افراسيانت - أشرف الصباغ - فشل لقاء اجتماع "روسيا – الناتو" في تقريب وجهات النظر بين موسكو والحلف في عدد من محاور الخلاف التي تدفع بالطرفين إلى مواجهات باردة.
وإذا كان لكل من الجانبين الروسي والأطلسي أجندته الخاصة، فمن الملاحظ، ورغم اللقاء الذي جرى بعد عامين من تجميد التعاون، أنه لا توجد أي نقاط تماس أو تقاطعات في عدد من الملفات. والسبب أن هذه الملفات مترابطة بدرجات مختلفة، ومن الصعب حل مشكلة من دون التعامل بمرونة مع المشكلة الأخرى.
لقد أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج أن عقد اجتماع لمجلس "روسيا – الناتو" في بروكسل لا يعني عودة الجانبين إلى علاقاتهما السابقة، ولكن الحوار بين الطرفين ضروري خاصة في الوقت الصعب حاليا. وكرر ستولتنبرج موقف الحلف من العلاقت مع روسيا، مشددا على أن هذا اللقاء لا يعني عودة العلاقات، لأن هناك خلافات كبيرة بين وجهات نظر روسيا ودول الحلف، وأن المباحثات لم تلغ أو تحل تلك الخلافات.
أما سفراء حلف الناتو فقد طرحوا ملف الأليات التي من شأنها تعزيز خفض المخاطر المرتبطة بالنشاطات العسكرية. وسفراء الناتو يقصدون هنا، الحوداث التي وقعت في بحر البلطيق مؤخرا، حين حلقت مقاتلات روسية فوق سفينة أمريكية ثم قرب طائرة استطلاع أمريكية أخرى. أي ببساطة، يحاول الناتو تجاهل مصالح روسيا وأمنها، وأمن المناطق المحيطة بها، ويرغب بإقرار الأمر الواقع كحقيقة آنية بصرف النظر عن المتغيرات أو المصالح.
لقد طرح الناتو خلال الاجتماع ما حدث في بحر البلطيق، مشيرا إلى أن مثل هذه الحوادث تؤكد ضرورة فتح قنوات اتصال عسكرية بين الجانبين من أجل زيادة الشفافية وتخفيض حدة الأخطار. ولكن كيف يمكن زيادة الشفافية وتخفيض حدة الأخطار، بينما الناتو يصب الزيت على النار في أوكرانيا، ويسعى لإزاحة روسيا تماما من أفغانستان حتى على مستوى تقديم المساعدات الإنسانية أو المشاركة في تقييد انتشار المخدرات الأفغانية؟ فما بالنا بالتعاون في مكافحة الإرهاب؟!
إن الأزمة الأوكرانية وملف أفغانستان تم طرحهما أيضا في لقاء "روسيا – الناتو"، إلى جانب ملف الإرهاب الدولي. ويبدو أن الحلف مصمم على إقرار أمر واقع في خياله هو وليس على الأرض، ولا يمت بأي صلة لموازين القوى أو أي محاولات شفافة لتطبيع الأوضاع السياسية مع موسكو.
كل هذه التناقضات دفعت موسكو إلى تشديد لهجتها نسبيا مع الحلف. إذ أعلن مندوب روسيا لدى الناتو ألكسندر غروشكو أن على الحلف التخلي عن حشد قواته قرب الحدود الروسية، إذا كان يرغب في مواصلة الحوار مع موسكو حول تعزيز الثقة ومراقبة الأسلحة في أوروبا. وذهب غروشكو إلى ضرورة "الكف تماما عن عملية حشد الوجود العسكري للناتو على طول الحدود الروسية، وضرورة أن تعود كل القوات التي نشروها سابقا والتي يجري تحريكها على طول حدود روسيا إلى ثكناتها". هذا إذا كان الناتو جادا في سعيه إلى استئناف الحوار حول "مراقبة الأسلحة وترسيخ الاستقرار والأمن في أوروبا".
إن الموقف الحالي للحلف يدل، ببساطة، على محاولته شرعنة الخطوات التي يتخذها في أطرافه الشرقية على حدود روسيا، متسترا وراء إجراءات تعزيز الثقة. وبالتالي، فأي خطوة من جانب روسيا تجاه الحلف ستعتبر مساهمة في إقرار هذه الشرعنة، وخاصة في حال إصرار الناتو على مواقفه ليس فقط بشأن أوكرانيا، وإنما بشأن تدخله في مناطق نفوذ روسيا في ما وراء القوقاز، وصب الزيت على النار في بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة، ومحاولة بناء خطوط فاصلة جديدة في أوروبا.
الكرملين من جانبه أكد أن زيادة القدرات العسكرية للناتو قرب حدود روسيا تمثل خطرا على المصالح الوطنية الروسية والأمن الوطني الروسي، وأن الناتو لا يزال يؤكد أنه غير قادر على التكيف مع الظروف المعاصرة ولا يزال يسعى إلى مواجهة روسيا واحتوائها. وبالتالي، لا يمكن أن نندهش عندما نسمع الكرملين نفسه يتحدث عن "عدم وجود ثقة بين روسيا والناتو في المرحلة الحالية، وأن استعادة الثقة بين الجانبين ستكون مهمة صعبة". وذلك في ظل التهديدات الناجمة عن مواصلة الحلف التكثيف غير المسبوق لنشاطاته العسكرية، بما في ذلك في مناطق متاخمة لحدود روسيا.
إن موسكو واضحة تماما في التعامل مع الناتو بشأن القضايا سالفة الذكر. وبالتالي، فمناقشتها والتوصل إلى تسويات لها، "سيتيح الفرصة لبحث القضايا التي تهم الناتو". أما إذا ظل الحلف يتحدث نظريا وإعلاميا عن "ضرورة رفع مستوى الشفافية في المجال العسكري عن طريق تحديث وثيقة فيينا حول إجراءات الثقة وغيرها من الوثائق التي تبنتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، من دون أن يخطو خطوات عملية على الأرض، فإن الأمور ستصبح أكثر تعقيدا.