افراسيانت - حسين محمد - يشهد الاتحاد الأوروبي منذ أسابيع حالة من الفوضى بدت ظاهرة في طبيعة العلاقة بين أعضائه بسبب أزمة اللاجئين، التي باعدت بين دول القارة العجوز.
وفي محاولة لوضع حد للفوضى الأوروبية، بدأ رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من فيينا جولة في دول البلقان، على أن يتوجه إلى أنقرة، للتمهيد للقمة الحاسمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في السابع من الشهر الجاري، والمخصصة لأزمة الهجرة.
وقد عرضت المفوضية الأوروبية تقديم مساعدة جديدة بقيمة 700 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات لتلبية الاحتياجات الإنسانية في دول الاتحاد الأوروبي، التي تواجه تدفقا للمهاجرين، وفي مقدمها اليونان.
لكن الاتحاد الأوروبي يواجه مشكلتين كبيرتين:
1ـ لا يملك الاتحاد آلية ميزانية تتيح له تلبية احتياجات إنسانية طارئة في إحدى دوله؛ والمساعدات الطارئة هذه هي مجرد تسكين للألم فقط في ظل استمرار الهجرة وانفراد بعض الدولة في قراراتها، ولا سيما دول البلقان والنمسا.
2ـ هذه المبالغ لا توفي بالغرض بالنسبة لكثير من الدول الأعضاء، وخصوصا اليونان، التي عرضت في المقابل خطة طوارئ، تقوم على تنظيم استقبال مئة ألف مهاجر، بميزانية تصل إلى 480 مليون يورو.
واليونان بالذات تواجه أزمة كبيرة مرشحة للتفاقم مع استمرار تدفق المهاجرين من جهة، وبسبب القيود، التي فرضتها مقدونيا على دخول المهاجرين إليها من جهة ثانية.
بيد أن المشكلة، التي بدأت ملامحها بالظهور، هي حالات الاشتباك، التي تندلع بين المهاجرين والشرطة في أكثر من مكان. فقد شهدت فرنسا، مع إزالة مخيم "كاليه" على الحدود البريطانية، مواجهات. كما شهدت مقدونيا واليونان مواجهات أخرى، بعد اقتحام عشرات المهاجرين السياج الحدودي؛ الأمر، الذي دفع الشرطة إلى استخدام المياه والغاز المسيل للدموع.
وخشية من تكرار هذا المشهد، الذي قد يتكرر في أكثر من مكان، ويؤدي إلى مزيد من الفوضى، حذرت مؤسسات وشخصيات أوروبية مهمة من مغبة الانجرار إلى هذه الأعمال، وشددت على ضرورة إيجاد حل سريع للأزمة قبل الانفجار المرتقب.
تركيا
وفي موقف تركي لافت، يعَدُّ تطورا إيجابيا على صعيد العلاقة بين الطرفين، وفي مؤشر واضح إلى رغبة أنقرة في إنجاح القمة المرتقبة، أعلنت الحكومة التركية عن استعدادها لتوقيع اتفاق إعادة قبول مهاجرين على أراضيها مع 14 بلدا من أجل الحد من انتقال المهاجرين من سواحلها إلى الاتحاد الأوروبي.
ويأتي هذا الموقف بناء على اتفاق وقعه الجانبان في شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، وتعهدت بموجبه أنقرة بالحد من تدفق المهاجرين، الذين يعبرون بحر إيجة من شواطئها إلى اليونان، مقابل حصولها على مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات يورو.
ومع ذلك، فإن أنقرة لم تلتزم بالاتفاق طوال هذه الفترة. ويبدو أن ضغوطا أوروبية كبيرة دفعت أنقرة الآن إلى تسريع خطواتها، أو أن أنقرة تمتلك أجندة أخرى مرتبطة بالشمال السوري؛ حيث إن زيادة أعداد اللاجئين لديها قد تتحول إلى ورقة ضغط لإقامة منطقة آمنة شمالَ سوريا.
والغريب في الأمر أن أي رد أوروبي لم يأت على الموقف التركي الجديد، ما يعكس حجم الانقسام في الصف الأوروبي. وتأتي زيارة رئيس المجلس الأوروبي إلى أنقرة اليوم من أجل وضع اللمسات النهائية قبيل القمة؛ ولا سيما أن الاتحاد الأوروبي خفَض أعداد المهاجرين يوميا إلى ما دون ألف مهاجر مقابل أخذ لاجئين من تركيا مباشرة، وهذا قد يكون هو السبب الحقيقي في الموقف التركي الجديد.
ففي المبدأ تريد تركيا إيجاد حل لأزمة الهجرة من أراضيها إلى أوروبا، لكنها كانت ترفض حل هذه المسألة على حسابها؛ ذلك أن وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا يعني تكديسهم داخل تركيا، التي ستتحول بالضرورة إلى دولة مستقَر لا دولة ممر؛ فضلا عن أسباب أخرى مرتبطة بالسياسة. لكن أن يقبل الاتحاد الأوروبي بأخذ لاجئين سوريين أو عراقيين من تركيا مباشرة إلى المدن الأوروبية، فهذا يعني استمرار الهجرة من تركيا إلى أوروبا، غير أنها ستصبح بعد ذلك هجرة شرعية وليست غير شرعية؛ ناهيك عن المساعدات المالية، التي تقدم إلى أنقرة مقابل ذلك.
ومع ذلك، فإن أسئلة كثيرة تطرح عن دوافع الموقف التركي هذا: هل جاء فعلا نتاج ضغط أوروبي، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؛ بمعنى وجود اتفاق تحت الطاولة على دعم أنقرة في توجهها لإقامة منطقة آمنة شمالَ سوريا، خصوصا أن الدولة الوحيدة المتمسكة بحل لأزمة الهجرة بالتوافق مع الأتراك هي ألمانيا؛ وهي أيضا الدولة الأوروبية الوحيدة، التي أيدت مباشرة فكرة إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، وهي الدولة الوحيدة ثالثا التي تتقبل فكرة إقامة منطقة آمنة على حدود تركيا مع سوريا.