افراسيانت - بقلم: مصطفى السعيد - كنت أتمنى أن تكون مؤشرات التفاؤل في العام الجديد أفضل من الماضي، لكن للأسف فإن المعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية تدفع قادة العالم ليكونوا أكثر حذرا، واتخاذ ما يلزم قبل الوقوع في براثن الأزمات.
إن الأوضاع الاقتصادية تتأزم بسبب تضافر أكثر من سبب في الوقت نفسه، وهو ما يجعل القدرة على العلاج صعبة، بل أقرب للمستحيلة إذا حدثت، ولهذا تحتاج إلى إجراءات تصحيحية مبكرة، فديون دول العالم تتفاقم إلى درجات خطيرة تجاوزت فيها الناتج الإجمالي، وهو الخط الأحمر للاستدانة، ومع ذلك تم تجاهل هذا الخط عدة مرات في أكثر من دولة، فرغم ارتفاع الناتج المحلي الأمريكي إلى 20.4 تريليون دولار، فإن ديونها تجاوزت 21 تريليون دولار، وتعرضت فرنسا لأزمة إقتصادية وسياسية حادة، وتجاوزت ديونها 3 تريليونات يورور، بينما الناتج المحلي يقل عن 2.6 ترليون يورو، والأوضاع في إيطاليا وإسبانيا واليونان لا تقل سوءا. ويرافق أزمة المديونية العالمية تباطؤ في النمو، مع تفاقم الحرب التجارية التي أشعلتها الولايات المتحدة مع الصين وروسيا وأوروبا ، واستخدام العقوبات الاقتصادية كأداة شبه عسكرية وبشكل مفرط.
وإذا ترافق مرور أشباح اقتصادية مع اضطرابات سياسية، فإن احتمالات حدوث الإنفجارات تكون أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن تجد تعاونا دوليا من أجل إخماد أي نيران، قبل أن تتسع، وهنا سنجد أن عام 2019 سيكون الأكثر خطورة على الصعيد السياسي، سواء داخل الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم أو خارجها، فالرئيس الأمريكي ترامب سيواجه أمواجا عاتية من الكونجرس مع تسلم الحزب الديمقراطي الأغلبية في مجلس النواب بعد أيام، وهناك ملفات شائكة وضخمة تنتظر فتحها، بما يزيد من قوة العاصفة التي قرر ترامب أن يقف في مواجهتها، بدلا من محاولة التوصل إلى حلول وسط، ولهذا تم إيقاف اعتماد موازنة العام الجديد وإيقاف عمل الحكومة الفيدرالية.
وتمتد الاضطرابات السياسية لتشمل معظم بقاع الكرة الأرضية من الكوريتين وبحر الصين في الشرق وحتى فنزويلا والبرازيل في أقصى الغرب، مرورا بالشرق الأوسط وأوكرانيا، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا مع ظهور يسار جديد، وكأن النخب القديمة لم تعد تصلح، بل يسعى الفرنسيون إلى البحث عن شكل ديمقراطي جديد لإدارة الدولة بمشاركة شعبية. أما الأكثر خطورة فهو عودة سباق التسلح فالميزانيات العسكرية تنمو بنسبة تفوق باقي المخصصات، ولا يبدو أن دولة رئيسية أو إقليمية لم ترفع إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة، وأعطت روسيا سباق التسلح معنى جديدا يركز على التطور التقني أكثر من حجم القوات، وتمكنت من إدخال أسلحة جديدة، آخرها صاروخ يتجاوز سرعة الصوت 20 مرة، مع قدرة على المراوغة الأفقية والرأسية، أي أنه صاروخ لا يمكن إسقاطه، وترد الولايات المتحدة باستحداث فرع للأسلحة الفضائية، وتقررنشر قوات في القطب الشمالي، وهكذا يكون العالم قد دخل أحد أخطر سباقات التسلح.
ورغم وجود مؤشرات إيجابية تتعلق بمنطقتنا العربية، منها إعادة فتح سفارة الإمارات، وإعلان البحرين أن سفارتها مستمرة، مع انطلاق رحلة جوية بين سوريا وتونس، إلا أن رتق العلاقات العربية لتكون قوة مؤثرة على الساحة الدولية مازال مبكرا، وأننا في مرحلة تضميد الجراح في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهي بأي حال خطوة مهمة وضرورية، وعلى الأقل توقف شلالات الدم والأموال المهدرة في الحروب الداخلية. ومع التكهن بقرب إطلاق صفقة القرن مطلع العام الجديد، فإن أجواء الحروب هي ما نجده في السلوك الإسرائيلي، من جنوب لبنان مع حكاية الأنفاق، ومعركة غزة التي أكدت قوة الردع الفلسطينية لأول مرة، ثم عودة الغارات الإسرائيلية على سوريا، ليثبت رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو قبل الانتخابات المبكرة في نيسان أنه قادر على توفير الأمن، رغم النكسات التي تعرض لها التحالف الأمريكي في سوريا والعراق، ولم يحسب نيتانياهو حسابا لرد صاروخي سوري على المواقع العسكرية في هضبة الجولان المحتلة، والتي قد تربك كل حساباته. ويبدو أن ما ستطرحه الولايات المتحدة لا يزيد عن كونه تهديدا إما بالسلاح النووي أو السلام النووي، أي أن الهدف هو التدمير بوسائل حربية أو تفاوضية.
ولأن المؤشرات العالمية والإقليمية لا تبعث على الثقة ولا الأمان، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو الحروب فإننا مطالبون بالجهوزية الاستباقية تحسبا للطوارئ، سواء بوضع تصور اقتصادي يعتمد على استقلال نسبي، وقدرة على توفير المتطلبات الأساسية، وكذلك بالرضا الإجتماعي بالشراكة الشعبية والشفافية.