افراسيانت - عمر عبد الستار - دعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقصي “الانتهاكات” بحق النازحين من مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار.
وشدد معصوم، خلال لقاء له مع وفد ضم وزير التخطيط ومحافظ الأنبار وممثلين عن لجنة إعادة نازحي الأنبار، على "لزوم توفير كافة متطلبات الحماية للنازحين من الفلوجة وحفظ حياتهم وكرامتهم جميعا".
رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري اتهم، من جانبه، الخميس، فصائل "الحشد الشعبي" من دون أن يسميها، بارتكاب تجاوزات في معركة الفلوجة. وطالب رئيس الوزراء بإجراء تحقيق في تلك التجاوزات بحق المدنيين.
وأكد مكتب حيدر العبادي، أن رئيس الوزراء شكل لجنة للتحقيق في هذه الانتهاكات، بناء على شكاوى سياسيين وإداريين في الأنبار، وبناء على شهادات أدلى بها معتقلون أفرج عنهم، عن عمليات إعدام جماعية.
جدير بالذكر أن العبادي كان قد اعترف بتجاوزات فصائل "الحشد"، ودان تصريحات بعض من ينتمون إليه، وخاصة تلك التي تحمل أبعادا طائفية، مؤكدا أن بعض فصائله غير منضبطة.
وقال العبادي إن هناك أكثر من مئة فصيل ينسب نفسه إلى "الحشد" والأمر ليس كذلك. وأضاف أن الحكومة ستغلق كل مقرات تلك الفصائل.
وتابع العبادي: لن نسكت عن التجاوزات، ولن نتستر على أحد. وأوضح، في هذا الصدد، أنه أمر بملاحقة المتهمين بـالقتل وارتكاب انتهاكات أخرى بحق المدنيين في الفلوجة، وتقديمهم إلى العدالة.
وفي الإطار نفسه، أمر وزير الدفاع خالد العبيدي مديرية الاستخبارات العسكرية بالتحقق والتأكد من صحة بعض المقاطع لأفلام فيديو نُشرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ونقلت تجاوزات تعرض لها النازحون من مدينة الفلوجة.
من جانبه، شكل مجلس محافظة الأنبار لجانا للتحقيق بـانتهاكات ارتكبت خلال معارك تحرير قضاء الكرمة ومحيط مدينة الفلوجة.
وبدوره، طالب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجع بركات الأمم المتحدة بـ"فتح تحقيق دولي حول الانتهاكات التي تعرض لها أبناء الفلوجة والصقلاوية والكرمة.
وتحدثت الأمم المتحدة أيضا، في بيان لها، الثلاثاء (07/06/2016)، عن "تقارير محزنة للغاية وذات مصداقية عن تعرض رجال وصبية عراقيين لانتهاكات، وحديث عن حالات إعدام على أيدي الجماعات المسلحة، التي تعمل مع قوات الأمن العراقية بعد الفرار من الفلوجة".
كما ذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن جنودا عراقيين وعناصر من مليشيات "الحشد الشعبي" المؤيد للحكومة نفذوا إعدامات خارج القانون بحق مدنيين فارين من الفلوجة، وأن انتهاكات فظيعة اقتُرفت وستعمل المنظمة على توثيقها.
ودعت المنظمة بغداد إلى إجراء تحقيق في التقارير التي تؤكد وقوع انتهاكات من قبل قواتها ضد المدنيين خلال عملية استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة.
في هذا السياق، جددت الخارجية الأمريكية الإعراب عن قلقها إزاء التقارير الصادرة من الفلوجة، والتي تتحدث عن تزايد الانتهاكات بحق المدنيين الفارين من المدينة، على يد عناصر "الحشد الشعبي".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر إن حكومة حيدر العبادي تعهدت بتشكيل لجنة حقوقية للنظر في "الحالات المنعزلة لسوء التصرف".
وتؤكد مصادر مطلعة أن الأنباء المتواترة عن انتهاكات، يرتكبها "الحشد الشعبي"، قد اتخذت أبعادا محلية وإقليمية ودولية، وغطت على مجريات معارك الفلوجة، ووضعت العبادي في موقف محرج، ووترت الأجواء بين العبادي وقادة "الحشد"، هادي العامري وأبي مهدي المهندس وقيس الخزعلي. وأفادت هذه المصادر بأن هؤلاء رفضوا تشكيل لجان تحقيق من دون مشاركة ممثلين عنهم.
فهل فَتحت معركة الفلوجة، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، معارك سياسية وقانونية حول الدور السلبي لفصائل الحشد الشعبي؟ وهل منحت الفلوجة العبادي فرصة نادرة وبغطاء محلي وإقليمي ودولي لنزع سلاح المليشيات الخارجة عن القانون، وإعادة هيبة الدولة بعد غياب؟ وهل هو قادر على أن يقتنصها؟
إن الظروف قد تحتاج إلى بعض الوقت. وقد تكون مهيأة أمام العبادي، وخاصة أن هناك غضبا شعبيا ضد سلوك هذه المليشيات، سبق معركة الفلوجة ولا يزال مستمرا. وقد دفع جماهير غاضبة إلى مهاجمة مقار تابعة لهذه الفصائل ولأحزاب ضمن "التحالف الوطني" في عدة محافظات في الفرات الأوسط والجنوب أمس وأول من أمس. لكن هذا الأمر قد يكون ذا تأثير مزدوج: إيجابي وسلبي. إذ قد يوفر فرصة ضد المليشيات, وقد يفتح المجال لخروج الأمر عن السيطرة أيضا.
وربما كان اعتراف العبادي بتجاوزات "الحشد الشعبي"، وبوجود أكثر من 100 فصيل غير تابع "للحشد"، تمهيدا لصولة فرسان ثانية بعد صولة عام 2008، ولا سيما أن أجواء 2016 مواتية ربما لصولة فرسان مشابهة لأجواء صولة 2008. فقد ورث العبادي من نوري المالكي في 2014، وضعا يشبه الوضع الذي تركه إبراهيم الجعفري للمالكي في 2006.
وسقطت كل محافظات العرب السنة بيد القاعدة في2006, قبل أن يتولى المالكي رئاسة الوزارء من الجعفري. وتكرر المشهد تماما في 2014، إذ استلم العبادي رئاسة الوزراء من سلفه المالكي، وقد سقط أغلب محافظات العرب السنة بيد داعش، وبعد أن تحررت المحافظات من القاعدة وبدعم أمريكي في 2007، شن المالكي صولة فرسان على جيش المهدي في 2008.
وربما يعيد المشهد نفسه، بعد تحرير ماتبقى من مناطق بيد داعش، خاصة مع انتفاء الحاجة لوجود سلاح خارج سلطان الدولة، بل وانتفاء الحاجة التي دعت لفتوى الجهاد الكفائي للسيستاني في حزيران 2014.
لكن إن تأخر العبادي، وفاتته فرصة صولة الفرسان الثانية، فمن يضمن عدم خروج جيل ثالث بعد القاعدة وداعش، ومن يضمن عدم سقوط ثالث لمحافظات عراقية بيد هذا الجيل الثالث، وخاصة وهناك من يقول إن الأمر إذ ظهر مرتين فتوقع له ظهورا ثالثا؟
ورغم أن الوقائع الجيوسياسية تقول، إن ظهور داعش بعد زوال القاعدة كان قبل لوزان، وحصل بسبب فوضى التصادم الأمريكي الإيراني في المنطقة، وهو أمر ربما لم يعد متوفرا بعد لوزان، لكن يبدو أن المخاض العراقي في صيف 2016 سيبلغ مداه، ولكل حادث فيه حديث.