افراسيانت - بقلم: فيصل أبو خضرا - بمناسبة عودة الوفد الأمريكي لإحياء عملية السلام بين اليمين الاسرائيلي المتشدد برئاسة نتنياهو ومنظمة التحرير، فإن هناك شعور لدى الشعب الفلسطيني وحتى السلطة الشرعية بأن إدارة ترامب ليست جادة بطرح «خطة العصر» لإنهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
وإذا نظرنا الى مجمل المعطيات التي تتعلق بمواقف السيد ترامب نرى بأن هذه المواقف هي الأسوأ بين تلك التي يتبناها رؤساء أميركيون بشأن القضية وذلك للأسباب الآتية:
١-خلفيته المالية طاغية على أي أمر سياسي، فهو خبير مالي من الدرجة الأولى ونرى ذلك من شغفه بالحصول على أموال بدون النظر الفعلي لقضايا العالم، حتى أن أوروبا تعتبره رجلاً خارج نطاق أي فهم للمصلحة الأوروبية أو العالم، وبالأخص مشكلة المناخ التي تقلق العالم أجمع. فالرجل ليس لديه أي خلفية عن مشاكل العالم وخصوصاً القضية الفلسطينية. وحتى في الداخل الأمريكي فإن الشعب الأمريكي أعطاه أقل تصويت بالنسبة للقضايا الداخلية مما يؤكد بأنه بعيد عن الواقع سياسياً ومجتمعياً وبدون أي خلفية عما يطالب به الشعب الأمريكي، وحتى أن أقرب المستشارين والموظفين في البيت الابيض فضلوا الاستقالة من مناصبهم، ولم يبق منهم إلا القليل من الذين لديهم دراية بمشاكل العالم.
كما ان إختياره للسيدة هيلي نيكي كمندوبة لامريكا في الأمم المتحدة وجهلها الأعمى بالقضية الفلسطينية يعكس الوجه الحقيقي لترامب.
٢-خلفيته العائلية والتاريخية فهي صهيونية بامتياز والجميع يذكر، بأن قبل إنتخابه اقترح أن يعطي الفلسطينيين كوستاريكا ويجهل بأن لا شعب كوستاريكا يقبل بهذا المنطق الجاهل، ولا الشعب الفلسطيني يقبل بأن يتخلى عن أرضه وأرض أجداده، كما إن ابنته إعتنقت اليهودية لأجل الحب للصهيوني كوشنر، واشترط عليها أن تذهب لاسرائيل لدراسة الديانة اليهودية برفقة ديفيد فردمان سفير الولايات المتحدة الجديد لدى اسرائيل، قبل أن يقبل القران بها، وفي إجتماعه مع المؤسسة الصهيونية «ايباك» في واشنطن قال: «أنا فخور بابنتي اليهودية وأحفادي اليهود، وإني أحبهم».
هذا لا يهمنا لا من قريب أو بعيد لولا أن ذلك يؤثر جوهرياً على الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية وينعكس بمزيد من الإنحياز للاحتلال الاسرائيلي غير المشروع.
كما أن جميع محاميه ومستشاريه الاقتصاديين هم من الصهاينة المتعصبين المنحازين لدولة اسرائيل ودعم بناء المستعمرات التي تقام على أملاك خاصة للفلسطينيين. وقد تم تعيين السفير ديفيد فردمان الذي ساهم في دعم اقامة مستوطنة بيت ايل واقنع ترامب بالتبرع لبناء هذه المستعمرة المسلحة. ولكن مع الأسف فان بعض زعمائنا اعتقدوا بأنه لا بد له بأن يتفهم قضيتنا.
٣-في اول زيارة لنتنياهو الى البيت الابيض، التي قام بها قبل زيارة الرئيس محمود عباس، نجد بأن ترامب لم يستقبله ويحتفل به مثلما فعل مع الرئيس عباس او العاهل الاردني الملك عبدالله او الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسبب بسيط وهو ان نتنياهو ليس مهتما بأي استقبالات رسمية ولا حتى محادثات سياسية، لانه يعرف مسبقا عقلية السيد ترامب الصهيونية، بل مهتما بالمؤتمر الصحفي، ودخل قاعة المؤتمر قبل الاجتماع مع السيد ترامب وبدون أي احترام بروتوكولي، وهذا خلاف للعادات المتبعة حيث يجتمع الرئيس الأميركي مع الضيف ومن ثم يخرجان الى المؤتمر الصحفي، أي انه يعلم مسبقاً بسياسة ترامب المؤيدة لاسرائيل ، وقام نتنياهو بسرد أساطير قديمة جديدة حول تاريخ اليهود في فلسطين، واستعمل بعض «القفشات» حول ملكية اليهود التاريخية لفلسطين، وعندما أتى دور ترامب لم يذكر اي شيء حول أي طريقة لحل القضية الفلسطينية ، وخصوصا وفي بعض الاستهزاء قال بانه لا يهمه دولة واحدة، اي اسرائيل او دولتين فهو يمكن ان يتعايش مع كلتا الحالتين.
اما عندما استقبل الرئيس محمود عباس فقد قام بهالة استعراضية وكأنه غير من معتقداته ومع الأسف صدقه بعض من الزعماء والمسؤولين وبعض وسائل الاعلام. وودع الوفد الفلسطيني بدون أي وعد حقيقي لإنهاء الصراع الصهيوني الفلسطيني.
٤-في اول زيارة له للشرق الأوسط قال بأن زيارته الأولى ستكون الى الأماكن أو البلاد التي تحتضن الدين الاسلامي وهي المملكة العربية السعودية لأنها تحتضن مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومن ثم اسرائيل لانها تحتضن الديانة اليهودية، والفاتيكان التي تحتضن الديانة المسيحية، ونسي بأنه مسيحي وان السيد المسيح عليه السلام ولد في بيت لحم وترعرع ما بين الناصرة والقدس كما أنه صلب في القدس وصولاً الى كنيسة القيامة وليس في أيطاليا. ثم قام ترامب بالصلاة في حائط البراق وأدى جميع الطقوس اليهودية بأحسن طريقة أسعدت نتنياهو ومقربيه من اليهود المتطرفين، ويقول البعض بأنه زار هذا الحائط بدون مرافقة اي من المسؤولين اليهود وكأن هذا يبرهن بأن لديه خطة لإنهاء الصراع.
وعند زيارته الى بيت لحم لم يقم بزيارة كنيسة المهد، بل زار الرئيس محمود عباس واجتمع به لدقائق ومن ثم كان المؤتمر الصحفي، ولم يعطِ الفلسطينيين أي بادرة أمل بأنه جاد في صنع السلام. أما الرئيس محمود عباس فكان كلامه واضحا، وشدد على أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧م والقدس الشرقية عاصمتها وعودة اللاجئين الى ديارهم.
ولكن السيد ترامب وقبل مغادرته ارض فلسطين التاريخية لم يذكر في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع نتنياهو أي شيء بالنسبة لحل الدولتين او الاستيطان أو القدس الشرقية بعكس نتنياهو الذي رحب به كأول رئيس اميركي يزور القدس الموحدة. وهذا يبرهن بأنه يدعم اليمين المتطرف بقيادة صديقه نتنياهو.
٥-ما زاد الطين بلة هو اخر اجتماع تم بين كوشنر وجيمس جرنبلات مع السلطة الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس وبدلاً من قيام الوفد بالحديث عن الملفات الجوهرية كالاحتلال والقدس والاستيطان واللاجئين والحدود قام بالحديث عن شهدائنا واسرانا، ووضع اللوم على السلطة بأنها ما زالت تدفع مخصصات أعانة لعائلات الشهداء الذين سقطوا بنيران اسرائيلية وغالبيتهم مدرسين او قتلوا بدون محاكمات، كما فتحوا ملف اعانات عائلات الأسرى، وكان الطرح تماماً مثلما طلب نتنياهو، اي وقف هذه الاعانات فهل يمكن هكذا البدء الجدي بعملية السلام؟
الوفد القادم لإجراء حوارات متعددة ان كانت فلسطينية أو عربية لن يجدي نفعاً، لأن جميع القمم العربية أكدت على دعم القضية الفلسطينية ومن المستحيل ان تحيد أي دولة عن الثوابت التي أقرتها السلطة الفلسطينية منذ اتفاقية أوسلو، وزيادة على ذلك أكدت هذه القمم الالتزام بقرار رؤساء الدول العربية، وهذا القرار يعتبر هدية كبرى لدولة اسرائيل، وهو التطبيع الكامل مع اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب عام ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية.
وهذا يعتبر قمة السخاء من الدول العربية، لذلك على جميع الدول العربية إقناع الادارة الاميركية بأن الكرة الآن بيد اسرائيل اذا ارادت فعلاً ان تعيش بسلام مع جميع جيرانها العرب، أي عكس ما تريده الادارة الاميركية واسرائيل وهو البدء اولاً بالتطبيع الكامل ومن ثم الانسحاب الكامل لأن الفلسطينيين لم يعودوا يصدقون لا اسرائيل ولا حليفتها اميركا.
الشعب الفلسطيني بجميع اطيافه ان كان في فلسطين المحتلة أو خارجها يجمع على الأسس الحقيقية والثوابت التي يجب الاعتراف بها خاصة مبدأ حل الدولتين، والقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وعودة اللاجئين الى بيوتهم واراضيهم التي هجروا منها قسراً عام ١٩٤٨، حتى يتحقق السلام العادل.
الشعب الفلسطيني لم يعد يهتم بمن يأتي أو من يذهب طالما غابت أسس الحل العادل للقضية، ويتطلع شعبنا اليوم لانهاء هذا الانقسام البغيض وترسيخ وحدته لمواجهة التحديات الجسام الماثلة أمامه والمضي قدماً نحو تحقيق اهدافه المشروعة في التحرر من هذا الاحتلال.