افراسيانت - العرب - منى المحروقي - تسارعت الأحداث في ليبيا في الفترة الأخيرة بشكل عكس حدة التنافس بين الفرقاء الليبيين، ففي حين ترفض السلطات في الشرق منح الثقة لحكومة الوفاق الليبية قبل إجراء التعديل عليها لا يبدو المجلس الرئاسي آبها لهذا الأمر في ظل الدعم الغربي الذي يحظى به وعلى رأسه الدعم الأميركي.
لا تبدو مساعي الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على ليبيا خافية على المتتبع للواقع السياسي هناك، وبات هذا الهاجس واضحا للعيان خاصة بعد مؤتمر فيينا الذي ترأسته أميركا والذي خرج بقرار دعم حكومة الوفاق ماليا وعسكريا قبل منحها الثقة من مجلس النواب ما أثار حفيظة الفرقاء الليبيين.
وفي خطوة أثارت الكثير من الاستغراب، أقدم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الإثنين الماضي، بمراسلة أميركا لإعلامها بأن محافظ مصرف ليبيا المركزي بمدينة البيضاء، علي الحبري، أبرم اتفاقا مع شركة دولية لطباعة وتسليم كميّة كبيرة من الأوراق النقدية الليبية، وذلك في إشارة إلى العملة التي تم طباعتها بجمهورية روسيا.
وكان البنك المركزي بمدينة البيضاء قد أعلن أنه اتخذ خطوات بطباعة عملة جديدة في روسيا، وأنه سيبدأ توزيعها بداية من الشهر القادم، والتي من المتوقع أن تساعد على حلحلة أزمة السيولة الخانقة، مع استخدام مجموعة من الأدوات النقدية للتخفيف من التضخم.
وبناء على رسالة المجلس الرئاسي أصدرت أميركا بيانا قالت فيه إن مصرف ليبيا المركزي ومقره في طرابلس هو “المؤسسة المصرفية الوطنية الوحيدة التي تعمل تحت إشراف وإدارة حكومة الوفاق”.
واستندت أميركا في هذا الموقف إلى قرار مجلس الأمن رقم 2259 الذي دعا جميع الدول افي الأمم المتحدة إلى وقف دعم المؤسسات الموازية أو الاتصال الرسمي بها.
واعتبر المجلس الرئاسي أن المصرف المركزي بمدينة البيضاء يسعى بهذه الخطوة لدعم الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، الأمر الذي نفاه المصرف، لكن ما أثار استغراب المصرف المركزي بمدينة البيضاء هوعدم اعتراف المجلس الرئاسي به وبمحافظه علي الحبري، حيث أصدر بيانا قال فيه إن قرار صك العملة الجديدة جاء بعد اجتماع بين محافظ المصرف علي الحبري ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ونائبه فتحي المجبري في العاصمة تونس ما يعني أن المجلس الرئاسي كان يعترف بشرعية المصرف قبل أن يغير رأيه.
وأدان المصرف المركزي بالبيضاء ما جاء في بيان الولايات المتحدة الأميركية، واعتبر ذلك تدخلا سافرا في الشأن الليبي. وأكد أن الإجراء الذي قام به نابع من صلاحيات مجلس إدارة المصرف المركزي الذي يتبع السلطة التشريعية الممثلة في مجلس النواب المعترف به دوليا، وفقا لقانون البنوك وهو يحظى باستقلالية تامة عن الحكومة، وينأى بنفسه عن الصراعات السياسية.
وأكد أن مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء لا يتلقى تعليماته من الحكومات المتواجدة على الأرض وإنما يسعى لتوفير السيولة للمواطن أينما وجد لتداولها بمعاملاته اليومية، وفي إطار السياسات النقدية التي أقرها مجلس الإدارة.
ويربط محللون وسياسيون التفاف المجلس الرئاسي على الاتفاق الذي حصل بينه وبين محافظ مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء، علي الحبري، بالتطورات الميدانية والسياسية الحاصلة في ليبيا والتي باتت تصب في مصلحة الحكومة المؤقتة والجيش الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر.
وفي هذا السياق قال عضو مجلس النواب، صالح افحيمة، في تصريح خاص لـ”العرب”، “إن جملة من العوامل دفعت بالمجلس الرئاسي إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأميركية لعل أبرزها النجاحات التي حققتها القوات المسلحه الليبية وخصوصا الانتصارات في مدينة بنغازي والتقدم على الحقول النفطية، إضافة إلى الاستعراض الكبير لقدرات منتسبي وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المؤقته بمدينة الزنتان، أي على بعد عشرة كيلو متر من العاصمة طرابلس.
وأضاف افحيمة أن النجاح الكبير الذي حققته زيارات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والوفود التابعة للمجلس لبعض الدول الشقيقة والصديقة وما ترتب عليها أثار غضب المجلس الرئاسي وجعله يتخبط في اتخاذ قراراته.
ولم يبد افحيمة في حديثه لـ”العرب” أي استغراب من البيان الذي أصدرته الولايات المتحدة الأميركية، واعتبره “حلقة في سلسلة التدخلات التي سمح بها المجلس الرئاسي المقترح منذ أن تولى السلطة التنفيذية في ليبيا بدعم وتأييد من المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، الذي منح الشرعية للمجلس الرئاسي.
ويرى مراقبون أن دعم الدول الغربية للمجلس الرئاسي وحكومته قبل أن يحظى بثقة البرلمان يأتي في إطار السعي لإنشاء جسم سياسي خاضع لها، الأمر الذي يساعدها على تنفيذ أجنداتها في ليبيا وكامل المنطقة بسهولة، لعل أبرزها السماح لها بالتدخل العسكري للقضاء على تنظيم داعش الذي ينتشر في مناطق مختلفة من البلاد.