افراسيانت - عمر عبد الستار - بعد عشرة أيام على إعلان حيدر العبادي بدء معركة الفلوجة، زار رئيس الوزراء العراقي مقر عمليات الفلوجة، وأعلن عن إبطاء عملية الهجوم، تفاديا للخسائر بين صفوف الجيش والمدنيين.
ويأتي إعلان العبادي هذا بعد نفاد الساعات الثماني والأربعين، التي أعلنها العبادي من تحت قبة البرلمان لاقتحام الفلوجة قبل ثلاثة أيام، وبعد فشل الجيش وقوات مكافحة الإرهاب في اقتحام المدينة.
وفور إعلان العبادي قراره، صرح وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بأن حكومة العراق يجب أن تكون هي صاحبة السيطرة الكاملة على معركة الفلوجة؛ وهذا ما جرى حتى الآن. وتصريح كارتر هذا دليل، وفق متابعين، على أن من يمسك بخيوط التقدم والتأخر في معركة الفلوجة هم الأمريكيون، أكثر من القائد العام للقوات المسلحة العراقية.
وفي الوقت الذي قال فيه العبادي إن "أكبر فساد هو فساد "داعش"، والذي يؤخرنا عن قتال "داعش" هو الفاسد"، صرح المتحدث باسم "الحشد الشعبي" كريم النوري بأن "الانتظار انتحار".
ويبدو أن اختلاف الأجندة الأمريكية عن أجندة "الحشد الشعبي" في معركة الفلوجة، كما يرى مراقبون، هو الذي أدى إلى هذا الارتباك في إعلان المعركة.
فالهدف الأميركي من معركة الفلوجة قد يكون جعلها "بروفة" لمعركة نينوى. فيما يريد "الحشد الشعبي" بواسطتها تحقيق أهداف أخرى. وإضافة إلى ذلك، فإن واشنطن تريد، كما هو واضح من تصريح آشتون كارتر، أن تختبر قدرة الحكومة في "لجم الحشد الشعبي"، ومنعه من تجاوز الحدود المرسومة له.
ومن هنا، يبدو أن معركة الفلوجة تختلف عن كل معارك "الحشد الشعبي" مع "داعش"، والتي خاضها في حزام بغداد الأمني، الممتد من جرف الصخر جنوبا إلى سامراء شمالا، ومن ديالى شرقا إلى الفلوجة غربا. ويعود اختلافها إلى عدة أسباب، منها: أولا، أن معركة الفلوجة ليست واحدة؛ وثانيا أن أبعادها متعددة.
فقد وقفت الفلوجة عام 2004 في وجه الاحتلال الأمريكي، الذي هد الدولة العراقية.
وجسدت معركتا الفلوجة - الأولى والثانية - الانقسام السياسي لأحد المكونات المجتمعية الأساسية في العراق بشكل واضح؛ إذ أصبح هناك من ذلك المكون معارضون يرفعون السلاح بوجه الاحتلال، ومشاركون في العملية السياسية. أي أن الفلوجة هنا، انقسمت على نفسها. وهذا ما يفسر أن المعركة الحالية ليست واحدة.
فهناك معركة بين الفلوجة والولايات المتحدة، التي بدأت في 2004، ولم تستقر حتى الآن. وهناك معركة أخرى بين الفلوجة والعراق، الذي برزت صورته بعد عام 2003، بدأت في 2004 ولم يستقر بها الحال أيضاً. وهناك مواجهة رابعة خاضتها الفلوجة مع "القاعدة" في 2007، إثر تفجيرات سامراء. ومعركة خامسة في 2013، حين انتفضت مع مدنٍ ومحافظات أخرى ضد سياسات المالكي. وقد انتهت معركة الفلوجة الخامسة بسقوط المدينة بيد "داعش"، قبل سقوط نينوى بعدة أشهر.
ويضع البعد الجيوسياسي لمعركة الفلوجة الحالية في مثلث إقليمي جيوسياسي يتشكل من الفلوجة وحلب وعدن. وكل معارك هذا المثلث وقعت بعد توقيع اتفاق لوزان مع إيران في 14-7-2015. ويرى كثيرون أن ما تبين من وقائع معركة عدن هو أن يد إيران بعد لوزان لم تعد كما كانت قبلها. ويبدو أن معركة الفلوجة ستسير على نفس المسار.
خبراء عسكريون، وربما الجانب الأمريكي أيضاً، يتوقعون أن تكون معركة الفلوجة الحالية نموذجاً مسبقاً لمعركة نينوى المقبلة، التي تم تأجيلها لكي تتزامن مع موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لما لنينوى من أثر محلي إقليمي دولي. ولذلك فمن مصلحة واشنطن أن تكسب هذه المعركة، وأن تكسب الفلوجة لمصلحتها.
ولأجل أن تنجح "بروفة" معركة نينوى الأمريكية التخطيط، لابد أن تنجح بروفتها معركة الفلوجة. ولكي تنجح، أراد الأمريكيون تحييد "الحشد الشعبي" عنها؛ لأن مشاركة "الحشد الشعبي" قد تعني وفق متابعين أن معركة الفلوجة ستطول.
كذلك، فإن توقيت معركة الفلوجة في نفس الشهر الذي تم فيه اقتحام المنطقة الخضراء، ومع انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في باريس.. كل هذا ينذر بأن معركة الفلوجة قد تفتح بابا لعله يسمح للعراق بأن يعود إلى ما كان عليه في النصف الثاني من 2004.
في عام 2004، الذي بدأت فيه أولى معارك الفلوجة بعد 2003، لم تكن هناك انتخابات أو برلمان. ولم يكتب الدستور، ولم يكن هناك مكون مجتمعي رئيس في العراق قد انقسم بعد، ولم يبدأ بعد التصادم أو التواصل الأمريكي-الإيراني في العراق.
وحينها قد يسدل الستار على معارك الفلوجة الخمس، وقد يبدأ العراق من تلك المحطة من جديد.. ولكل حادث في المعارك الحالية والمقبلة حديث.