افراسيانت - بقلم: علي قباجه - دأبت إسرائيل من خلال الأفعال والأقوال، على تهويد فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، ولم تكن يوماً تطمح إلى سلام أو تسوية، بل إن هدفها الأكبر تهجير ما تبقّى من الفلسطينيين، لتخلو لها الأرض، تنفيذاً لنبوءات تلمودية مزعومة، التي ترى في الأرض المقدسة دولة يهودية، ومن خلال هذا البعد الديني الإسرائيلي للصراع، فإن الاحتلال بمجتمعه وحكومته متوحد حول فكرة أن العدو هو العرب الذين يطالبونه بالأرض المسلوبة، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يتعامل مع الفلسطينيين وظهيرهم العربي والإسلامي بمعزل عن هذه الأفكار.
وتصريح «رئيس الكنيست» الذي عزّز هذه الفكرة بقوله: إن حل الدولتين لا يصلح، أوضح بدون التباس الموقف الإسرائيلي الذي نعى أي مطالبات بدولتين في فلسطين التاريخية.
وخلال 40 سنة من المحاولات لإيجاد صيغ مشتركة مع دولة الاحتلال لتسوية شاملة، يكون لإسرائيل فيها دولة في مساحة محددة، على أن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية على أرضي ال67، باءت بالفشل، إذ ما زالت الأراضي العربية محتلة كالجولان ومزارع شبعا اللبنانية، والدولة الفلسطينية ذهبت أدراج رياح الاستيطان والتغوّل اليومي، ولم يعد بالإمكان إقامتها على أراض مجزأة وفتات، إذ إن المستعمرات نخرت الضفة، ومصادرة الأراضي تسير على قدم وساق، والقتل يومي، والاعتقالات على أشدها، واستباحة مؤسسات السلطة لم تتوقف.
ولكن في المقابل، فلا بد أن ينسجم الخطاب الفلسطيني والعربي مع حجم الإسفاف الإسرائيلي الضارب لكل الحلول عرض الحائط، فالمطلوب فلسطينياً هو التنصّل من كل الاتفاقيات، وعدم المناداة بحل الدولتين، فالسارق يتبجّح ويسعى لضم كل فلسطين، إذاً، فصاحب الحق هو أولى بالمطالبة بكامل حقوقه دون انتقاص، ففلسطين كلها لا بد أن تكون في صلب النضال لاستعادتها، وأيضاً العمل على عدم إضفاء أي شرعية قانونية على كيان الاحتلال القائم على أراض مسروقة. ف إسرائيل لا حق لها، والنضال لتحرير يافا وحيفا وعكا وصفد، يجب أن يتساوى مع النضال لتحرير رام الله والخليل ونابلس وغزة.
إسرائيل نسفت كل المبادرات والاتفاقيات الموقّعة، وهي أساساً لم توافق عليها، وانطلاقاً من ذلك، فالسلطة عليها أن تغيّر نهجها، وأن توضّح للعالم أن للشعب حقاً مسلوباً في كل فلسطين، فمن غير المنطقي أن يتبجح الاحتلال باحتلاله، في حين أن الفلسطيني يطالب على استحياء بجزء من الأرض، بينما يقع على عاتق العرب نبذ الاحتلال، والعمل على نزع شرعيته دولياً، والمحاولة لتغيير الرأي العام العالمي أن «إسرائيل» هي مجموعة عصابات مارقة تحكم دولة مسروقة، وهي لا يمكن أن ترقى لمستوى الدولة، ولا بد لهذه العصابات عاجلاً أو آجلاً الرحيل، وأن تخرج من الأرض إجباراً بكل الطرق النضالية المشروعة. فهل يبادر أصحاب الحق إلى المطالبة بحقوقهم دون انتقاص، أم أنهم سيبقون يمارسون ردّات الفعل على حساب صناعة الأحداث والفعل؟.
الفلسطينيون يملكون إمكانيات تغيير الواقع السياسي والميداني من خلال رفع سقف المطالب، فحينئذ سيجبرون العالم على الالتفات إلى مظلمتهم، وردع الاحتلال عن استمرائه الخوض في حقوق الشعب الأعزل إلا من إرادته الصلبة.