افراسيانت - تملك الخرطوم بعض الأوراق القوية للضغط على مصر في ما يتعلق بقضية منطقتي حلايب وشلاتين اللتين يقول السودان بتبعيتهما له، ولعل إحدى أهم هذه الأوراق ملف سد النهضة الإثيوبي الذي يؤرق القاهرة.
العرب [- الخرطوم - ترى أوساط سودانية أن القرار المصري بإخضاع حلايب وشلاتين لتقسيم إداري جديد يعد ردا حاسما، وقد يكون استفزازيا، على مطالبات سودانية تصاعدت في أبريل الماضي بإعادة المناطق المتنازع عليها مع مصر إلى السيادة السودانية.
وتملك الخرطوم أوراقا للضغط على مصر بشأن هذا الملف، ولعل من أهمها مشروع سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل.
ويشكل المشروع صداعا مزمنا للحكومة المصرية خاصة وأنه يهدد بتقليص حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب).
وكان وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور قد أعلن أمام المجلس الوطني (البرلمان) أن حكومته لن تتخلى عن سيادة السودان على مثلث حلايب، مضيفا أنه قد “اتخذنا الإجراءات القانونية والسياسية بما يحفظ حقوقنا”.
وتحتج الخرطوم على إدارة مصر لحلايب وشلاتين الواقعتين على البحر الأحمر اللتين يؤكد السودان سيادته عليهما منذ استقلاله عام 1956.
وتطل منطقة حلايب على ساحل البحر الأحمر على الحدود بين البلدين، وتضم حلايب وأبو رماد وشلاتين، وتتجاوز مساحتها الـ20 ألف كيلومتر مربع، ويناهز عدد سكانها الـ27 ألفا.
والمنطقة متنازع عليها تاريخيا بين مصر والسودان وقد ارتفع منسوب هذا النزاع منذ عام 1995، حين قامت القاهرة بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرض إدارتها على المنطقة، إثر اتهامات للسودان بالوقوف وراء محاولة لاغتيال الرئيس حسني مبارك.
وكانت الخرطوم طالبت القاهرة بالتفاوض المباشر حول مثلث حلايب وشلاتين، أسوة بما اتفقت عليه مع السعودية في الثامن من أبريل الماضي بإعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما وما تضمنه ذلك من نقل لجزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، وهو اتفاق أثار ردود فعل كبيرة في مصر.
ولوحت الخرطوم باللجوء إلى التحكيم الدولي من أجل حسم النزاع، في حال عدم قبول التفاوض المباشر.
واتخذت مصر في السنوات الأخيرة قرارات ذات صبغة إدارية تكرس سيادتها على حلايب، ومنها قرارها بضم المنطقة لدوائرها في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2014.
تدور أسئلة في القاهرة حول مآلات التفاوض حول سد النهضة في حال تراجع الموقف السوداني.
وقبلها كانت وزارة التعليم، في عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور قد اتخذت إجراءات عدت الأولى من نوعها في تاريخ التعليم المصري، وتقضي بطبع أغلفة مرسومة على الكتب المدرسية عليها خريطة مصر، وتضم منطقتي حلايب وشلاتين.
كما اتخذت الرئاسة في ذلك الوقت قرارا بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية بالتعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وشركة شلاتين للثروة المعدنية، للبحث عن الذهب والمعادن المُصاحبة له واستغلالها في مناطق، (جبل إيقات، وجبل الجرف ووادي ميسح، وجبل علبة ومنطقة أسوان)، بالصحراء الشرقية.
وعندما أجريت الانتخابات الرئاسية في مصر، أصرت الحكومة المصرية على وجود لجان انتخابية في حلايب وشلاتين، الأمر الذي تسبب في أزمة داخل البرلمان السوداني، واتهم عدد من أعضاء البرلمان الحكومة السودانية، بالتهاون والتراخي مع السلطات المصرية، في ما يتعلق بالمثلث.
والظاهر أن السودان، ولأسباب تتعلق بأولوياته الإقليمية، أهمل هذا الملف أو جمّد إثارته بانتظار توافر ظروف أخرى.
ويرى مراقبون أن هذه الظروف باتت متوفرة وتقف وراء مطالبة وزير خارجية السودان، الشهر الماضي، بتسليم بلاده نسخة من الاتفاقية المصرية السعودية التي بموجبها تخلت مصر عن جزيرتي صنافير وتيران إلى السعودية، موضحا أن بلاده تريد أن ترى “تأثير هذه الاتفاقية على حدودنا البحرية”.
وتلقي الأزمة بظلالها على مسألة المفاوضات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي. فقد اعتبرت أوساط إعلامية مصرية أن حديث الرئيس السوداني عمر البشير للتلفزيون الإثيوبي عن إيجابيّات السدّ لبلاده وإثيوبيا الشهر الماضي جاء بمثابة رد سوداني يعكس تصاعد أزمة مثلّث حلايب من جديد بين القاهرة والخرطوم، لا سيما أن تصريحات البشير تلت مباشرة مطالبة الخارجية السودانية بالتّفاوض المباشر (أو التحكيم الدولي لحلّ الأزمة) على منوال ما تم مع السعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير.
وتدور أسئلة في القاهرة حول مآلات التفاوض حول سدّ النهضة في حال تراجع الموقف السوداني.
يذكر أن اجتماع الّلجنة الثلاثيّة لسدّ النهضة في الخرطوم في فبراير الماضي قد شهد توتّرا بين الوفدين المصري والسوداني بعد اعتراض مصر على استخدام الشركات الفرنسيّة المنفّذة للدراسات خرائط تظهر وقوع منطقة حلايب وشلاتين داخل الحدود السودانيّة.
وكانت تقارير متابعة للمفاوضات بشأن سد النهضة قد توقعت أن ترضخ مصر أمام التحالف السوداني ـ الإثيوبي، متوقعة أن يستخدم الرئيس البشير ملف حلايب لاستعادة شعبيته المتآكلة في البلاد، معتبرة أن البشير يستخدم بمهارة ورقة سد النهضة للضغط على القاهرة.
وتقول التقارير إن الأوراق التي تملكها مصر ضعيفة، في حال فقدت الدعم السوداني، ما سيضطرها إلى القبول بالمواصفات الإثيوبية للسد دون أي تعديل.
وترى أوساط متخصصة أنّ موقف السودان الذي عبّر عنه الرئيس السوداني شخصيا بات يجاهر بالتمايز عن الموقف المصري، وأن القاهرة تخسر بذلك موقفا سياسيا أساسيا، وأنه لم يعد أمامها إلا انتظار تقرير الجهات الفرنسية الاستشارية كمرجع دولي لإثبات أضرار سد النهضة.
ويعتبر مراقبون أن السودان ينتهز هذه القضية للضغط على مصر في مسألة مثلث حلايب، كما ينتهز مسألة الاتفاق الأخير حول جزيرتي تيران وصنافير مع السعودية لاستدراج مقاربة مثيلة. وتتحدث أوساط مصرية مراقبة عن ظهور تحالف سوداني إثيوبي كانت مصر تشعر به وتدرك أن الخرطوم تحاول إخفاءه قبل ذلك.
وتحذر مصادر دبلوماسية من تفاقم الأزمة بين البلدين حول هذا النزاع، كما تحذّر من تداعي ذلك على التحالفات الاستراتيجية التي تسعى السعودية إلى تفعيلها.