - تعرّف انقرة غراهام فولر بانه احد عناصر الاستخبارات الأميركية، لكنه باحث له تحليلات صائبة في ما يتعلق بتركيا والشرق الأوسط اللذين يعرفهما عن كثب.
وفي احد تحليلاته الأخيرة كان متوازناً للغاية في تشخيص العلاقة بين تركيا و»داعش». يقوم فولر بداية بتحليل لـ»حزب العدالة والتنمية». حزب (الرئيس رجب طيب) اردوغان يأتي من التقليد الإسلامي لتركيا. «العدالة والتنمية» ربما هو الحزب الأكثر اعتدالاً وواقعية وفائدة، وربما نجاحاً، من بين الأحزاب الإسلامية في العالم الإسلامي.
يمكن مقارنة «حزب العدالة والتنمية» بحركة «الإخوان المسلمين» الضخمة، لكنه أكثر منها تقدماً وكفاءة، وفي السياسة أكثر خبرة. أردوغان وجانب من «العدالة والتنمية» ينظران إلى «الإخوان» على أنها الأكثر وعداً في العالم العربي من بين الحركات الإسلامية، لأنها منفتحة على طروحات الديموقراطية والعولمة والتسامح والحوار. وبسبب تعاطف اردوغان معها فقد اختلف مع (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي الذي سحقها، ومع السعودية التي أعلنتها منظمة إرهابية.
على الرغم من أن تنظيم «داعش» هو في قمة العناصر المتطرفة في التيار الإسلامي والنزعة الإسلامية، غير أن اردوغان و «حزب العدالة والتنمية» غضا النظر عن «داعش» في الحرب في سوريا بسبب انه يريد خلع (الرئيس بشار) الأسد. فما هو السبب الذي حدا بأردوغان لكي يحوّل مسألة إسقاط الأسد إلى قضية دم شخصية؟
تبعاً لفولر يوجد عاملان: الأول هو علاقة الماضي الشخصية له مع الأسد، والثاني هو العامل الكردي.
العلاقة بالأسد
لقد تعاطى اردوغان مع الأسد، على امتداد عشر سنوات، كما لو أنه «الأخ الأكبر» لحل المشكلات الداخلية والخارجية لسوريا، وفي موضوع تطوير العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وما إن عصفت رياح الربيع العربي حتى كان اردوغان مصراً جداً على أن يقدم الأسد تنازلات للمعارضة في مواضيع الحقوق الديموقراطية. لكن الأسد لم يُصغِ إليه. هنا رأى اردوغان أن تطلُّعه ليكون زعيماً مؤثراً في الشرق الأوسط وفي سوريا قد ألقيت عليه الظلال، وأصيب بخيبة أمل عميقة. ومن أجل إسقاط النظام في سوريا في فترة قصيرة لجأ إلى اعتماد كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف.
لكن نظام الأسد قاوم حتى الآن وصمد، بسبب انه يستند لجذور مؤسسية من جهة ولخوف الآخرين من حلول المتطرفين الدينيين بدلاً منه في السلطة من جهة أخرى. لكن أردوغان لم يتخلّ عن قراره. وهذا خلق هوة مع كل من مصر والسعودية ولبنان وإيران. إن عدم اتخاذ تركيا موقفاً معادياً لـ «داعش» ومن القوى الراديكالية الأخرى ليس لأنها إسلامية بل لأنها ضد الأسد.
العامل الكردي
لقد كانت حكومة اردوغان الأكثر جرأة بين الحكومات التركية في مسألة تطوير الحوار مع «حزب العمال الكردستاني» والاعتراف بالواقع الكردي. لكن وهي تقوم بذلك فإنها أصبحت قلقة من تصاعد نفوذ الحالة الكردية في الشرق الأوسط.
لقد استفاد أكراد سوريا من الحرب في سوريا وشكلوا مع «الكردستاني» منطقة نفوذ جديدة إلى الجنوب من تركيا، وحملوا إمكانية تغيير الخريطة المعروفة لتركيا. وهذا الواقع جعل الحكومة التركية أكثر إصراراً على إسقاط نظام الأسد. بل لتقطع الطريق أمام هذا التطور المحتمل (الأكراد) بدأت أنقرة تنظر إلى التنظيمات المتطرفة، مثل «داعش»، على أنها «أهون الشرين».
يرى فولر أيضاً أن تركيا، بقيادة اردوغان، قد ابتعدت منذ وقت طويل عن أن تكون حليفاً ينفذ ما تمليه عليه الولايات المتحدة، ورأت في نفسها قوة إقليمية وعالمية. وباتت الدولتان تنظران إلى القضايا العالمية بشكل مختلف. والآن فإن تضييق الهوة بينهما تبدو صعبة للغاية.
دوغو ارغيل ــ «بوغون»