افراسيانت - أشرف الصباغ - بمجرد الإعلان عن تشكيل "حكومة الوفاق الوطني" الليبية، تهافتت الدول الغربية على الإدلاء بالوعود وركض مسؤولوها بالزيارات إلى ليبيا.
هكذا يبدو المشهد إنسانيا، حريصا على أمن ليبيا عموما، ومساعدة الحكومة الجديدة على مواجهة الإرهاب على وجه الخصوص. ولكن يبدو أن الوعود النظرية التي تعلن عنها الدول الغربية، هي وعود مشروطة. وربما يكون ذلك أحد أسباب تأجيل البرلمان منح الثقة لهذه الحكومة.
بعض الدول أعلن عن إعادة فتح سفاراته في ليبيا. هذا الإعلان، وإن كان يتسم بالرمزية إلى الآن، إلا أنه يعني استعداد بعض الدول لإبداء المساعدة اللوجستية. وفي الوقت نفسه أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا إمكانية عودة البعثة الأممية للعمل في طرابلس. ووصلت الأمور إلى إمكانية إرسال بعثات ذات صبغة أمنية للعمل هناك. ولكن لا تفاصيل عن تشكيلة هذه البعثات ومستوى تسليحها ودورها الحقيقي.
لقد هرع وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا لزيارة ليبيا من أجل تسجيل أول موقف "إعلاني" "وإعلامي" للتأكيد على مساندة الحكومة الجديدة التي لا تزال محل خلاف بين الليبيين أنفسهم. بينما يتم تجاهل الجيش الوطني الليبي، ودوره. وقبل أن نتطرق إلي تصريحات بريطانيا الملتوية بشأن التمييز بين الحكومة الليبية التي لم تبدأ العمل بعد، وبين الجيش الوطني الليبي الذي يقوده الفريق خليفة حفتر الذي يعمل على الأرض، يمكن الإشارة بشكل سريع إلى أن الشروط الغربية الضمنية، والتي لا تقال إلا في الاجتماعات المغلقة، تتلخص في إبعاد حفتر عن المشهد السياسي. هذا الشرط كان يواجه دوما غالبية اللقاءات السرية التي كانت تعقد في كل من تونس والمغرب طوال العام الماضي، ويشارك فيها دبلوماسيون وعناصر استخبارات وعسكريون من الدول الغربية.
أما وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، وبمجرد عودته من ليبيا، أعلن عن عدم عزم بلاده على إرسال قوات إلى ليبيا. هذا الإعلان جاء ردا على تقارير تفيد بوجود عناصر خاصة بريطانية على الأراضي الليبية. ولكن هاموند نفى نفيا قاطعا وجود تلك القوات علي الرغم من أنها موجودة فعليا منذ أوائل مارس 2011. وهو ما عرف آنذاك بالأزمة الدبلوماسية بين ليبيا وبريطانيا بعد إنزال قوات خاصة بريطانية في صحراء بنغازي. ولكن تم القبض عليهم بسبب عدم التنسيق. ثم أعلن الجانب البريطاني أن الليبيين اعتقلوا عددا من الدبلوماسيين البريطانيين في "صحراء بنغازي". وتم إغلاق الموضوع.
في الحقيقة، الأمر لا يقتصر على وجود عناصر استخبارات غربية في ليبيا، بل ويمتد أيضا إلى وجود عناصر قوات خاصة فرنسية أيضا تعمل في مناطق الجنوب الليبي تحديدا. ولكن الجميع ينفي ذلك على الرغم من وضوحه، والتأكيد عليه عبر التقارير الإعلامية، وعبر المشاهدات الميدانية.
إن تعويل الدول الغربية على طلب فوري من قبل حكومة الوفاق الوطني الليبية بدعم عسكري يواجه صعوبات. وربما هذا ما دفع هاموند للاعتراف أمام البرلمان البريطاني بأنه لا توجد رغبة في ليبيا لوجود قوات قتالية أجنبية على الأرض، وأنه لا يتوقع أي طلبات من هذه الحكومة بإرسال قوات برية قتالية لمواجهة داعش أو أي جماعات مسلحة أخرى. ولكنه لم يتوقف عند ذلك. بل ذهب إلى "الإنكار" بعدم وجود قوات، ثم أكد عدم عزم لندن إرسال قوات. وفي الوقت نفسه قال باسم المجتمع الدولي: "المجتمع الدولي جاهز لدعم القوات الليبية وتقديم المساعدة التقنية والتدريبية لها، وأن بريطانيا لديها (نية) منح ليبيا مبلغ 10 ملايين جنيه استرليني في إطار الدعم التقني للحكومة في هذه الفترة".
المثير هنا أيضا أن هاموند قال إن "مواجهة تنظيم داعش ومكافحة الهجرة غير الشرعية أمران يقعان في نفس الأجندة (أجندة المساعدات التقنية)، لكن على الشعب والحكومة في ليبيا أن يقررا كيفية استعادة وطنهم من غزاة داعش". وهو ما يعطي انطباعا بأن الغرب يتعامل بنفس طويل مع الأزمة الليبية على الرغم من ما تشكله من مخاطر عليه وعلى دول الجوار (مصر وتونس والجزائر) وتهدد العديد من الدول الإفريقية. ولكن الغرب يصر بشدة على تسيير الأمور من وجهة نظره هو وبآلياته، ووفقا لمصالحه التي تنطوي بدورها على تناقضات كثيرة بين بعض الأطراف الغربية نفسها من جهة، وبين كل منها والولايات المتحدة من جهة أخرى.
تصريحات ملتوية تنطوي على التهديد تارة، والإنذار تارة أخرى، والمرونة تارة ثالثة. ولكن لا كلمة واحدة عن رفع حظر تسليح الجيش الوطني الليبي، أو دعمه، أو التعامل معه كقوة حقيقية على الأرض، رغم الإعلانات الشكلية للغاية بأن "على الشعب والحكومة في ليبيا أن يقررا كيفية استعادة وطنهم من غزاة داعش".