إجراءات أوروبية صارمة ضد الإرهابيين تأهبا لما بعد سوريا

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - تنتاب أوروبا هذه الأيام حالة من التخوف الجدي الذي تمظهر في تحركات حثيثة لعدد كبير من الدول في اتجاه إيجاد حلول قانونية وتشريعية تمكن السلطات من القيام بإجراءات أكثر تشددا للوقاية من خطر الإرهاب المتنامي داخل أراضيها.


وقد حذرت تصريحات عدد من المسؤولين السياسيين والقادة الأمنيين والعسكريين من خطورة عودة المقاتلين من سوريا (بلغ عددهم 2000 مقاتل في آخر حصيلة)، وهي عودة تطرح العديد من الأسئلة.


والجديد في المسألة، أن الطرق التي يعود بها المتشددون أضحت ملتوية وتتم وفي كنف السرية، كي لا يكشف أمرهم وتسهل حركتهم داخل أوروبا.


وقد بدأت الدنمرك خلال المدة الأخيرة في اتخاذ اجراءات إضافية تسمح لمشرعيها في البرلمان باقتراح جملة من القوانين الجديدة التي من شأنها السماح للسلطات بمراقبة وحجز واعتقال “كل من يشتبه فيه أو من تشك السلطات الأمنية في علاقته بالإرهاب”.


كما أكد رئيس جهاز المخابرات العامة الهولندية أن بلاده تعالج ملفا “خطيرا” وهو عودة عشرات الهولنديين من سوريا بعد تمرسهم على القتال هناك.


الخطر القادم من البحر


بعد أن شرعت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا في المدة الماضية في تنفيذ استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، سواء كان ذلك عبر جملة من الاعتقالات الواسعة في صفوف الممولين والمُجنِّدين المشتبه بهم، أو عبر حملات التحسيس والتوعية بالاستعانة بخبراء في المجال النفسي والاجتماعي، آثرت المجموعات الجهادية المتشددة العائدة من سوريا ألا تدخل التراب الأوروبي عبر المنافذ الرسمية للدول كالمطارات والموانئ، بل إن طرقا أخرى ابتدعها هؤلاء للعودة، وذلك لاجتناب التحقيق معهم في نقاط العبور.


فقد حذر رئيس أركان الدفاع الإيطالي الأدميرال، لويجي بينيللي، من “امكانية استخدام الإرهابيين لمراكب الهجرة غير الشرعية كوسيلة للهروب عبر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا”، وقد أشار إلى أن الوضع الإقليمي والدولي بشكل عام يساهم في عدم استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط بضفتيها العربية والأوروبية.


فالوضع غير المستقر في ليبيا بسبب وجود عشرات المعسكرات لتدريب الإرهابيين وتموليهم بالمال والمعلومات الاستخباراتية للتحرك نحو سوريا أو مصر، يساهم في ضعف إمكانية إيقاف مراكب الهجرة غير الشرعية في شمال ليبيا، وهو ما قد يرفع في احتمال تسلل إرهابيين ضمن تلك المجموعات المهاجرة نحو أوروبا، والأرجح أنها ذاهبة إلى هناك للقيام بعمليات إرهابية في تلك الدول.


وتعتبر تونس المجاورة بمثابة القاعدة التي تنطلق منها الرحالات غير الشرعية نحو أوروبا بحكم القرب الجغرافي لها، وقد تم القبض فعلا على عدد من الإرهابيين القادمين من ليبيا والجزائر ومالي المتجهين إلى أوروبا.


وقد أكد الأدميرال بينيللي في حوار له مع إحدى الصحف الإيطالية القريبة من الدوائر الرسمية، أن “إيطاليا سوف تتعامل بكل جدية وحزم مع أي مشتبه بهم أو من تتحسس الأجهزة الأمنية أن له علاقة بالإرهاب”. ويعيد مراقبون هذا التوجس والحذر الشديد، إلى تحمل المسؤولين الإيطاليين لمسؤولية أنهم في البوابة الأولى لدخول عناصر خطيرة إلى كامل تراب أوروبا.


معركة القوانين والمساجد


تعتبر حزمة القوانين التي شرعت بعض الدول الأوروبية في اقتراحها وصياغتها (خاصة الدنمرك) مدعاة لجدل واسع بين سياسيي أوروبا وشخصياتها المدنية والحقوقية. فالسياق الذي جاءت فيه هذه الأحداث يعتبره البعض، وخاصة من العرب المسلمين المقيمين في أوروبا، مهددا لهم بالإقصاء والتمييز.


فصعود اليمين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أخيرا لن يترك الكثير من الخيارات أمام الحكومات الأوروبية لاختيار وسائل الوقاية من خطر الإرهاب القادم من الشرق. إذ يوجد بند في مقترح القانون المعروض للنقاش في البرلمان الدنمركي يتحدث عن “مصادرة جواز السفر في حالة شك السلطات في علاقة أي مسافر بالإرهاب”، وهذا البند إنما يفتح أمام الجميع أبوبا واسعة من التأويل والتوسع في مفهوم الشك إلى درجة أنه يمكن مصادرة الجواز على أساس المظهر أو اللباس.


لكن العديد من السياسيين يؤكدون أن المسألة لا تتعلق بإجراءات استثنائية ظرفية للوقاية من خطر سوف يمر، “لكن الأمر يتعلق باستراتيجية متكاملة للقضاء على خطر الإرهاب المتعاظم والذي أصبح مركبا عضويا في المجتمع الأوروبي اليوم، نظرا لوجود مواطنين من أوروبا منخرطين في مجموعات إرهابية متوحشة”، وهو ما أكدته وزيرة العدل الدنمركية كارين هيكروب في اجتماع مع بعض زملائها من دول الاتحاد، لمناقشة الخطوة الأوروبية الجماعية تجاه “المتوقع عودتهم من سوريا، وقد أصبحوا أكثر تطرفا” حسب قولها، وهو ما يفرض على السلطات مراقبة المساجد التي دعت للسفر إلى سوريا والتي مثلت ملاجئ ومقرات للقيام بالتجنيد والتأطير وإرسال الشباب إلى القتال.


العودة بأكثر تطرف


اعترف العديد من المسؤولين الأمنيين في أوروبا بازدياد أعداد الإرهابيين باطراد نتيجة التواصل بين الخلايا العنقودية المنتشرة في أوروبا والتي لا تخضع لسلطة مركزية واضحة يمكن كشفها، بل إن الصعوبة التي تواجهها أجهزة الاستخبارات الأوروبية اليوم تكمن في عدم وجود قيادات أو مرجعيات مركزية يمكن تتبعها والقبض عليها.


وقد اتجهت السلطات الأمنية والإستخبارية في بعض دول أوروبا إلى التعمق أكثر في دراسة تفاصيل هذه الجماعات وسر عدم اندماجها صلب المجتمعات الأوروبية المعروفة بانفتاحها وعدم تعصبها ضمانا للحريات الدينية، وقد توصلت جل التقارير الصادرة عن تلك الأجهزة إلى أن “القناعات الأيديولوجية المتعصبة وبنية العائلة التي لا تسمح للشباب بالاندماج في المجتمع والخوف من العودة إلى الدول الأصلية نتيجة الفقر والدكتاتورية، كلها عوامل تساهم في خلل داخل البنى النفسية للشباب المسلم في أوروبا ويدفعه إلى التطرف ومن ثمة السفر للقتال في دول أخرى”.


فقد قال روب بريثولي رئيس جهاز الاستخبارات العامة والخدمات الأمنية الهولندية، في مقابلة نادرة مع التلفزيون الهولندي، “إن عدد المواطنين الهولنديين المتجهين إلى سوريا ينمو باطراد”، كما أعرب عن قلقه بشأن عودتهم للوطن بعد قتالهم في صفوف الثوار السوريين في الحرب الأهلية الدامية الدائرة هناك. وأضاف، “برأيي إنه أمر مؤرق للغاية بسبب الخبرة القتالية التي يكتسبونها والقناعات الأيديولوجية وحقيقة أنهم قد يصابون بصدمات هناك وينقلونها في شكل عمليات إرهابية إلى أراضينا”.


كما أكد خبراء في مجال مكافحة الإرهاب أن الأمر لا يتعلق فقط بهذه المدة التي تدور فيها رحى الحرب في سوريا، وإنما الخطر يكمن في ما بعد سوريا، أي أن العائدين منها إلى دول أوروبا سوف يكونون بالآلاف عوض العشرات، وهنا تكمن صعوبة التحكم في هذا العدد المهول.


وقال بيتر كنوبه، مدير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، إن المشكلات الحقيقية قد تظهر عند انتهاء الحرب، فعقب الصراعات يكون “لديك دائما نوع من انتشار المقاتلين الذين يتجهون أحيانا إلى مناطق أخرى، لقد تم تدريبهم على القتال، وبعضهم لا يعرف التوقف”، وهو ما يفسر المخاوف التي ألمت بأغلب الدول الأوروبية التي تعيش الآن تحولات عميقة داخل بناها السياسية واتجاهات أحزابها الكبرى.

 

 

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology